تمكّن عبد المجيد تبون، المرشح الأوفر حظا للفوز بالرئاسة الجزائرية في 7 أيلول (سبتمبر)، من تغيير صورته كأحد وجوه النظام إلى رئيس بوجه أبوي بالنسبة لكثيرين، لكن سجله في مجال الحريات يتعرّض لانتقادات كثيرة.
ويعدّ تبون (78 عاما) أوّل رئيس جزائري من خارج صفوف جيش التحرير الوطني الذي قاد حرب الاستقلال ضد المستعمر الفرنسي (1954-1962)، وتمّ انتخابه في 12 كانون الأول (ديسمبر) في اقتراع سجّل نسبة مقاطعة كبيرة ووسط الحراك الشعبي المطالب بإسقاط النظام بعد أن نجح في إسقاط الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة.
وحاول تبّون استيعاب عداء المتظاهرين في الحراك الشعبي المؤيد للديمقراطية، مؤكدا أنه يسير على خطى "الحراك المبارك"، شاكرا الشعب على إنقاذ البلاد من الانهيار الذي كانت ستمثله ولاية خامسة لبوتفليقة الذي توفى في أيلول (سبتمبر) 2021. وأصدر في بداية ولايته عفوا عن عشرات من سجناء الرأي.
لكن حملة القمع تزايدت بعد ذلك فساهمت، مع جائحة كوفيد، في انحسار التجمعات والحراك اعتبارا من ربيع 2020، وانتهى الحراك مع سجن أبرز وجوهه.
بعد خمس سنوات على رأس البلاد، يصف مدير مركز الدراسات حول العالم العربي والمتوسط في جنيف الجزائري حسني عبيدي حكم تبون بأنه "يعاني من نقص في الديموقراطية"، معتبرا أن هذا مؤشر ضعف للمستقبل.
واتهمت منظمة العفو الدولية غير الحكومية في بيان أصدرته في 2 أيلول (سبتمبر)، السلطات بمواصلة "قمع حقوق الإنسان" التي تراجعت بشدة "من خلال حلّ الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني وغلق وسائل الإعلام المستقلة".
كما دانت المنظمة غير الحكومية "الاعتقالات التعسفية" التي طالت نشطاء السياسيين، ما يدلّ على سلوك "نهج عدم التسامح نهائيا مع بروز آراء معارضة".
"عمّي تبّون"
عندما وصل الى السلطة، وصف متظاهرون تبّون بأنه "رئيس مزوّر جاء به العسكر"، لكن مع مرور السنوات استطاع أن يكسب قلوب الكثير من الجزائريين ويغيّر صورته.
وحاول التقرّب من الشعب. وعبّر عن افتخاره خلال مقابلة نشرت في نهاية آذار (مارس) بلقب يطلق عليه وهو "عمّي تبون".
كما أراد أن يظهر استقلاله عن الأحزاب التي فقدت مصداقيتها بعد دعمها اللّامشروط لبوتفليقة خلال ولاياته الأربع.
ويرى عبيدي أن "الرئاسة تحوّلت من مؤسسة وهمية إلى مركز للسلطة الحقيقية"، بل أصبحت "الحَكَم وقطب وساطة بين كل الأطراف في السلطة".
وتبون هو أيضا القائد الأعلى للقوات المسلحة ووزير الدفاع الوطني، ويصطحب في عدد كبير من تحركاته ونشاطاته قائد الأركان الفريق أول سعيد شنقريحة، وهو يعتبر أن الجيش الذي دعم سقوط بوتفليقة "هو العمود الفقري للدولة".
حصيلة اقتصادية جيدة
من جهة أخرى، يركّز تبّون على التحسن الاجتماعي والاقتصادي الذي حصل خلال حكمه.
ويجوب البلاد منذ شهور لإبراز دوره في انتعاش "ثالث أكبر اقتصاد في أفريقيا" بعد "عقد من حكم العصابة"، في إشارة الى بوتفليقة ومحيطه.
وبالاعتماد على المداخيل غير المتوقعة في الميزانية بسب ارتفاع أسعار الغاز منذ الغزو الروسي لأوكرانيا في شباط (فبراير) 2022، وعد الرئيس المنتهية ولايته برفع الرواتب ومعاشات التقاعد ومنح البطالة، في مواجهة مطالب الطبقة الوسطى بتحسين قدرتها الشرائية.
تخرّج عبد المجيد تبون من المدرسة الوطنية للإدارة سنة 1965، وشغل منصب والٍ (محافظ) مرات عدّة خلال الثمانينات، وهو يعتمد في تسيير البلد أكثر على خبرته الطويلة في مختلف مراكز السلطة ومعرفته الجيدة بأجهزتها.
وشغل لفترة وجيزة منصب وزير منتدب للجماعات المحلية في عام 1991 في ظل رئاسة الشاذلي بن جديد، قبل أن يختفي عن الساحة السياسية.
أخرجه بوتفليقة بعد انتخابه في العام 1999 من عزلته وعيّنه وزيرا بحقائب مختلفة حتى العام 2002. وبدأت عشر سنوات أخرى من العزلة حتى عودته في 2012 الى الحكومة، ثم رئيسا للوزراء عام 2017.
لكنه أقيل بعد ثلاثة أشهر بعد تهجمه على رجال الأعمال الذين يدورون في فلك الرئيس ويستحوذون على كل الصفقات الحكومية، وغالبيهم اليوم موجودون في السجن بتهم فساد تتعلق بهذه الصفقات.
وتخلّى الرئيس التاسع للجزائر، الأب لثلاثة أولاد وبنتين، عن التدخين بعد إصابته بفيروس كورونا في تشرين الأول (أكتوبر) 2020 ونقله للعلاج في مستشفى بألمانيا، حيث خضع لعملية جراحية في قدمه اليمنى في كانون الثاني (يناير).
ويدخل عبد المجيد تبون انتخابات السبت بثوب الفائز بولاية ثانية من خمس سنوات في مقابل المرشح الإسلامي عبد العالي حساني شريف والمرشّح الاشتراكي يوسف أوشيش.
ورغم إعلانه دخوله السباق الرئاسي كـ"مترشح حرّ"، إلا انه يلقى دعم الأحزاب الرئيسية في البرلمان بينهم حزب جبهة التحرير الوطني.