اشتهر كريم بن عرفة في تونس بأنه "باني الجسور" الذي يعيد الأمل لأبناء المناطق الداخلية والنائية بالاجتهاد والنجاح، هم الذين انقطع كثير من أطفالهم عن الدراسة بسبب السيول الجارفة والأمطار، عدا وفاة بعضهم، وذلك في غياب أي اهتمام من الدولة بهذه المناطق التي انتفضت سنة 2011 على نظام بن علي مطالبة بالتنمية ولم تنل شيئاً مع الحكومات المتعاقبة.
بنى كريم بن عرفة، الناشط في المجتمع المدني في مجال الأعمال الخيرية ورجل الأعمال صاحب "شركة عرفة للأشغال العامة"، عدداً من الجسور في هذه المناطق، ومكّن مئات التلاميذ من الالتحاق بمدارسهم والعودة منها في أفضل الظروف، بعدما كان هؤلاء يمتنعون عن الذهاب إلى المدارس عند اشتداد المطر أو يضطر بعض المديرين إلى إيوائهم في بيوتهم.
كان النشاط الخيري لكريم بن عرفة في البداية يقتصر على صيانة بعض المدارس والمعاهد الثانوية، إلا أنه انتقل في السنوات القليلة الماضية إلى بناء الجسور على الأودية في المناطق النائية. وقد تحدى بن عرفة البيروقراطية الإدارية في تونس التي تعيق نموها وبادر فنجح، من دون رغبة في الربح وسعي لأي منصب سياسي مثلما تبادر إلى أذهان بعضهم ممن اعتادوا رؤية سياسيين يقومون بالأعمال الخيرية للحصول على أصوات الناخبين.
ويتم استعمال الخردة من الحديد وباقي المعادن التي يعتقد أنها لم تعد صالحة لبناء هذه الجسور، في بادرة لاقت استحسان الجميع باعتبار الجدوى البيئية للمشروع الذي يعيد استغلال المخلفات المعدنية المشوهة للبيئة.
بارقة أمل
لقد مثّل كريم بن عرفة بارقة أمل للجهات النائية والمنسية التي أهملتها الدولة ولم تعرها أي اهتمام في برامجها التنموية التي ركزت على جهات ومناطق معروفة فرضتها الولاءات والانتماءات الجهوية والمناطقية. ونجح بن عرفة في زرع الأمل للأطفال من تلاميذ المدارس الذين لم يعد يخشى عليهم من أن تجرفهم السيول عند هطول الأمطار وهم يعبرون الأودية من أجل التحصيل العلمي، بعدما قام أيضاً بترميم قاعات بعض المدارس وإصلاح طاولاتها ومقاعدها.
يقول كريم بن عرفة في إحدى المناسبات بعد إنجاز جسر: "الحمد لله الذي وفقني في هذا العمل لتصبح المنطقة بهذا الشكل الجميل، وقد كان العمل هو مفتاح النجاح. أنا سعيد بهذه النتيجة وسيكون الأطفال أكثر سعادة، ولذلك يجب أن تتكاتف الجهود ليكون مستقبل البلاد أفضل. بالعمل تتغير عديد الأشياء وبدل أن تلعن الظلام أوقد شمعة، سيبقى هذا شعاري رغم قلة الإمكانيات".
تقصير الدولة
يرى الناشط في المجتمع المدني في المجال البيئي وليد الزيناوي، في حديث إلى "النهار العربي"، أنّ ما يقوم به كريم بن عرفة تطوعاً يطرح تساؤلات متعلقة بالدولة وتقصيرها في هذا المجال، فهل صعب عليها أن تنجز خريطة تتضمن مختلف المناطق التي هي بحاجة إلى جسور وتشرع في الإنجاز بالتدرج وعلى مراحل وكلما توفرت السيولة؟ لماذا لم تهتد الدولة، بحسب الزيناوي، إلى "الحل الذي وجده الناشط المدني في إعادة تدوير خردة الحديد المتراكمة والملوثة للبيئة، ألا يوجد في الإدارة من يفكر ويهتدي إلى حلول مثل هذا الحل وغيره؟ ثم لماذا لا تدعم الدولة هؤلاء الخيرين بالمال أو على الأقل لتخفف عنهم القليل من بيروقراطيتها المشينة المتمثلة في كثرة التراخيص والإجراءات الإدارية لإنجاز مشاريع مثل هذه؟".
ويضيف: "إن ما يقوم به بن عرفة لا يساهم فقط في توفير البنية التحتية اللازمة في المناطق المنسية من البلاد التونسية، بل يساهم أيضاً في الحفاظ على البيئة من خلال إعادة استغلال ما تراكم من الحديد والصلب وضاقت به المخازن أو حتى الأراضي غير المستغلة. هو إذاً مشروع بيئي نموذجي وفي الوقت نفسه هو مبادرة إنسانية مجانية نأمل أن ينسج الكثيرون على منوالها ما دامت الدولة غير معنية كثيراً بتسهيل حياة المواطنين وهمها الأكبر هو جمع أكبر قدر من الموارد لسد عجز الموازنة".