النهار

لا يملكن ترف الرّاحة... طالبات أرياف تونس يمضين الصيف في الحقول
تونس-كريمة دغراش
المصدر: النهار العربي
لا تقضي رُقية الوسلاتي التي تنتمي الى أسرة محدودة الدخل فصل الصيف مثل غيرها من الأطفال في سنها، اذ لم يسبق لرقية التي لم تتجاوز سنها 16 عاما أن زارت البحر أو ذهبت في جولة الى مدينة سياحية، اذ مع اغلاق المدارس أبوابها تنطلق رحلتها الى العمل في الحقول والمزارع.
لا يملكن ترف الرّاحة... طالبات أرياف تونس يمضين الصيف في الحقول
تونسيات يعملن في الزراعة
A+   A-
لا تقضي رُقية الوسلاتي التي تنتمي إلى أسرة محدودة الدخل فصل الصيف مثل غيرها من الأطفال في سنها، إذ لم يسبق لرقية التي لم يتجاوز عمرها 16 عاماً أن زارت البحر أو ذهبت في جولة إلى مدينة سياحية، إذ مع إغلاق المدارس أبوابها تنطلق رحلتها إلى العمل في الحقول والمزارع.
 
منذ سنوات اعتادت رقية العمل في عطلة الصيف في الحقول والمزارع القريبة من قريتها في محافظة باجة شمال غربي تونس، حيث تمضي يومياً أكثر من 7 ساعات في جني مختلف أنواع الفواكه أو القيام بأشغال يدوية شاقة تحت أشعة الشمس الحارقة.
وترافق رقية يومياً والدتها التي تقوم بهذا العمل منذ سنوات طويلة، حتى صار مورد الرزق الوحيد للعائلة المكونة من 4 أطفال وزوج مقعد.
 
تنهض الفتاة كل يوم في حدود الساعة الثالثة فجراً، وبعد أن تعد طعام النهار لبقية أفراد العائلة وتنهي أشغال ترتيب البيت وتنظيفه، تستقل ووالدتها شاحنة تنقلهما يومياً مع عشرات النسوة إلى إحدى المزارع، حيث تقضي معظم ساعات يومها تعمل، قبل أن تعود بعد الظهر إلى بيتها على متن المركبة نفسها.
 
لا تتجاوز أجرة عمل رقية في اليوم 20 ديناراً (5 دولارات)، لكنها  تقول لـ"النهار العربي" إنها تعطي جزءاً منها لوالدتها وتحتفظ بالبقية من أجل دفع ثمن مستلزمات العودة إلى المدرسة. "لا تقدر أمي على توفير ثمن الكتب وبقية مستلزمات المدرسة لي ولبقية إخوتي، وما أجمعه يساعد على ذلك"، تقول رقية.
 
ورقية واحدة من آلاف القصر في أرياف تونس، وخصوصاً من الطالبات اللواتي أجبرتهن الظروف المعيشية الصعبة على العمل صيفاً بين ثنايا المزارع والحقول من أجل توفير ثمن مستلزمات عودتهن إلى المدارس ومساعدة عائلاتهن على تحمل نفقاتها الكبيرة.
 
ويمثّل موسم حصاد الحبوب وجمع الغلال والفواكه والخضر، بالنسبة إلى رقية ومئات الطالبات من عمال المياومة في القطاع الزراعي، أحد أبرز موارد الرزق في مناطق لا تتوافر فيها موارد رزق أخرى.
 
عمل خطير
لكن هذا العمل الشاق في الحقول والمزارع قد يعرّض حياة هؤلاء الأطفال للخطر، ككل العاملين في المجال الزراعي في بلد تتعالى فيه الأصوات المنادية بحماية هذه الفئة الهشة من العمال مقابل ارتفاع عدد حوادث السير التي تفتك بها وتزايد كل أشكال استغلالها.
 
وأغلب العاملين في القطاع الزراعي هم من النساء، لا سيما من الفتيات القصر، وفق العديد من المصادر والتقارير الرسمية الصادرة في هذا الشأن.
 
وكثيراً ما كانت هذه الفئة الهشة من النساء عرضة لحوادث خطيرة بسبب ظروف نقلهن غير الآمنة، والتي تتم عادة عبر شاحنات قديمة لا تحترم شروط السلامة.
 
وقال المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية (غير حكومي) إنه منذ العام 2015 جرى تسجيل 79 حادث مرور متعلقاً بشاحنات النقل الفلاحي، أسفر عن وفاة 62 ضحية وخلف عدد 915 جريحة.
 
وبداية شهر تموز (يوليو) الماضي تسبب انقلاب شاحنة تنقل عدداً من العاملات في المجال الزراعي في منطقة دار الجمعية في محافظة القيروان وسط تونس، بوفاة طفلة في الـ15 من العمر كانت تركب في الصندوق الخلفي للعربة برفقة عدد من نساء المنطقة كنّ في طريقهن إلى العمل في أحد حقول الطماطم، وتسبب الحادث بإصابة 14 عاملة بجروح متفاوتة الخطورة، إحداهن فقدت بصرها إثر تعرضها لكسور على مستوى الجمجمة.
 
أرقام مفزعة
وقالت المنسقة الجهوية للمنتدى ماجدة مستور إن هذا الحادث ليس الأول من نوعه الذي تتسبب به ظروف النقل العشوائي وغير اللائق في هلاك طفلة، مؤكدة لـ"النهار العربي" تسجيل العشرات من الحوادث المشابهة في أرياف تونس الفقيرة راحت ضحيتها فتيات صغيرات.
 
ويعمل أكثر من 250 ألف طفل في تونس في قطاعات مختلفة، منهم 136 ألفاً في أعمال خطرة، بحسب آخر دراسة أنجزتها وزارة الشؤون الاجتماعية بالتعاون مع منظمة العمل الدولية والمعهد الوطني للإحصاء، وتقول مستور إنّ 50% منهم يعملون في القطاع الزراعي، مؤكدة أن هذه النسبة تعرف زيادة كبيرة في أيام العطل المدرسية.
 
وتشرح أن الطالبات القاصرات العاملات في القطاع الزراعي ينتمين إلى عائلات فقيرة، لذلك يجدن أنفسهن مجبرات خلال فترة العطل على العمل في المزارع لتوفير ثمن مستلزمات العودة المدرسية.
 
وتتركّز معدلات الفقر الأعلى في أرياف تونس، وخصوصاً في المحافظات الغربية، وغالباً ما يتخطى معدل الفقر 33%، حسب بيانات لمعهد الإحصاء الحكومي.

وتزيد الناشطة الحقوقية أن الطالبات العاملات في المجال الزراعي يمضين ساعات طويلة في الحقول ويقمن بأعمال شاقة لا تقدر أجسادهن الصغيرة عليها، وتلفت إلى أن عدداً منهن قد يجبرن على العمل بالتوازي مع الدراسة، وقد ينتهي الأمر بانقطاع نسبة مهمة منهن كلياً عن التعليم والعمل الدائم في الحقول.
 
ضحايا الاستغلال
ويتعرض 3% من الأطفال البالغة أعمارهم بين 14 و15 سنة لكل أشكال الاستغلال الاقتصادي، وذلك بحسب أرقام المعهد الوطني للإحصاء (حكومي) واليونيسف.
ووفق مستور، فإن نسبة كبيرة من العاملات في المجال الزراعي من الأطفال خلال فترة العطل المدرسية يتعرضن للاستغلال الاقتصادي، وحتى الجنسي، وذلك من خلال تشغيلهن بأجرة أقل من تلك التي يحصل عليها الرجال "رغم أن الاثنين يقومان بالعمل نفسه وللمدة نفسها".
 
وتضيف أن العديد من الشهادات التي جُمعت تشير إلى أن العديد من الفتيات يتعرض للتحرش وللاعتداءات الجنسية "لكنهن يفضلن السكوت خوفاً من الفضيحة".
 
وتعتبر تونس من بين أوائل الدول التي صادقت على اتفاقيات منظمة العمل الدولية المتعلقة بمنع تشغيل الأطفال دون سن السادسة عشرة، وبضبط شروط تشغيل الأطفال، كما وفرت إطاراً قانونياً وفق بناء تدريجي لنظام حمائي لتشغيل الأطفال.

اقرأ في النهار Premium