النهار

اغتيال "امبراطور تجارة البشر"... هل تشتدّ حرب الميليشيات في ليبيا؟
القاهرة- أحمد مصطفى
المصدر: النهار العربي
ثمة تساؤلات عدة تدور في الأوساط الليبية حول عملية اغتيال غامضة استهدفت قائداً عسكرياً بارزاً في غرب البلاد، يُلقّب بـ "إمبراطور تجارة البشر".
اغتيال "امبراطور تجارة البشر"... هل تشتدّ حرب الميليشيات  في ليبيا؟
عرض تنفذه إحدى الميليشيات المسلحة في العاصمة الليبية طرابلس (أ ف ب)
A+   A-

ثمة تساؤلات عدة تدور في الأوساط الليبية حول عملية اغتيال غامضة استهدفت قائداً عسكرياً بارزاً في غرب البلاد، يُلقّب بـ "إمبراطور تجارة البشر". فهذا الحادث يأتي في إطار حرب الميليشيات المحتدمة في العاصمة الليبية ومحيطها، وربما يدشن مرحلة تصفيات جديدة تستهدف قادة المجموعات المسلحة التي تتعاطى الهجرة غير الشرعية، وسط ضغوط شديدة تمارسها دول جنوب أوروبا المتوسطية، لإغلاق ممرات المهاجرين وتشديد الحراسة على الساحل الليبي.

 

واغتال مسلّحون مجهولون الأحد الماضي قائد "معسكر الأكاديمية البحرية" عبد الرحمن ميلاد (34 عاماً)، الملقّب "البيدجا"، في منطقة صياد غرب العاصمة طرابلس، في عملية تباينت رواياتها. 

 

 

توتر في طرابلس

تردّد أن القتيل لقي حتفه بعد استهداف سيارته بقذيفة، فيما ذهبت رواية أخرى إلى أن "البيدجا" تعرّض لكمين وأطلق أربعة مسلحين يستقلون سيارة الرصاص عليه وهو داخل سيارته. لكن مع ظهور صور ومقاطع فيديو لـ"البيدجا" مقتولاً داخل سيارته، رُجحت الرواية الثانية، إذ لم تظهر أي آثار تفجير. إلّا أن العملية بدت احترافية، وأظهرت صور تداولها ناشطون "البيدجا" صريعاً على عجلة قيادة سيارة رباعية الدفع بيضاء اللون، وقد اخترقتها رصاصات عدة.

 

وأثار الحادث توتراً في محيط طرابلس، واحتشدت الميليشيات الموالية لـ"البيدجا" للردّ على اغتياله، قبل أن تشدّد السلطة المركزية في الغرب الليبي على ملاحقة مرتكبي العملية. وأعلن رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبدالحميد الدبيبة، تكليف وزارة الداخلية والأجهزة المختصة فتح تحقيق عاجل، فيما تعهّد عضو المجلس الرئاسي عبدالله اللافي بأنّ "القتلة لن يفلتوا من العقاب". وأعلن النائب العام الليبي، مساء الثلاثاء، في بيان مقتضب، التعرّف إلى هوية متهمين اثنين في الحادث، موجّهاً أجهزة الأمن بضبطهما، من دون الكشف عن تفاصيل إضافية.

في المقابل، اعتبرت منظمة العفو الدولية أن مقتل ميلاد "يحرم العدالة الدولية من شخصية رئيسية في التحقيقات بشأن الجرائم المرتكبة في ليبيا". ورأت أن الجريمة "تفرض المزيد من الغموض حول الدور الذي يلعبه خفر السواحل الليبي، ومخاطر الترتيبات والتعهدات الإيطالية بشأنه".

ملك التهريب البشري

ذاع صيت "البيدجا" كونه من ملوك التهريب في ليبيا، من البشر إلى المحروقات وغيرها، خصوصاً حين تولّيه قيادة خفر السواحل في مدينة الزاوية الساحلية (غرب طرابلس). وهو أحد الشخصيات المثيرة للجدل في ليبيا، إذ يقود ميليشيات قوامها مئات العناصر المدججين بالسلاح الخفيف والمتوسط في الزاوية، وله ارتباطات واسعة بأطراف في السلطة المحلية، ظهرت واضحة خلال مراسم تأبين عسكرية أقامتها "أكاديمية الدراسات البحرية" بحضور رسمي، مكّنته من تولّي قيادة الأكاديمية البحرية، ومنحه رتبة عسكرية، على الرغم من عدم امتلاكه خلفية عسكرية، وعدّ تدرّجه في رتب الجيش الليبي.

 

وكان اسم ميلاد قد ورد في تقرير صادر عن مجلس الأمن الدولي في حزيران (يونيو) 2018، بوصفه زعيم أخطر عصابة تهريب بشر في ليبيا، متورطة في تعذيب المهاجرين وارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان. بعدها، صدرت بحقه مذكرة توقيف عن الإنتربول الدولي، كما فرضت وزارة الخزانة الأميركية عقوبات ضدّه وخمسة آخرين، بسبب "تهديدهم السلام أو الأمن أو الاستقرار في ليبيا، من خلال تورطهم في تهريب المهاجرين".

وفي 14 تشرين الأول (أكتوبر) 2020، أعلنت وزارة الداخلية في حكومة الوفاق الوطني السابقة، ضبط "البيدجا"، في خطوة حظيت بترحيب دولي. لكن الرجل لم يبق في السجن فترة طويلة، إذ أُطلق سراحه في نيسان (أبريل) 2021، وشوهد في مسقط رأسه بالزاوية يقود وحدة من خفر السواحل، قبل أن يُقلّد رتبة رائد بحري، ويتولّى منصب قائد معسكر "الأكاديمية البحرية".

وبحسب وسائل إعلام إيطالية وليبية، شارك ميلاد ومهرّبون آخرون، عام 2017، في مباحثات مع مسؤولين إيطاليين، ساهمت بتحقيق انخفاض ملحوظ في عدد رحلات القوارب التي تقلّ مهاجرين من السواحل الليبية نحو إيطاليا. 

من حلقات الفوضى

لكن، في أعقاب اغتياله، تحدثت وسائل إعلام إيطالية عن ارتباط الرجل بالاستخبارات العسكرية الروسية. وزعمت أن "البيدجا" كان يُستخدم من الروس لإغراق البحر المتوسط بالمهاجرين. إلّا أن رئيس حكومة الوحدة الوطنية دافع عن الراحل، وأشاد بـ"جهوده وزملائه لإعادة تأهيل الأكاديمية البحرية وتخريج دفعات جديدة منها، بعد توقف دام أكثر من عقد، فضلاً عن مساعيه دوماً للصلح والمصالحة في مدينة الزاوية". وبالمثل، أكّد عضو المجلس الرئاسي عبدالله اللافي، أنه كان "أحد الحريصين على استئناف مهام الأكاديمية البحرية، لتكون رافداً من روافد الدفاع عن الوطن".

 

يقول محمد امطيريد، الباحث الليبي في الشؤون السياسية والاستراتيجية، لـ"النهار"، إن اغتيال "البيدجا" يأتي ضمن حلقات الفوضى التي تعيشها العاصمة الليبية وصراع قادة ميليشياتها، متوقعاً تكرار عمليات التصفية وتصاعد وتيرتها خلال الفترة المقبلة، في ظلّ تأزّم الموقف السياسي وتفاقم الانقسامات في معسكر الغرب الليبي، لافتاً إلى أن "البيدجا" لديه خلافات قديمة مع وزير الداخلية عماد الطرابلسي، تتعلق بالسيطرة والنفوذ في مدينة الزاوية المتاخمة للعاصمة الليبية. 

ويتفق علي التكبالي، عضو مجلس النواب (البرلمان الليبي)، مع امطيريد، لكنه يرفض الجزم بخلفيات الحادث والجهات الضالعة بارتكابه، موضحاً لـ "النهار" أن "البيدجا" لديه خصومات عدة "نظراً إلى أنه قائد ميليشيا بارز في طرابلس، مطلوب محلياً ودولياً على ذمّة اتهامات تتعلق بـتهريب البشر والمحروقات"، مرجحاً أن يأتي اغتياله في إطار تصفية الحسابات والانتقام، أو المنافسة بين زعماء الميليشيات في الغرب الليبي. كما لم يستبعد التكبالي أن تقف أجهزة أجنبية وراء الاغتيال.

ملف الهجرة

تزامن اغتيال "البيدجا" مع اهتمام أوروبي بملف الهجرة غير الشرعية، وإجراء محادثات مكثفة لتجفيف منابعها. كما جاء بعد أيام قليلة من إعلان الادّعاء العام في ليبيا تفكيك شبكة تضمّ قائداً و10 أعضاء، تمتهن تهريب المهاجرين والاتجار بالبشر في منطقة الشويرف (جنوب غرب ليبيا)، مشيراً إلى أن انتهاكات المتهمين طالت حقوق 1300 مهاجر، وتنوعت بين الاحتجاز القسري والتعذيب والاغتصاب.

كما كشفت المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان في ليبيا، أن أكثر من 14 ألف مهاجر أُعيدوا قسراً من المتوسط إلى ليبيا في العام الجاري، بفضل خفر السواحل الليبي، بحسب إحصائيات مكتب المنظمة الدولية للهجرة في ليبيا، مشيرة إلى إستمرار سياسات صدّ قوارب المهاجرين في عرض المتوسط واعتراضها، والإعادة القسرية إلى ليبيا، على الرغم من المخاطر المحتملة على سلامتهم وحياتهم.

الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium