النهار

بعد قطيعة عامين... هل يُعيد اتصال هاتفي الحرارة إلى العلاقات بين المغرب وتونس؟
بعد عامين من القطيعة على خلفية الموقف من الصحراء المغربية، تدفع اتصالات متبادلة أخيراً على أعلى مستوى بين تونس والمغرب، المراقبين، إلى التساؤل عن بوادر جدّية لصلح قريب بين البلدين
بعد قطيعة عامين... هل يُعيد اتصال هاتفي الحرارة إلى العلاقات بين المغرب وتونس؟
علما تونس والمغرب
A+   A-

بعد عامين من القطيعة على خلفية الموقف من الصحراء الغربية، تدفع اتصالات متبادلة أخيراً على أعلى مستوى بين تونس والمغرب، المراقبين، إلى التساؤل عن بوادر جدّية لصلح قريب بين البلدين، يعيد الدفء إلى العلاقات بينهما.

 

الأسبوع الماضي، كان وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة من أول المتصلين بنظيره التونسي المعيّن حديثاً محمد علي النفطي. وبحسب البيان الرسمي التونسي، هنأ بوريطة نظيره بالثقة الغالية التي حظي بها من الرئيس التونسي قيس سعيّد.

وتمّ في الاتصال التأكيد على "عمق ومتانة الروابط الأخوية التي تجمع بين الشعبين الشقيقين، والحرص المشترك على دعم أواصر التعاون بين الجمهورية التونسية والمملكة المغربية في مختلف المجالات".

بداية الأزمة

منذ عام 2022، شهدت العلاقات بين تونس والمغرب فتوراً كبيراً، وصل إلى حدّ تبادل سحب السفراء، على خلفية مشاركة زعيم جبهة البوليساريو إبراهيم غالي في قمة "تيكاد" التي نظّمتها اليابان بالشراكة مع الاتحاد الإفريقي، واحتضنت تونس دورتها الثامنة.

وأعلن المغرب حينها احتجاجه على حضور غالي القمة، قبل أن يقطع مشاركته فيها. كما عبّر عن استيائه من استقبال سعيّد لغالي، إذ رأت الرباط في استقبال غالي ومشاركته في القمة الإفريقية - اليابانية "عملاً خطيراً وغير مسبوق، يجرح بشدّة مشاعر الشعب المغربي".

ردّت تونس حينها مؤكّدة أن الدعوة وُجّهت لغالي من أطراف منظمة للقمة، ودورها اقتصر على استضافة القمة، ولا علاقة لها بالدعوات للمشاركة فيها. وشدّدت على أنها تحافظ "على حيادها التام" في النزاع حول الصحراء المغربية، وهو "موقف ثابت لن يتغيّر إلى أن تجد الأطراف المعنية حلاً سلمياً يرضى به الجميع".

ولم يقنع الردّ التونسي المغرب الذي دعا سفيره في تونس للتشاور قبل أن يقرّر سحبه، لتردّ تونس بالمثل وتعلن سحب سفيرها من الرباط، فانقطعت الاتصالات بين البلدين، لكنهما حافظا على علاقتهما الديبلوماسية.

بوادر إيجابية

ليس اتصال بوريطة بنظيره التونسي المؤشر الأول إلى بوادر لحلحلة الأزمة بين البلدين. فقد سبق أن التقى وزير الخارجية التونسي السابق نبيل عمار برئيس الحكومة المغربي عزيز أخنوش في باريس، على هامش الاحتفال بذكرى إنزال "بروفانس" قبل نحو أسبوعين، وهذا حدث اعتبره العديد من المراقبين مؤشراً واضحاً إلى رغبة مشتركة في تجاوز الأزمة.

كذلك، حضرت وزيرة المرأة التونسية السابقة آمال حاج علي احتفالات سفارة المغرب في تونس بالذكرى الـ25 لعيد العرش، ونقلت مشاعر سعيّد وتقديره للملك المغربي محمد السادس، معرّجة على تاريخ العلاقات التونسية – المغربية، وعلى متانة هذه العلاقات في مختلف المجالات.

مجاملات ديبلوماسية

ويقول وزير الخارجية التونسي السابق أحمد ونيس لـ"النهار العربي"، إن "المكالمة الهاتفية الأخيرة جاءت بمبادرة من الوزير المغربي، وهذه مكالمة بروتوكولية تحدث دائماً في مثل هذه المناسبات"، لكنها تشير إلى أن المغرب يرغب في مدّ يده إلى تونس، ويسعى إلى تجاوز الأزمة بين البلدين.

ويضيف ونيس، أن المغرب أرسل في أكثر من مناسبة إشارات إلى تونس تؤكّد استعداده لرأب الصدع الذي أحدثته مشاركة جبهة البوليساريو في قمة "تيكاد" في تونس، لكنه يقول إن تونس "لم تُظهر أي تفاعل مع هذه الإشارات، وفوّتت مناسبات عديدة لاستعادة زخم علاقاتها بالمغرب، وما يتمّ تبادله بين البلدين اليوم لا يتجاوز المجاملات الديبلوماسية التي لن تساهم في إذابة الجليد ما لم يُظهر البلدان رغبة جدّية في ذلك".

ويشير ونيس إلى أن الديبلوماسية التونسية مطالبة بالعمل على استعادة دورها دولةً جامعة تتبنّى سياسة الحياد الإيجابي، وهو أحد ثوابت سياستها الخارجية، و"الزيارات للجزائر والمغرب وليبيا وموريتانيا من أجل البحث في مستقبل اتحاد المغرب العربي، خطوة ضرورية في هذا السياق"، مشدّداً على أن تونس تبنّت منذ استقلالها سياسة الحياد الإيجابي في مجالها المغاربي، وهذا ساهم في حفاظها على علاقات جيدة مع كل دول المنطقة على حدّ سواء.

لاءات مغربية

يبدو مصطفى طوسة، المحلل السياسي المغربي المقيم في باريس، متفائلاً بمثل هذه الاتصالات التي تؤشر إلى رغبة جادة بين الطرفين في كسر الجليد بينهما، إلّا أنه يستبعد عودة الحرارة إلى العلاقات الفاترة بين البلدين في الوقت الحالي، مذكّراً بالشروط المغربية في هذا السياق، وأبرزها "خروج تونس من الموقف الرمادي تجاه قضية الصحراء المغربية، وامتناعها عن إصدار أي موقف قد يشير إلى اعترافها بوجود هذه الجمهورية الوهمية" على حدّ تعبيره.

ويضيف طوسة، أن تجاوز الأزمة غير المسبوقة تاريخياً بين البلدين "يبقى رهينة موقف تونس من هذا الملف الحساس بالنسبة إلى المملكة المغربية"، فالموقف من الصراع على الصحراء "معيار مغربي لعلاقاته الخارجية، حتى أن الملك محمد السادس قال سابقاً إن بلاده تنظر إلى العالم عبر نظارة الصحراء".

اقرأ في النهار Premium