عاد ملف "بريكس" ليتصدر واجهة الأحداث السياسية والاقتصادية في الجزائر، بعد عام من رفض قمة المجموعة في جوهانسبورغ في جنوب أفريقيا في 22 آب (أغسطس) 2023 طلب الجزائر الانضمام إلى "البنك الجديد للتنمية" الذي يعتبر بمثابة الذراع المالية للمجموعة.
وأعلنت وزارة المالية الجزائرية الانضمام رسمياً إلى بنك "بريكس" في أعقاب الاجتماع السنوي التاسع لمجلس محافظي البنك في كيب تاون في جنوب أفريقيا.
ووصفت الوزارة هذه الخطوة بـ"الكبيرة في مسار الاندماج في النظام المالي العالمي"، وقالت إن "الانضمام جاء نتيجة تقييم صارم، ويعود إلى حد كبير إلى قوة مؤشرات الاقتصاد الكلي، ما يعكس متانة الاقتصاد الجزائري"، وقالت إن "أداء الاقتصاد الجزائري المتميز خلال السنوات الأخيرة من حيث نسب النمو، مدفوعاً بإصلاحات شملت قطاعات عدة، جعل من الجزائر شريكاً موثوقاً وفعالاً ضمن هذه المؤسسة".
ولقي القرار تفاعلاً في مواقع التواصل الاجتماعي حول توقيته والمكاسب التي ستجنيها الجزائر من هذا الانضمام، خصوصاً مع إعلان وزارة المالية الجزائرية أن "الانضمام إلى بنك مجموعة بريكس سيفتح آفاقاً جديدة لدعم النمو الاقتصادي للبلاد وتعزيزه على المديين المتوسط والطويل".
مصادر تمويل جديدة
أستاذ الاقتصاد في جامعة سطيف-1 الدكتور فارس هباش قال لـ"النهار العربي" إن الإعلان "يمثل خطوة استراتيجية مهمة على مستويات عدة، لا سيما أن هذا الانضمام يأتي في ظرف تتزايد فيه التحديات الاقتصادية على الصعيدين الإقليمي والدولي، كما أنه يعكس رغبة الجزائر في تعزيز شراكاتها الاقتصادية والاستفادة من المنصات الدولية الجديدة لتنويع اقتصادها".
وسيتيح انضمام الجزائر إلى بنك "بريكس"، بحسب هباش، "الوصول إلى مصادر تمويل جديدة ومستدامة، لأن هذا البنك يُوفر تمويلاً بشروط ميسرة للمشاريع التنموية والبنية التحتية، وهو ما يتوافق مع أهداف الجزائر، كما أن هذه الخطوة تساعد الجزائر على تقليل الاعتماد على الأسواق المالية التقليدية التي قد تفرض شروطاً أكثر صرامة".
ومن شأن هذا الانضمام أن يعزز العلاقات الاقتصادية مع الدول النامية، ويشرح هباش أن "البنك الجديد للتنمية يضم دولاً مثل البرازيل، روسيا، الهند، الصين وجنوب أفريقيا، وهذه الدول جميعها تشترك في رؤية مشتركة لتعزيز التعاون الاقتصادي بعيداً عن الهيمنة الاقتصادية الغربية، وانضمام الجزائر يفتح آفاقاً جديدة للتعاون الاقتصادي مع هذه الدول، ما يمكن أن يسهم في تعزيز العلاقات التجارية والاستثمارية وتبادل الخبرات التقنية".
بعد جيوسياسي
ومن بين الدلالات الأخرى التي ينطوي عليها انضمام الجزائر إلى البنك، يضيف هباش "تعزيز مكانة الجزائر من الناحية الجيوسياسية، إذ يضعها في قلب حوارات اقتصادية عالمية مهمة، ويعزز من مكانتها الجيوسياسية، إذ يضعها في قلب حوارات اقتصادية عالمية مهمة ويساعدها أيضاً في صوغ السياسات الاقتصادية على مستوى الجنوب العالمي والمساهمة في تشكيل نظام اقتصادي عالمي أكثر تعددية".
وقد تساعد هذه الخطوة الجزائر في مواجهة التحديات الاقتصادية، بما في ذلك تقلبات أسعار النفط والحاجة إلى تنويع الاقتصاد، ويمكن أن يلعب بنك بريكس دوراً مهماً في توفير الدعم المالي والفني اللازم لتجاوز هذه التحديات، كما في تعزيز الاستقرار المالي وتطوير القطاعات الاقتصادية الحيوية، بحسب الخبير هباش.
قرار بخلفيات سياسية
أما أستاذ الاقتصاد والتسيير البنكي في كلية العلوم الاقتصادية والعلوم التجارية وعلوم التسيير في جامعة ورقلة الدكتور ناصر سليمان، فيرى أن "الانضمام إلى البنك ينطوي على خلفيات سياسية أكثر منها اقتصادية، لأنه لا يختلف إطلاقاً عن الانضمام إلى بنك التنمية الأفريقي (مؤسسة تمويل تنموي متعدد الأطراف تأسست للمساهمة في التنمية الاقتصادية والتقدم الاجتماعي للدول الأفريقية) والبنك الإسلامي للتنمية أو أي بنوك إقليمية أخرى، أي أن الجزائر تصبح مساهمة في رأس مال البنك وتستفيد من شيئين مهمين، أهمهما الحصول على نصيبها من الأرباح السنوية بقدر مساهمتها أو بقدر ما تملكه من أسهم، إضافة إلى أولوية الاستفادة من قروض البنك لتمويل مشاريعها التنموية وبشروط أفضل ممن هو غير مساهم في البنك".
لكن استفادة الجزائر من هذه المكاسب محدودة لأنها ترفض رفضاً قاطعاً اللجوء إلى الاستدانة الخارجية حفاظاً على حرية القرار، وهو ما أكده الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون مراراً وتكراراً، لذلك يعتقد سليمان أن "الجزائر تسعى جاهدة للتقرب من هذا التكتل ووضع قدم داخل هذه المجموعة ولو من باب الاقتصاد والمالية والبنوك".
وغابت الجزائر عن قائمة المنضمين الجدد إلى مجموعة "بريكس" خلال صيف 2023، وهم السعودية والإمارات ومصر وإيران وإثيوبيا، بالإضافة إلى الأرجنتين، وقبل تلك القمة، ألقت الجزائر بكل ثقلها السياسي والدبلوماسي لضمان مقعد لها ضمن مجموعة "بريكس" لكنها لم تفلح.