تترقب الأوساط السياسية الجزائرية نسبة المشاركة في الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في 7 أيلول (سبتمبر) الجاري، لا سيما مع بروز دعوات متفرقة إلى التصويت بورقة بيضاء، وهو ما أطلق عليه في الاستحقاقات الانتخابية السابقة وصف "الحزب الأبيض" الذي كان الأكثر شعبية في التصويت ويعتبر بمثابة اعتراض على المرشحين المتنافسين جميعاً وعلى طريقة إدارة العملية الانتخابية.
وأول من دعا إلى التصويت بالورقة البيضاء رئيسة حزب "الاتحاد من أجل الرقي والتغيير" زبيدة عسول التي أقصيت من الترشح بسبب فشلها في جمع التوقيعات اللازمة، ونشرت صفحة الحزب على موقع "فايسبوك"، صورة لعسول وفي أسفلها عبارة "صوت بورقة بيضاء يوم 7 أيلول (سبتمبر)" من دون تقديم مبررات سياسية لهذا الخيار.
مسوغات الخيار؟
ثاني دعوة للتصويت بالورقة البيضاء صدرت عن "جبهة العدالة والتنمية" (حزب إسلامي)، ومن مسوغات الموقف الذي تبناه الحزب "رفض سياسة فرض الأمر الواقع"، وعبرت الجبهة عن "قلقها من أن العملية الانتخابية الحالية وما صاحبها من ممارسات خلال الحملة، دفعت بالعديد من المواطنين إلى الشعور بالإحباط واليأس تجاه العملية السياسية برمّتها"، وقالت إنّ "تجريد السياسة من الأخلاق خلال الفترات الانتخابية يتنافى مع مبادئ الإسلام ويؤدي إلى انتشار الفساد والظلم، ما قد ينتهي إلى زعزعة استقرار البلد وتقويض أسس الديموقراطية التشاركية"، وأضافت أن "السلوكيات المسجلة خلال الحملة الانتخابية الحالية، أعطت المزيد من المبررات للفئة الغاضبة والرافضة للمشاركة في العملية الانتخابية".
وبالعودة قليلاً إلى الوراء، فقد شهدت الانتخابات الرئاسية لعام 2019 إلغاء أكثر من مليون و125 ألف صوت معظمها من الأوراق البيضاء، وفي انتخابات 2014 جاء "الحزب الأبيض" في المرتبة الثالثة محققاً بذلك ما يقارب المليون ورقة ملغاة، وفي انتخابات 2009 وصل عدد الأوراق البيضاء التي أحصتها وزارة الداخلية إلى حدود مليون و42 ألف و700 ورقة، كما صوّت في انتخابات 2004 أكثر من 330 ألف مقترع بالورقة البيضاء.
أي تأثير؟
هذه المعطيات تثير مجموعة من التساؤلات حول مدى تأثير هذه الدعوات على الاقتراع الرئاسي. ولماذا تشكل الورقة البيضاء تحدياً بالنسبة إلى السلطة السياسية؟
بداية، هناك أمر مهم تجب الإشارة إليه وهو أن الداعين إلى التصويت بالورقة البيضاء فضلوا المشاركة على المقاطعة، وهو ما سيرفع من نسبة المشاركة، فهاجس العزوف الانتخابي هو بمثابة كابوس للسلطات يطاردها مع حلول كل موعد استحقاقي، لا سيما بعد تدني نسب مشاركة الناخبين في الاستحقاقات الانتخابية السابقة، إذ بلغت في انتخابات 2019 قرابة 40 في المئة وهي أدنى نسبة في انتخابات رئاسية تعددية في تاريخ البلاد، وفي 2014 بلغت نسبة المشاركة 50.7 في المئة، و75.68 في المئة في أول انتخابات رئاسية تعددية فاز فيها اليمين زروال.
ويقول الأستاذ المحاضر في العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة محمد الصديق بن يحيى عبد الرفيق كشوط لـ"النهار العربي" إنّ "الدعوة إلى الانتخاب بالورقة البيضاء تعني نظرياً أنها الأصلح والأنفع للتغيير مقارنة بالمقاطعة التي هي عبارة عن دعوة إلى العصيان وعدم التوافق على آليات التغيير، والتي أهمها الانتخاب، وكأن الداعي إلى المقاطعة غير متفق بالمرة على الانتخابات، سواء من حيث شكلها أم مضمونها أم أهدافها أم آلياتها".
وينظر كشوط إلى الورقة البيضاء من الناحية الإيجابية، ويوضح قائلاً إن "الذين يريدون ذلك ليسوا ضد الانتخابات كآلية للتغيير بل هم ضد الأشخاص، كما أن التصويت بها سيرفع من نسبة المشاركة، وهذا أمر إيجابي يدل إلى الوعي واستحضار الخطر إذا كانت نسبة المشاركة ضعيفة".
غياب المقاطعين
والإيجابي أيضاً في هذه الانتخابات، بحسب المحلل السياسي، غياب المقاطعين، وهو العامل الذي أثر كثيراً على نسبة التصويت في انتخابات 2019 بسبب عزوف الحراك الشعبي عن الانخراط في العملية الانتخابية، ويوحي ذلك، بحسب كشوط، بـ"عودة الثقة لدى شرائح واسعة من المجتمع".
ويقلل الأستاذ في كلية العلوم السياسية في "جامعة قسنطينة 3" لطفي دهينة من تأثير هذه الدعوات على الانتخابات الرئاسية الجزائرية، ويقول لـ"النهار العربي" إنها "سترفع من نسبة المشاركة وتخدم الانتخابات"، لكنه يرجح أنّ "الكتلة الداعمة لهذا الخيار لن تكون بنسبة كبيرة ولن تؤثر على نتائج التصويت لسببين رئيسيين، الأول: الشريحة التي تؤمن بالخيار السياسي ستتجه إلى الصندوق للتصويت لأحد المرشحين. أما الشريحة الثانية فهي لا تؤمن بجدوي الخيار السياسي من الأصل، وبالتالي فهي تقاطع العملية برمّتها ولن تذهب إلى الانتخاب كونها لا ترى جدوى من المشاركة، بما فيها بالورقة البيضاء".