النهار

​ أزمة المصرف المركزي اللّيبي تراوح مكانها... الاقتصاد لا يتحمّل تداعياتها
القاهرة- أحمد مصطفى
المصدر: النهار العربي
أظهرت المفاوضات التي تقودها القائمة بأعمال الموفد الأممي إلى ليبيا ستيفاني خوري لحل الصراع على رئاسة المصرف المركزي عمق الفجوة بين الفرقاء، وحجم الصعوبات التي تُعطل اي توافق سياسي يُفضي إلى انتخاب سلطة تشريعية وتنفيذية جديدة للمرة الأولى في ليبيا منذ احداث شباط (فبراير) عام ٢٠١١.
​ أزمة المصرف المركزي اللّيبي تراوح مكانها... الاقتصاد لا يتحمّل تداعياتها
المصرف المركزي الليبي
A+   A-
أظهرت المفاوضات التي تقودها القائمة بأعمال الموفد الأممي إلى ليبيا ستيفاني خوري لحل الصراع على رئاسة المصرف المركزي عمق الفجوة بين الفرقاء، وحجم الصعوبات التي تُعطل أي توافق سياسي يُفضي إلى انتخاب سلطة تشريعية وتنفيذية جديدة للمرة الأولى في ليبيا منذ أحداث شباط (فبراير) عام 2011.
 
فخوري التي تجنبت فرض حلول بعينها، بدت كأنها تسير على خط رفيع لإحداث توازن بين معسكري الشرق والغرب الليبي، في محاولة لتحقيق اختراق لإحدى أعنف الأزمات التي قد تعصف بليبيا ومستقبل شعبها، وفي الوقت نفسه تضع في ذهنها أن إبرام هذا الاتفاق يفتح نافذة أمل لاستعادة الثقة بين المتصارعين، ما يُيسر إنجاز اتفاق حول الملفات التي تقوض إنجاز الانتخابات التشريعية والرئاسية المعطلة منذ نهاية عام 2021.
 
وفي تفاصيل الجولة الثانية من المحادثات التي انطلقت مساء الأربعاء واستمرت يومين، بين ممثلين عن المجالس الثلاثة: النواب والأعلى للدولة، وفي غرفة منفصلة الرئاسي، وكان محورها تشكيل لجنة ثلاثية تُدير موقتاً المصرف المركزي لحين تسمية محافظ جديد خلال شهر بالاتفاق بين النواب والأعلى للدولة، لكنها انتهت بتأجيل جديد لحسم النزاع، ما يُفاقم القلق على الوضع الاقتصادي في البلاد وانهيار مؤشراته، وعلى رأسها سعر صرف العملة المحلية الذي يشهد تراجعاً مستمراً منذ بداية الأزمة.
 
وكانت النقاشات قد شهدت شداً وجذباً بين معسكري الشرق والغرب، وبدأت بطرح الإبقاء على المحافظ الصديق الكبير لرئاسة اللجنة الثلاثية الموقتة، لكن الاقتراح قوبل بتحفظ، إذ إنه يمثل انتصاراً له ولمعسكر الشرق، الأمر الذي سيستفز خصومهم في الغرب وفي القلب منهم رئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة، كما طُرح اسم نائب المحافظ مرعي البرعصي المقرب من سلطة شرق ليبيا، الأمر الذي قوبل بتحفظ أيضاً للأسباب نفسها. 
 
وربط ممثل المجلس الرئاسي القبول بالاتفاق بشروط عدة، منها وضع معايير لاختيار رئيس اللجنة الموقتة والمحافظ الجديد، لكن الأهم اشتراطه نصاباً مكتملاً لجلسات النواب والأعلى للدولة للتصويت على الأسماء المقترحة، وهو شرط يُهدد صمود الاتفاق في حال إبرامه في ظل انقسامات داخل المجلسين. 
 
وأمام مراوحة الأزمة مكانها، عبرت البعثة الأممية عن الأسف لعدم التوصل إلى اتفاق نهائي، وإن رحبت في بيان أعقب ختام اليوم الثاني للمحادثات، بـ"التقدم المحرز بشأن المبادئ والمعايير والآجال التي ينبغي أن تنظم الفترة الانتقالية المؤدية إلى تعيين محافظ ومجلس إدارة جديدين للمصرف المركزي". 
 
وأوضح البيان أن بعثة الأمم المتحدة "يسرت مشاورات بين ممثلي مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة بشأن الأزمة المستمرة في مصرف ليبيا المركزي. وتشكل هذه المشاورات استمراراً للجهود الحثيثة التي تبذلها البعثة لإيجاد حل يُعيد لهذه المؤسسة الحيوية دورها داخل النظام المالي المحلي والدولي".
 
وذكّرت البعثة جميع الأطراف الليبية بـ"مسؤوليتها عن معالجة هذه الأزمة على وجه السرعة، كون استمرارها ينطوي على أخطار جسيمة على رفاهة الليبيين وعلى علاقات ليبيا بشركائها الدوليين". كما دعت الأطراف إلى "إعطاء الأولوية لمصلحة ليبيا العليا وإخراج المصرف المركزي من دائرة الصراعات السياسية".
 
وبالتزامن أعلن ممثلا مجلسي النواب والدولة، في بيان مشترك، مساء الخميس،"الاتفاق على مواصلة مشاورات حل الأزمة وتوسيعها للاتفاق في أقرب الآجال على ترتيبات موقتة ضمن فترة زمنية محددة تكفل تسيير أعمال المصرف إلى حين تعيين محافظ ومجلس إدارة".
 
الخبير الاقتصادي الليبي الدكتور عثمان يونس أبدى قلقاً عميقاً من تداعيات استمرار الصراع على رئاسة المركزي على الاقتصادي الليبي، موضحاً لـ"النهار العربي" أن "التأثيرات حتى الآن طفيفة وشهدنا تراجعاً في قيمة العملة المحلية أمام الدولار، لكن مع استمرار الأزمة ستتفاقم التداعيات على اقتصاد ريعي مصدره الرئيسي النفط وتصديره".
 
ورأى يونس أن "تماسك الاقتصاد الليبي خلال السنوات الماضية، رغم الصراعات السياسية في البلاد، يعود إلى تماسك المصرف المركزي، خصوصاً بعد توحيده، ورغم السلبيات في إدارة الصديق الكبير للمصرف، إلا أنه لعب دوراً في استقرار الاقتصاد ولو نسبياً"، محذراً من أن "زعزعة هذا الاستقرار بالصراع الأخير على رئاسة المركزي لأسباب شخصية، ستكون لها تداعات وخيمة وفقدان الثقة بالنظام المصرفي في الداخل والخارج، ما سيؤدي إلى انخفاض تداول العملية الأجنبية داخل المصارف، وبالتالي ارتفاعها في السوق الموازية، وكذلك عشوائية في فتح الاعتمادات المستندية، وكل ذلك سيؤدي إلى ارتفاع التضخم، ما يؤثر في معيشة المواطن الليبي".
 
واعتبر يونس أن تشكيل لجنة موقتة لإدارة المصرف المركزي في إطار اتفاق تسوية بين النواب والأعلى للدولة وحكومة الدبيبة "لن يكون حلاً دائماً للمعضلة، اللجنة ستأتي في حدود دور تسيير الأعمال لفترة موقتة لا حل للأزمة". كما شكك في دور الأمم المتحدة التي تسعى إلى "إدارة النزاع لا حله، وكل اتفاق تحققه يكون موقتاً وسرعان مع يشتعل الصراع مجدداً"، مشدداً على "ضرورة التوصل إلى حلول ليبية ليبية، وتسمية محافظ جديد للمصرف المركزي، وألا يمثل أي جهة سياسية (...) يجب إبعاد المصرف المركزي عن الصراع السياسي وأن يعمل وفق معايير مهنية وعلمية".
 
وكانت الأمم المتحدة قد استبقت استئناف مفاوضات المركزي، بإيفاد وكيلة الأمين العام للشؤون السياسية وبناء السلام، روزماري ديكارلو التي جابت على الأطراف الليبية السياسية والعسكرية شرقاً وغرباً، وحذرت في بيان في ختام زيارتها من أن "البلاد أصبحت أكثر انقساماً الآن"، مشددة على أن "الانتخابات التي تتحرى الصدقية والشمول هي السبيل الأوحد الكفيل بإنهاء الانسداد السياسي ووضع حد لدوامة الترتيبات الانتقالية". 
وكشف البيان عن الملفات الرئيسية التي ناقشتها ديكارلو، إذ تطرقت إلى التدهور المتسارع للوضع السياسي والأمني، مؤكدة أهمية توحيد المؤسسات العسكرية والأمنية وضرورة حل الأزمة المتعلقة بمصرف ليبيا المركزي، وكذلك النهوض بعملية مصالحة وطنية قائمة على إحقاق الحقوق. وكررت التزام الأمم المتحدة  تيسير إطار سياسي يفضي إلى الانتخابات في ليبيا. وحضت على حل الأزمة الناجمة عن انتخاب رئاسة المجلس الأعلى للدولة على نحو عاجل. وتباحثت بشأن السبل الكفيلة بإيجاد مسار توافقي يفضي إلى كسر الجمود السياسي الذي طال أمده في البلاد.
 

اقرأ في النهار Premium