ترافق تحرك سلطة الشرق الليبي، وفي القلب منها "الجيش الوطني"، لإحكام سيطرتها على كامل حدود البلاد الجنوبية، مع تحرك خارجي لتعزيز علاقتها الأمنية والاقتصادية مع تشاد والنيجر، وسط قلق غربي يربط هذا التحرك بمساع روسية لتوسيع نفوذ موسكو في منطقة الساحل الأفريقي، وإنشاء "كونفدرالية" تضم دوله.
وخلال الأسابيع الأخيرة تبادل مسؤولون في بنغازي (عاصمة شرق ليبيا)، الزيارات مع نظرائهم في نيامي وإنجامينا، لتتوج بتوقيع سلطة شرق ليبيا عقد تنفيذ مشروع طريق بري يربط الحدود الجنوبية بين ليبيا ومصر بتشاد في الجنوب الغربي، وهو المشروع الذي اقتُرح قبل أكثر من عقد، لكن التوترات التي أعقبت أحداث مطلع عام 2011 عطلت تنفيذه.
وأجرى رئيس أركان القوات البرية التابعة لـ"الجيش الوطني الليبي" صدام حفتر، نهاية الشهر الماضي، زيارة للعاصمة النيجرية نيامب، وعقد لقاءً مع رئيس المجلس العسكري الحاكم هناك عبد الرحمن تشياني، كان محوره ملف ضبط الحدود بين البلدين التي تمتد إلى نحو 340 كلم، وفق مصدر عسكري ليبي، أوضح لـ"النهار العربي" أن محادثات النجل الأصغر لقائد "الجيش الوطني" خليفة حفتر، ركزت على "معالجة المشكلات الأمنية عبر الحدود المشتركة، وتكثيف الوجود الأمني على الشريط الحدودي، وتفعيل الدوريات المشتركة لمواجهة العصابات المسلحة التي تنشط في المنطقة لتهريب المهاجرين والسلاح والمخدرات، وكذلك تفعيل اتفاقيات التعاون الثنائي المتعلقة بتبادل المعلومات الاستخبارية، ومكافحة الجريمة المنظمة".
وإذ رفض المصدر "محاولات الزج بأي تحرك يقوم به الجيش الوطني وقيادته ضمن صراع المحاور المشتعل دولياً"، أكد "وجود اتصالات على المستوى العسكري مع العواصم الغربية، وعلى رأسها واشنطن، لطمأنتها إلى أن الجيش الوطني لا يعمل لمصلحة طرف دولي ضد آخر، وأننا منفتحون على علاقات قوية مع كل الدول الكبرى، بما يساهم في حل الأزمة السياسية في البلاد وتوحيد المؤسسات، لا سيما العسكرية والأمنية"، مشدداً على أن "التعاون بين الجيش الوطني الليبي وروسيا يقتصر على الاستشارات العسكرية في التدريب وتطوير الأسلحة، ولم نرفض التعاون مع أي دولة أخرى في هذا المجال، بل طالبنا الدول الغربية بدعم الجيش الوطني، لا سيما في أجهزة رقابة الحدود".
ولفت المصدر أيضاً إلى أن التعاون في تأمين الحدود بين ليبيا وتشاد والنيجر، يضبط الأوضاع الأمنية في الجنوب الليبي ويحد من الهجرة غير الشرعية، كما يساهم، من جهة أخرى، في تعزيز التعاون الاقتصادي بين البلدان الثلاثة، وإقامة مشاريع تنمية مشتركة. وقال: "هناك علاقة طردية بين الأمن والتنمية الاقتصادية، فكلما زاد الأمن والاستقرار في المنطقة الجنوبية الليبية، ارتفعت معدلات التنمية لتتحول إلى منطقة جاذبة للسكان، وهو ما يُرسخ الأمن ويمنع أي فرص لتشكيل العصابات والجماعات الإرهابية موطئ قدم"، مشدداً على "اهتمام الجيش الوطني بملف الجنوب وتنميته بعد سنوات من الإهمال والتهميش"، ومشيراً في هذا الإطار إلى اتفاق يجري العمل على تنفيذه لإنشاء طريق حر للربط التجاري بين مصر وليبيا وتشاد، بالإضافة إلى اتفاق للتجارة الحرة مع النيجر.
وغداة زيارة صدام حفتر نيامي، وصل رئيس الحكومة المسيطرة على شرق ليبيا وجنوبها أسامة حماد إلى انجامينا، حيث التقى الرئيس التشادي محمد إدريس ديبي، ضمن جولة أفريقية شملت موريتانيا أيضاً.
ونقل بيان ليبي تأكيد حماد خلال لقائه الرئيس التشادي الأهمية التي وصفها بـ"الاستراتيجية" لتنفيذ الطريق الدولي الذي يربط بين ليبيا ومصر وتشاد. وتحدث عن "منافع اقتصادية كبيرة، سيحققها لشعوب البلدان الثلاثة، فضلاً عن دعم تجارة العبور". كما أشار إلى دراسة لتنفيذ مشروع للربط عبر السكك الحديدية. ونقل البيان أيضاً إشادة ديبي بدور "الجيش الوطني" الليبي، ودعمه اللوجستي للبلاد في تأمين الحدود المشتركة (التي يبلغ طولها أكثر من ألف كلم)، ومكافحة الهجرة غير النظامية والجريمة المنظمة، وأعرب عن تطلعه إلى زيادة التعاون الأمني في المناطق الحدودية.
وفي أعقاب هذه الزيارة، أعلنت ليبيا السبت الماضي، توقيع مدير صندوق التنمية وإعادة الإعمار، بلقاسم حفتر، مذكرة تفاهم مع شركة "المقاولون العرب" المصرية، لتنفيذ الجزء المار داخل ليبيا من الطريق الدولي مصر - ليبيا - تشاد.
وأوضح الصندوق الذي يقوده نجل حفتر، في بيان، أنّ الطريق الجديد سيربط بين ليبيا ومصر وتشاد، وسيكون طول الجزء الواقع داخل ليبيا 393 كلم، تبدأ من العوينات على الحدود الجنوبية الغربية مع مصر إلى حدود تشاد، مؤكداً البدء في تنفيذ المشروع قريباً.
وفي 31 آب (أغسطس) الماضي، أعلنت حكومة حماد مقترحاً لتشكيل لجنة ثلاثية بين كل من ليبيا وتشاد ومصر، لدراسة تنفيذ المشروع، مشيرة إلى أن الحكومة المصرية أبدت استعدادها لتمويله، شرط موافقة ليبيا وتأمين الشركات التي ستعمل على تنفيذه.
الخبير في التنمية الاقتصادية خالد الكاديكي رأى أن هذا المشروع يحول ليبيا إلى بوابة للنقل والتجارة إلى وسط أفريقيا، لا سيما أن النقل البري أقل كلفة من البحري والجوي، مشيراً إلى أن هذا المشروع كان قد جاء ضمن دراسات وضعها خبراء أجانب قبل عقود لإقامة عدد من الطرق السريعة بطول نحو 600 كلم تربط بين ليبيا ودول الجوار في الشرق والغرب والجنوب.
وأوضح أن هذا الطريق سيتم ربطه داخل مصر بطُرق تصل إلى موانئ البحر الأحمر، وفي ليبيا بطريق يربط مدينة سرت الساحلية على المتوسط بمدينة الكُفرة في الجنوب، ما يعني أنه سيكون حلقة ربط بين البحرين الأحمر والمتوسط مع دول الجوار الجنوبية الأفريقية، ليكون ممراً تجارياً يساهم في زيادة تدفق الواردات البحرية إلى الدول الأفريقية الحبيسة جنوب ليبيا. ولفت أيضاً إلى أن هذا الربط البري مع مصر وتشاد "سيتكامل مع تطوير عدد من المطارات الليبية، بالإضافة إلى إقامة موانئ ومناطق حرة في مدينتي سرت وبنغازي على المتوسط في شرق ليبيا"، داعياً أيضاً إلى المضي قدماً في مشاريع ربط السكك الحديدية بين ليبيا ودول الجوار والتي ستُيسر نقل الأفراد، بالإضافة إلى البضائع.
وأكد الكاديكي لـ"النهار العربي" أن توقيع عقد تنفيذ المشروع مع شركة "المقاولون العرب" المصرية جاء لخبرتها الطويلة في هذا المجال، كما أنها تعمل منذ سنوات على الأراضي الليبية ولديها خبرات كبيرة في التعامل مع البيئة الليبية. ولفت في الوقت نفسه إلى أن توقيع المشروع من قبل صندوق إعادة الإعمار (إحدى الأذرع الإنشائية للجيش الوطني الليبي)، "يضمن تأمين عمليات تنفيذه".