في تطوّر بارز ستكون له تبعاته، أعاد القضاء التونسي مرشحَين إلى السباق الرئاسي بعدما كان طلباهما قد رفضا سابقاً.
وقضت المحكمة الإدارية في تونس بعودة كل من عبد اللطيف المكي ومنذر الزنايدي إلى سباق الرئاسة بعد قبول طعنيهما في قرار الهيئة العليا المستقلة للانتخابات. وأبلغ الناطق الرسمي باسم المحكمة فيصل بوقرة وسائل الإعلام قبول الطعنين المقدمين من المرشحين.
وكانت هيئة الانتخابات التونسية أعلنت رفض طلبي ترشح المكي والزنايدي مبررة ذلك بأن ملفيهما لا يستجيبان لكل شروط الترشح. ولم تضم القائمة الأولية المعلنة لمرشحي الانتخابات الرئاسية التونسية سوى الرئيس الحالي قيس سعيد والأمين العام لـ"حركة الشعب" زهير المغزاوي والأمين العام لـ "حركة عازمون" عياشي الزمال.
ويعتبر قرار المحكمة الإدارية نهائياً لا يمكن الطعن فيه، ما يعني أن عدد المرشحين للرئاسة صار 5 بانتظار الحكم في الطعن الذي قدمه المرشح عماد الدايمي.
المنافسة تشتد
ويعتبر الزنايدي (74 سنة) الذي يخوض السباق الانتخابي من فرنسا، واحداً من وزراء الصف الأول في نظام الراحل زين العابدين بن علي الذي أطاحته ثورة كانون الثاني (يناير) 2011، وتولى الرجل مناصب وزارية من دون انقطاع بين عامي 1994 و2011، وهي وزارات النقل والسياحة والتجارة والصحة، وكان منتسباً إلى حزب "التجمع الدستوري الديموقراطي" الحاكم.
وكان الزنايدي أعلن ترشحه من فرنسا في نيسان (أبريل) الماضي، وقال في فيديو نشره على صفحته الرسمية في موقع "فايسبوك"، حينها، إنه يعتبر الانتخابات الرئاسية المقبلة بمثابة "انتخابات الإنقاذ".
وقام المشرفون على حملته بتجميع التزكيات الشعبية من عموم الناخبين، لكن هيئة الانتخابات قالت إنها كانت غير سليمة، ما دفعه ليعيد تقديم 10 تزكيات نيابية وفق ما ينص عليه القانون.
والزنايدي هو المرشح الوحيد الذي استطاع أن يحصل على تزكيات من نواب البرلمان، وهو لا يمتلك حزباً يمثله فيه، في وقت يسود فيه اعتقاد عام بأنّ جل نواب البرلمان هم من الموالين للرئيس قيس سعيد.
ويواجه الزنايدي عدداً من الملاحقات القضائية بشبهات تورط في ارتكاب جرائم فساد عندما كان وزيرا قبل العام 2011.
أما عبد اللطيف المكي فهو واحد من أبرز القيادات الإسلامية في تونس. وسبق له أن انتخب نائباً بعد ثورة 2011 وشغل منصب وزير الصحة في مناسبتين، ويعد واحداً من الأصوات المتشددة في صفوف الإسلاميين وقد سُجن في عهد بن علي.
وكان المكي من بين أبرز المعارضين لرئيس "حركة النهضة" راشد الغنوشي والمنادين باستقالته وابتعاده عن رئاسة الحركة. وبسبب هذه الخلافات استقال من الحركة بعد حوادث 25 تموز (يوليو) 2021 مع 100 من قيادات الحركة وأسس حزباً خاصاً به.
وأصدر القضاء التونسي الشهر الماضي حكماً بالسجن ضد المكي لمدة 8 أشهر مع حرمانه من حق الترشح للانتخابات مدى الحياة بشبهات تتعلق بتدليس تزكيات انتخابية.
رسالة إلى الداخل والخارج
وتأتي قرارات المحكمة الإدارية في وقت تؤكد فيه المعارضة أن القضاء في تونس لم يعد مستقلاً "وهو ما يجعل منها قرارات مهمة"، وفق القيادي في حزب "مسار 25 جويليه" المساند لسعيّد عبد الرزاق الخلولي.
ويقول الخلولي لـ"النهار" إن قرارات المحكمة الإدارية الصادرة في الساعات الأخيرة تبعث برسائل إلى الداخل والخارج تؤكد أن القضاء في تونس مستقل. ويضيف: "اليوم صدرت هذه القرارات عن المحكمة الإدارية التي هي محكمة الشرعية وعن جلسة عامة تضمن 27 دائرة".
وتشكل عودة المكي والزنايدي منعرجاً جديداً للانتخابات الرئاسية، وفق أغلب المراقبين. وفي وقت كان فيه الجميع يعتقد أن السباق الانتخابي بات محسوماً لفائدة الرئيس قيس سعيد بالنظر إلى طبيعة المتنافسين معه، جاءت قرارات المحكمة الإدارية التونسية لتعيد خلط الأوراق من جديد.
ويقول المحلل السياسي باسل ترجمان إن قرارات المحكمة الصادرة تحمل العديد من الدلالات. ويوضح، في تصريح لـ"النهار"، أنّ "القضاء الإداري الذي قرر إعادة مرشحين للانتخابات فنّد السردية التي صوّرت السباق الرئاسي في تونس وكأنه محسوم لمصلحة الرئيس سعيد حتى قبل بدايته".
ويعتبر ترجمان أن عودة الزنايدي والمكي إلى السباق الرئاسي "ستعطيه دفعاً جديداً وتخلق مناخاً تنافسياً بين عائلات سياسية مختلفة"، وستكون الكلمة في النهاية للشعب التونسي عبر الصندوق يوم السادس من تشرين الأول (أكتوبر) المقبل، موضحاً أنه "لا يمكن من الآن التكهن بنتيجة" محسومة له.
لكن الخلولي يرى أن "العائدين إلى السباق بالإسعاف"، كما وصفهم، آفاقهم "ضعيفة"، مؤكداً أن "مثلهم كمثل الذي يحرث في البحر". وشدد على أن "هدفهم العودة بنا إلى الوراء ولكنهم سيعودون بخفي حنين".
وتنظم تونس انتخاباتها الرئاسية على وقع أزمة سياسية مستمرة منذ نحو عامين، وتتهم المعارضة الرئيس سعيد بـ"محاولة اقصاء كل الأصوات المخالفة له"، في حين يسعى هذا الأخير للفوز بولاية ثانية "لاستكمال مسار اصلاح ما أفسدته منظومة الحكم السابقة"، كما أكد ذلك في مناسبات عدة.