عادت نقابتا التعليم الأساسي والثانوي في تونس إلى تحركاتهما الاحتجاجية أمام وزارة التربية، في خطوة من المتوقع أن تلحقها خطوات أخرى مماثلة في حال عدم الاستجابة لمطالبهما.
وقالت النقابتان إن هذه التظاهرة تأتي "احتجاجاً على سعي الوزارة للالتفاف على مضمون الاتفاقيات وانتصاراً للاستحقاقات المادية للمربّين". وترفع النقابتان جملة من المطالب التي تقول سلطة الإشراف إنها عاجزة عن تحقيق جزء منها في الوقت الحالي.
وتجدد تحركات المدرسين مخاوف الأولياء من تكرار سيناريو سنوات سابقة بلغت فيها حد التلويح بالسنة البيضاء واللجوء إلى الترفيع الآلي، بعدما قاطع المدرسون الامتحانات ورفضوا تمكين الإدارات من علامات اختبارات الطلاب.
ويهدد المدرسون بالإضراب عن العمل مع بداية العودة إلى المدارس إذا لم يُستجب لمطالبهم، وقال الكاتب العام للجامعة العامة للتعليم الثانوي محمد الصافي لـ"النهار العربي" إنه إذا استمر الوضع على ما هو عليه، فإن هيئة الثانوي قد تقرّ مبدأ الإضراب، فيما قال الكاتب العام لنقابة التعليم الأساسي إقبال العزابي لـ"النهار العربي" إن جامعة التعليم الأساسي تطالب بزيادة الأجور وتلافي اهتراء المقدرة الشرائية للمدرسين، وإلغاء التشغيل الهشّ، وإصلاح المنظومة التربوية وإيجاد حلول لاهتراء البنية التحتية للمؤسسات التربوية.
ويتذمر مدرسو تونس من ضعف رواتبهم مقابل ارتفاع كلفة المعيشة، كما يؤكدون أن ظروف عملهم غير لائقة. وتشتكي مدارس تونسية عديدة من نقص في الأجهزة والمعدات والكادر التدريسي.
ولسد الشغور تلجأ الوزارة إلى الاستعانة بخدمات "مدرسين نواب" يعملون بعقود غير قانونية مع وعود بتسوية وضعياتهم، وهو ما لم تف به في معظم المناسبات، وتطالب النقابات منذ سنوات بإدماجهم قانونياً.
معركة كسر عظم
والصراع بين النقابات ووزارة التربية ليس وليد اللحظة، فلطالما كان هناك شد وجذب بين الطرفين حتى قبل حوادث 2011، لكن هذا الصراع اتخذ منعرجاً مختلفاً بعد ذلك التاريخ وتحول إلى معركة كسر عظم كانت كلفتها غالية وفق أغلب المراقبين.
وتعتبر نقابات التعليم من بين أقوى النقابات المنضوية تحت لواء الاتحاد العام التونسي للشغل، وغالباً ما تحسب السلطة حساباً لتحركاتها بالنظر إلى حساسية القطاع الذي يهم آلاف العائلات التونسية.
ومنذ 2011 أضرب المدرسون في مناسبات عدة وتواصلت الإضرابات في بعض المرات لمدة طويلة، ولم يكد يمر عام دراسي من دون تحركات احتجاجية وإضرابات في المدارس والمعاهد الثانوية. وبلغ الأمر حد مقاطعة الاختبارات ورفض تسليم علامات الطلاب.
وفي عام 2015، قرر الوزير آنذاك ناجي جلول اعتماد آلية الترفيع الآلي رداً على مقاطعة المدرسين في المرحلة الابتدائية للامتحانات إنجازاً وإصلاحاً تجنباً لسيناريو السنة البيضاء.
ولجأت الحكومة العام الماضي إلى الاقتطاع من أجور المدرسين الذين رفضوا تسليم علامات الاختبارات. وكان الرئيس سعيد قد عبّر في أكثر من مرة عن رفضه طريقة احتجاج نقابات التعليم، مؤكداً أنه لم يعد مسموحاً "تحويل الطالب إلى رهينة".
ورغم جلسات التفاوض المستمرة بين الطرفين، لم يتم التوصل إلى حل نهائي للإشكال، ويقول النقابيون إنهم متمسكون بتطبيق الاتفاقات المبرمة مع الوزارة، بينما تبرر هذه الأخيرة موقفها بالأزمة الاقتصادية التي تمر بها تونس، وأجبرت السلطات على اتخاذ إجراءات إصلاحية قاسية، من بينها إيقاف التوظيف في القطاع الحكومي والضغط على كتلة الأجور.
وعلى امتداد السنوات الأخيرة ترفع النقابات جملة من المطالب ذاتها، من أبرزها رفع الأجور وتحسين ظروف العمل وإصلاح المنظومة التعليمية وانتداب المدرسين الذين يعملون بعقود غير قانونية.
كلفة عالية
ويجمع المعنيون في قطاع التربية على أن كلفة أكثر من عقد من الإضرابات كانت غالية بالنسبة إلى قطاع التعليم في تونس.
وتؤكد العديد من الدراسات أن هذه التحركات الاحتجاجية أثرت على مستوى التعليم وعلى المنظومة التعليمية في تونس. وارتفعت نسبة الانقطاع عن الدراسة، ويعتبر كثيرون أن ساعات الدراسة الضائعة أثرت على مستوى الطلاب وعلى سمعة التعليم الحكومي خاصةً.
وكان وزير التربية السابق كشف أن 75% من تلاميذ السادس الابتدائي و83% من تلاميذ التاسع الأساسي في حالة "شبه أمية". وبحسب أرقام رسمية، يغادر 30 ألف طالب سنوياً مقاعد الدراسة نهائياً في تونس.
وصار التعليم الخاص خيار ثدد من الأسر تونسية رغم ارتفاع كلفته، هرباً من تداعيات الإضرابات المتكررة على التحصيل العلمي لأبنائها.
ويخشى العديد من الأولياء أن يتكرر سيناريو الإضرابات هذا العام بعد تحركات المدرسين الأخيرة، ويرى العديد منهم أن الطالب هو من يدفع ثمن الأزمة بين المدرسين والطلاب.
وأكد رئيس جمعية أولياء التلاميذ رضا الزهروني أن من غير المقبول استعمال الطلاب رهينة. وتساءل عن واقعية المطالب التي ترفعها نقابات التعليم، مؤكداً أن "من غير المقبول ابتزاز سلطة الإشراف، فيما يعلم الجميع أنها حتى وإن وقّعت اتفاقات، فهي غير قادرة على تطبيقها".
وأوضح، في تصريح لـ"النهار العربي"، أن المطالب التي يرفعها المدرسون مشروعة "لكنهم ليسوا استثناءً"، مشيراً إلى أن غلاء المعيشة طال جميع فئات المجتمع التونسي، لذلك فإن رفع الأجور مطلب وطني لا يعني المدرس فقط.
ورأى الزهروني أن كلفة الاحتجاجات والإضرابات في قطاع التعليم كانت مرتفعة، مشيراً إلى ارتفاع نسبة الانقطاع عن الدراسة وإلى تدني مستوى الطالب التونسي وارتفاع منسوب العنف في المدارس.
ولفت إلى أن هذا الوضع جعل العائلات التونسية تهرب إلى التعليم الخاص، ما ضرب منظومة التعليم العمومي ومبدأ مجانية التعليم.