لاحت بوادر اتفاق ترعاه الأمم المتحدة على حلحلة النزاع المحتدم على المصرف المركزي الليبي، والذي ألقى بتداعياته على اقتصاد البلاد ونظامها المصرفي.
وبعد يومين من محادثات قادتها القائمة بأعمال الموفد الأممي إلى ليبيا ستيفاني خوري، وضمّت ممثلين عن مجلسي النواب والأعلى للدولة، وفي غرفة منفصلة ممثل ثالث عن المجلس الرئاسي، أعلنت البعثة الأممية، مساء الثلاثاء، التوصل إلى تفاهمات، وصفتها بـ "المهمّة" حول الأزمة، خصوصاً بشأن آلية تعيين محافظ المركزي الليبي ومجلس إدارته.
وكانت المشاورات التي انطلقت، الاثنين، في مقرّ البعثة الأممية في ضاحية جنزور، في العاصمة طرابلس، بدأت برفض ممثلي مجلسي النواب والأعلى للدولة، حضور ممثل عن المجلس الرئاسي، باعتبار أن الأخير "لا يملك سلطة تعيين محافظ المركزي وإطاحته"، فما كان من خوري إلّا أن قرّرت الفصل بين الطرفين، على أن يظل تمثيل الرئاسي الليبي في غرفة منفصلة، وعلى أن تلعب دور الوسيط.
ووسط تساؤلات حول الدور الذي يمكن أن يلعبه خلال المرحلة المقبلة حاكم المصرف موضع النزاع الصديق الكبير، خصوصاً بعدما حصل على حكم قضائي ببطلان قرار المجلس الرئاسي إطاحته من رئاسة المصرف المركزي وهي الخطوة التي رفضها النواب والأعلى للدولة، جاءت مسودة الاتفاق المبدئي التي حصل "النهار العربي" على نسختها، لتُرجح التخلّي عنه.
ووفقاً لمسودة الاتفاق، فإن المشاورات خلصت إلى تشكيل لجنة ثلاثية موقتة لإدارة المصرف المركزي يرأسها نائب المحافظ مرعي البرعصي، المقرّب من سلطة الشرق الليبي، على أن يعتمدها مجلس النواب، ويوكل إليها مهمّة تسيير أعمال المصرف لمدة شهر، يجري خلاله مشاورات بين مجلسي النواب والأعلى للدولة للتوافق على تسمية محافظ جديد يتولّى بدوره خلال 10 أيام تشكيل مجلس لإدارته "من ذوي المؤهلات العليا في مجالات القانون والشؤون المالية والمصرفية والاقتصادية".
وفتح الاتفاق المبدئي الباب أمام تمديد مهمّة اللجنة الثلاثية الموقتة لشهر آخر، في حال لم يتوصل المجلسان (النواب والأعلى للدولة) إلى تسمية المحافظ، على أن ترعى البعثة الأممية خلال المهلة الجديدة اجتماعاً بين المجلسين لتيسير تعيين المحافظ.
وبينما عكست أزمة المصرف المركزي تدهور الوضعين السياسي والأمني في ليبيا وتأزمهما، وأكّدت الضرورة الملحّة لتحرك دولي للتخفيف من حدّة الانقسامات وإعادة الثقة بين أطراف المشهد، سيكون هذا الاتفاق إن تمّ ابرامه محل اختبار تطبيقه على الأرض، وإن كانت رعايته من البعثة الأممية، ودعم العواصم النافذة على رأسها واشنطن يضمنان إلى حدّ كبير المضي قدماً في التنفيذ، كما يُمثل الاتفاق اختراقاً في العلاقة بين مجلسي النواب والأعلى للدولة (السلطة التشريعية المفترضة) رغم النزاع على رئاسة الأخير، الأمر الذي قد يُمهّد في مرحلة لاحقة، للاعتماد على المجلسين في إبرام اتفاق سياسي، محوره انجاز الاستحقاقات الانتخابية المعطّلة منذ نهاية عام 2021، وإجبار باقي الأطراف على تنفيذه.
وكانت بعثة الأمم المتحدة، أعلنت في ختام المحادثات، التوصل إلى "تفاهمات مهمّة"، لكنها لفتت إلى طلب ممثلي مجلسي النواب والأعلى للدولة مهلة من 5 أيام لاستكمال مشاوراتهما والتوصل إلى توافق نهائي بشأن الترتيبات اللازمة لإدارة المصرف، إلى حين تعيين محافظ جديد ومجلس إدارة.
وإذ أشادت البعثة بـ"أجواء التعاون التي سادت المشاورات"، ذكَّرت في بيانها كل الأطراف بـ"التأثيرات السلبية لاستمرار أزمة مصرف ليبيا المركزي على الحياة اليومية للمواطنين، وعلى ثقة المؤسسات المالية الدولية بالنظام المصرفي الليبي"، داعيةً الأطراف كافة إلى الوفاء بالتزاماتهم، والامتناع عن أي قرارات وإجراءات أحادية الجانب، والحرص على تكثيف الجهود للتوصل إلى اتفاق من دون تأخير.
عضو مجلس النواب الهادي الصفير أوضح لـ"النهار العربي"، أنه سيتمّ عرض ما تمّ التوصل إليه على أعضاء المجلسين: النواب والأعلى للدولة، والتشاور حول الأسماء التي تمّ طرحها لرئاسة المصرف المركزي، لاتخاذ قرار قبل الاثنين المقبل، تمهيداً لعقد اجتماع ثانٍ بحضور خوري، للتوقيع على هذا الاتفاق والبدء بتنفيذه، مؤكّداً على حصول توافق بين النواب والأعلى للدولة على حل أزمة المصرف المركزي وتعيين مجلس جديد لإدارته.
لكن المحلل السياسي الليبي محمد محفوظ توقّع أن تُراوح أزمة المصرف المركزي مكانها لفترة. ولفت لـ"النهار العربي"، إلى صعوبات عدة تواجه تنفيذ المخرجات المبدئية للمفاوضات الأممية مع أطراف الصراع، إذ أنها تصب في مصلحة مجلسي النواب والأعلى للدولة، وهو ما لن يقبل به المجلس الرئاسي وحكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة من دون الحصول على مكاسب في مقابلها، خصوصاً أنهما تمكنا من إزاحة الصديق الكبير من منصبه رغم نفوذه المحلي وعلاقاته الدولية، مشيراً أيضاَ إلى أن "ترك المجال لتوافق المجلسين على تعيين محافظ جديد وتشكيل مجلس لإدارته، يفتح المجال واسعاً في المستقبل لاتفاق يقضي بإطاحة حكومة الدبيبة وتشكيل حكومة موحّدة". وأوضح أن الدبيبة "يلعب بورقة رئاسة المركزي وإطاحة الكبير، لضمان بقائه في منصبه في ظل تصاعد الدعوات المحلية والدولية لإطاحته".
وأكّد محفوظ أن "ملف تقاسم الثروة، ومن ضمنه عائدات النفط والسيطرة على المصرف المركزي، تتداخل فيه أطراف محلية لديها قوة عسكرية على الأرض وأطراف دولية نافذة، وبالتالي فإن أي اتفاق قابل للتنفيذ يجب أن يحظى برضا كل هؤلاء ولا يقتصر على توافق النواب والأعلى للدولة".
ورفض الديبلوماسي الليبي السابق أحمد الأشهب الرضوخ للتدخّلات الدولية في الملفات المحلية، مشيراً لـ"النهار العربي" إلى أن "المحادثات الأخيرة بشأن أزمة المصرف المركزي ليبية – ليبية، ويجب على كل طرف النظر إلى مصالح البلد وشعبه، وتقديم تنازلات من أجل الخروج من الأزمة التي قد تعصف بالجميع، وعدم التمسك بمفاهيم باتت وهمية، كهويّة الجهة التي تمتلك الشرعية والصلاحيات". لكنه رجح هو الآخر إطالة أمد الأزمة، موضحاً أن التجارب السابقة تُشير إلى أنه عندما يعود الممثلون من جلسات التفاوض إلى قواعدهم تتشعب محاور المحادثات ويتفق البعض داخل المجلسين (النواب والأعلى للدولة) مع مخرجات المحادثات ويرفضها آخرون، فتراوح الأزمة مكانها ولا تُكلّل المفاوضات بالنجاح.
ورأى الأشهب أنه "حتى الآن يسود الغموض المحادثات، فلم يظهر منها هل النية في الإبقاء على الصديق الكبير، أم سيتمّ تعيين نائبه (مرعي البرعصي)، أم سيأتي شخص ثالث من خارج المشهد ليتولّى المنصب؟ وكل هذا يدور في حين أن الأنظمة المصرفية في ليبيا شبة معطلة".