النهار

سدود ليبيا بلا صيانة... وتحذيرات من مأساة جديدة في ذكرى "دانيال"
القاهرة- أحمد مصطفى
المصدر: النهار العربي
باتت حالة السدود المائية مصدر قلق لكثير من الليبيين، مع تعرضها لسنوات من التخريب والإهمال وسرقة مضخاتها منذ أحداث شباط (فبراير) عام 2011.
سدود ليبيا بلا صيانة... وتحذيرات من مأساة جديدة في ذكرى "دانيال"
جانب من الدمار الذي أحدثه انهيار سد درنة في شرق ليبيا في أيلول 2023 (ا ف ب)
A+   A-

انضمت التغيرات المناخية الحادة التي تعيشها ليبيا خلال الشهور الأخيرة إلى قائمة التحديات التي يكابدها بلد يعاني من تبعات عقد من عدم الاستقرار والصراعات المسلحة وانهيار في بناه التحتية وأنظمة الطوارئ.

ومع حلول الذكرى السنوية الأولى لكارثة العاصفة "دانيال"، التي فاقم تأثيراتِها انهيار سدين في مدينة درنة التي تتوسط الجبل الأخضر في شمال شرقي ليبيا، تشهد مدن ليبية عدة، خصوصاً تلك الواقعة بمحاذاة الحدود مع الجزائر، أمطاراً غير مسبوقة في كثافتها، أدت إلى سيول في بعض المناطق المنحدرة ما تسبب بانهيار طرق رئيسية وغرق منازل نزح قاطنوها وتعطُّل خدمات، لا سيّما الكهرباء والاتصالات، الأمر الذي دق ناقوس الخطر مجدداً من الكلفة الباهظة المتوقعة جراء تنامي الظواهر الجوية المتطرفة.

 

وباتت حالة السدود المائية مصدر قلق لكثير من الليبيين، مع تعرضها لسنوات من التخريب والإهمال وسرقة مضخاتها منذ أحداث شباط (فبراير) عام 2011.

 

وعلى مدى الأيام الماضية، أطلقت الأرصاد الجوية المحلية تحذيرات عدة من أمطار رعدية غزيرة على طول المدن الواقعة أقصى غرب ليبيا شمالاً وجنوباً، ما تسبب في سيول وجريان الأودية في بعض المناطق الجبلية لتتجمع المياه في المنخفضات، مشيرة إلى أن كميات الأمطار المسجلة خلال الأسبوع الأخير غير مسبوقة.

 

مدير بلدية غات (جنوب غربي ليبيا) إبراهيم خليل، قال لـ"النهار" إنّ مدينته الواقعة بالقرب من الحدود مع الجزائر تتعرض منذ عام 2019 لتقلبات جوية عنيفة وهطول كميات أمطار غير مسبوقة، ما أدى إلى انهيار البنى التحتية والخدمات المعيشية والصحية، ونزوح سكان المناطق القريبة من مجاري الأودية، لافتاً إلى ضعف الإمكانات في بلدته لمواجهة الظواهر المناخية التي لم تعتدها ليبيا. وطالب بتشكيل غرف متابعة وإنقاذ للتدخل السريع في الأزمات، وتوفير مساكن بديلة لإقامة النازحين من المناطق المتضررة جراء السيول.

 

وأمام هذا الوضع استنفرت السلطات المحلية وشكّلت غرفة متابعة وطوارئ مركزية، فيما حض رئيس الحكومة التي تُسيطر على شرق ليبيا وجنوبها أسامة حماد، الجهات المسؤولة والمواطنين على التزام التحذيرات المناخية لضمان التعامل الوقائي، والتخفيف من أضرار التداعيات، مع متابعة أحوال السدود الواقعة في مناطق سيطرته.

 

ويؤكّد الأكاديمي المتخصص في المناخ وتغيراته الدكتور يعقوب البرعصي على ضرورة الاستعداد لاستقبال منخفض جوي مداري على الأراضي الليبية خلال منتصف الشهر الجاري، وفقاً للتوقعات، تفادياً لتكرار مأساة "دانيال"، مشيراً إلى أن "التغيرات المناخية التي يتعرض لها الكوكب زادت من تطرف التقلبات المناخية، ولا بد من مراقبة تلك التغيرات عن كثب والتعاطي معها بفاعلية".

 

ويوضح البرعصي لـ"النهار" أن ارتفاع درجات حرارة البحر المتوسط زاد من حدة المنخفضات الجوية، وهو يؤدي إلى تشكيل أعاصير، ما يتسبب بانحراف المنخفضات الجوية إلى مناطق لم يكن متوقعاً مرورها عليها، ويضاعف من كميات الأمطار ويتسبب بزيادة كثافة المياه في الوديان وضغطها على السدود، مطالباً بـ"تشكيل لجان لإدارة الأزمات المناخية وتفعيل أجهزة الرصد والإنذار المبكر، فليبيا باتت بؤرة ساخنة للظواهر المناخية المتطرفة وأكثر بلدات أفريقيا تأثراً بتداعياتها".

 

وتمتلك ليبيا 14 سداً موزعاً على المدن الليبية كافة، وحذرت أوراق بحثية نشرها مختصون خلال السنوات الماضية من تعطل غالبية شبكات المياه المرتبطة بها منذ قرابة 15 عاماً في ظل غياب أعمال الصيانة الدورية.

وتسبب الاقتتال المسلّح على مدى السنوات الماضية في تعطيل سدود عدة وتخريبها، وسرقة معداتها الباهظة الثمن، وبالتالي إضعاف قدرتها على تخزين كميات كبيرة من المياه. كما تعاني سدود عدة، نظراً لموقعها غير المناسب، من مشكلات فنية بسبب الصدوع والفوالق الصخرية، مع انعدام المخصصات المالية اللازمة لعمليات الصيانة، في ظل الانقسام الحكومي والمؤسسي الذي تعانيه البلاد.

 

ويعد سد وادي القطار، أكبر سدود المنطقة الشرقية في ليبيا ويبعد نحو 30 كلم عن مدينة بنغازي (عاصمة شرق ليبيا)، وقد جرت توسعة حوضه عام 2004 ليتسع لنحو 130 مليون متر مكعب ويخضع لمتابعة وصيانة دورية، وفق مسؤول السدود في شرق ليبيا عبد الله الديفار.

 

لكن الديفار، يشير في حديث إلى "النهار" إلى أنّ سد وادي جازة الذي أنشئ مطلع ثمانينيات القرن الماضي، والواقع أيضاً بالقرب من بنغازي، يعاني من مشاكل في التحكم الالكتروني بعد تعرّض صمامته للعبث والسرقة، وتم إبلاغ السلطات الحكومية باحتياجات صيانته لتنفيذها بالاشتراك مع مكاتب استشارية إقليمية، كما شدد على ضرورة إخلاء سكان المناطق الواقعة على الوديان وحوافها نظراً إلى خطورتها.

 

ويؤكّد المسؤول الليبي، أيضاً، أنّ هناك عدداً من السدود الحجرية في منطقة الجبل الأخضر، التي تعمل على إعاقة جريان المياه في الوديان وتخفيف حدتها، تحتاج إلى صيانة حتى تتحمّل ضغط المياه الكثيف في حال اشتدت غزارة الأمطار.

 

أما في غرب ليبيا، فيوجد أكبر السدود على وادي غان، وقد تم إنشاؤه عام 1982 لحجز المياه المتساقطة خلال الشتاء واستخدامها في الزراعة، وهو يعد أيضاً معلماً سياحياً في غرب البلاد، بالإضافة إلى سد وادي مجينين وهو ساتري يبعد 64 كلم جنوب العاصمة طرابلس، أنشئ عام 1972 لتوفير المياه للزراعة والتحكم في الفيضانات، ويمتد من الحدود مع الجزائر غرباً ويمر بمعظم المناطق الوسطى، ويشكّل مصدراً رئيسياً لعيش سكانها.

مسؤول الدراسات في المركز الوطني للأرصاد الجوية خالد الفاضلي، يؤكّد لـ"النهار" أنّ "السدود والأودية الليبية في خطر بعد تعرضها للتخريب، وقد وجهنا تحذيرات إلى السلطات الحكومية بحاجتها لصيانة عاجلة"، موضحاً أنّ مركزه خصص نشرات للإنذار المبكر بحالة السدود بعد الذي جرى في مدينة درنة العام الماضي.

 

ويوضح أنّ "التحذيرات تشمل كميات الأمطار المتوقع هطولها وقدرة سدود ليبيا على تخزينها". ويشتكي الفاضلي هو الآخر من ضعف الإمكانات وهشاشة البنى التحتية، مطالباً بتحديث أنظمة الرصد الجوي.

اقرأ في النهار Premium