مثّلت الانتخابات الرئاسية الجزائرية انتكاسة مدوية لمنافسي الرئيس المرشح عبد المجيد تبون، إذ تلقى كل من مرشح "حركة مجتمع السلم" عبد العالي شريف حساني ومرشح "جبهة القوى الاشتراكية" يوسف أوشيش صدمة قوية تفتح المجال لكثير من التساؤلات حول أسباب هزال نتائجهما.
وأظهرت عمليات الفرز الأولية تقدُماً كبيراً للرئيس تبون، بحصوله على 94 في المئة من الأصوات أمام منافسيه حساني الذي حصل على 178 ألفاً و797 صوتاً أي ما يمثل 3.17 في المئة، وأوشيش الذي حصل على 122 ألفاً و146 صوتاً أي ما يمثل نسبة 2.16 في المئة، ما شكل خيبة أمل كبيرة لهما، لا سيما أنهما كانا يطمحان إلى تحقيق نتائج مُرضية مقارنة بالمجهودات التي بذلاها خلال الحملة الانتخابية من أجل استقطاب الناخبين، فما الذي حدث حتى مُنيا بهذه النكسة القوية؟
تراجع ملحوظ
مقارنة بسيطة برئاسيات 2019، تظهر أن المرشح الإسلامي آنذاك عبد القادر بن قرينة حقق نسبة تصويت مقبولة وجمع 1.4 مليون صوت من الناخبين، أي أكثر بكثير مما حققه حساني، رغم أنه لم يكن مرشحاً بارزاً.
وتتعدد العوامل والأسباب المؤدية لهذا الإخفاق بنظر محللين سياسيين، فهناك من يردّها إلى ضعف الطبقة السياسية وعدم قدرتها على إقناع الناخبين، وهناك من يربطها بحالة العزوف الكبيرة التي انعكست سلباً عليهما، إضافة إلى عوامل أخرى ترتبط في الغالب بالنضج السياسي وخوض التجربة للمرة الأولى.
يقول الأستاذ الباحث في العلوم السياسية لطفي دهينة، لـ"النهار"، إن النتائج "كانت مفاجئة بالنظر إلى حزبين عريقين في الساحة السياسية، لا سيما حركة مجتمع السلم التي تعتبر من أكبر الأحزاب من حيث الامتداد عبر ولايات الوطن والوعاء الانتخابي".
ولم تكن المفاجأة الكبرى في الانتخابات فوز الرئيس المنتهية ولايته بالرئاسة، فقد كان الرجل الأكثر حظاً بين المرشحين، لكن المفاجأة الكبرى، بحسب دهينة، كانت "النتائج الهزيلة التي حصل عليها المرشحان الآخران".
وفي قراءة للعوامل التي تقف وراء هذه "الهزيمة القاسية"، يشير دهينة إلى حالة العزوف الكبيرة التي انعكست سلباً على الخاسرين، لأن غالبية المقترعين صبت أصواتهم لمصلحة تبون، وإلى حالة الإرباك التي تسببت فيها السلطة المستقلة بتقديمها أرقاماً تلفها الضبابية والتضارب، ما دفع إلى التشكيك في مصداقيتها.
ويعتقد محللون سياسيون آخرون أن النتيجة التي حصل عليها منافسا تبون تعود كثيراً إلى الطبقة السياسية في البلاد وعلاقة المواطن بالسياسي، وفي هذا الإطار يرى المحلل السياسي أحسن خلاص، لـ"النهار"، أن "النتائج الأولية أظهرت ضعف الطبقة السياسية وعدم قدرتها على إقناع الناخبين، وهي التي عادت من تصحر سياسي أعقب عُقماً وممارسات مضى عليها الزمن"، فمرشح "جبهة القوى الاشتراكية" (الأفافاس) يوسف أوشيش، خاض المغامرة بعد 25 سنة من المقاطعة، واختار الحزب البقاء بعيداً عن خمسة استحقاقات رئاسية عرفتها الجزائر عقب التعددية السياسية في تسعينات القرن الماضي، والوضع ذاته ينطبق على مرشح "حركة مجتمع السلم" (أكبر الأحزاب الإسلامية والمعارضة بالجزائر) عبد العالي حساني، فهذه هي المرة الأولى التي تشارك فيها الحركة في الانتخابات الرئاسية منذ عام 1995.
ويقول الأستاذ الباحث في قسم العلوم السياسية والإعلام في جامعة بسكرة جدو فؤاد، لـ"النهار"، إن "تباين مواقف الأحزاب الكبرى ذات المرجعية الإسلامية في الجزائر تجاه الانتخابات أثّر سلباً على قاعدتها الانتخابية، إذ انقسمت بين مؤيد للرئيس عبد المجيد تبون ومعارض له وداعٍ إلى التصويت بالورقة البيضاء".
وهناك، بحسب فؤاد، مشكلات أخرى كانت سبباً مباشراً لفشل الأحزاب في الاستقطاب، وهي أن "معظمها تشكيلات سياسية مناسباتية تفتقر إلى برنامج سنوي تجمع حوله مناضليها، بحيث تنشط في فترات معينة ولا نجدها خارج المواعيد الانتخابية، كما أنها تفتقر إلى التكوين القاعدي لدى المناضلين".
لكن هناك من يرى أن الرئاسيات تحمل فرصاً لهذه الأحزاب، وهو ما أبرزته "حركة مجتمع السلم" في إحدى مقالاتها المعنونة "حمس ورئاسيات 2024.. فرصة أم رهان؟"، وقالت إن "الانتخابات في كل دول العالم وعند كل الأحزاب تحمل فرصاً ورهانات، فالانتخابات فرصة للتعريف بالحزب والقيادة وبالبرنامج والرؤى والمشاريع والبدائل، كما أنها فرصة لتوسيع الحاضنة الشعبية وتحضير كوادرها ورجالها للاستحقاقات القادمة، بالإضافة إلى أنها تشكل فرصة لتوسيع القاعدة الانتخابية والانتشار السياسي والتنظيمي وتحصيل القوة الانتخابية".