تستعر عاصفة غضب في قلب الحواضن الشعبية لرئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة، تُفاقم الضغوط التي يتعرض لها أقوى رجال الغرب الليبي لإطاحته من منصبه، وسط تفكك يشهده معسكره الحاكم. وبات السؤال مطروحاً بقوة في الأوساط المحلية والدولية بشأن ما إن كان التوقيت بات مناسباً لتشكيل حكومة موحدة في ليبيا، ضمن ترتيبات سياسية جديدة تُنهي صراع الحكومتين على السلطة وتُمهد لإجراء الاستحقاقات الانتخابية المعطلة.
وبينما تزداد حدة الأزمة السياسية التي تعيشها ليبيا وتداعياتها على الوضعين الأمني والاقتصادي، تشهد مدينة مصراتة، مسقط رأس الدبيبة، وثاني أكبر مدن الغرب الليبي بعد العاصمة، من حيث الوزن السياسي والعسكري، تحركات حثيثة يقودها أعيانها وقيادتها العسكرية ضد رئيس الحكومة المركزية. وتواكب ذلك مع تظاهرات شهدها قلب العاصمة وضواحيها، احتجاجاً على تداعي الوضع المعيشي، لا سيما انقطاع التيار الكهربائي لمدد وصلت إلى أكثر من 10 ساعات يومياً، في بلد يملك أكبر احتياطي نفطي في أفريقيا.
ووصل الغضب الشعبي في العاصمة الليبية إلى حد قطع طُرق رئيسية وإحراق إطارات سيارات، وحصار محطات توليد الكهرباء، وهدد المحتجون بإغلاقها، وسط تحذيرات أطلقتها شركة الكهرباء من "نقص إمداد الوقود والغاز، واحتمال حدوث ظلام كلي أو جزئي، في ظل الإغلاق النفطي" إثر أزمة المصرف المركزي.
وتنفق ليبيا، سنوياً، نحو 700 مليون دولار لدعم الكهرباء، غير أن هذا المبلغ لم يعد يكفي لحل معضلة انقطاع الكهرباء المتكررة في فصل الصيف منذ عام 2020، بل إن الأزمة تفاقمت خلال الأسابيع الأخيرة.
ومثّل اجتماع عقده عدد من أبرز قيادات مصراتة السياسية والعسكرية المنخرطين في ما يُسمى بـ"ملتقي فبراير تجمعنا"، الأسبوع الماضي، على خلفية أزمة رئاسة المصرف المركزي، رسالة مفادها أن الغالبية الفاعلة في مصراتة، على اختلاف مصالحها وتوجهاتها، اتفقت على معارضة الدبيبة ومحاولة إسقاطه.
وفي البيان الختامي للاجتماع، والذي حمل انتقادات واسعة لإطاحة حكومة الوحدة الوطنية والمجلس الرئاسي محافظ المصرف المركزي الصديق الكبير، وكذلك تدخل الدبيبة في الانتخابات التي أجراها المجلس الأعلى للدولة في آب (أغسطس) الماضي، على رئاسته، حض الحاضرون المجتمع الدولي على "دعم حوار سياسي جاد يفضي إلى تسوية سلمية، وتشكيل حكومة جديدة تبسط سلطتها على كامل تراب الوطن"، مطالبين بـ"نبذ الفرقة، وتعزيز المصالحة الوطنية، واستعادة سيادة ليبيا، وإبعاد القوات الأجنبية كافة".
وإذ شدد البيان على الرفض القاطع لـ"استخدام القوة في فرض الإرادة السياسية، وكل أشكال الترهيب والخطف، والتضييق على حرية التعبير"، دعا إلى "احترام الإعلان الدستوري وحق التداول السلمي للسلطة". لكن تصدر قائد ميليشيات "لواء الصمود" صلاح بادي مشهد الاجتماع، وتلويحه في تصريحات أعقبته، باقتحام طرابلس عسكرياً، أثارا القلق من اشتعال مواجهة مفتوحة بين الميليشيات المؤيدة للدبيبة وتلك المناوئة له في الغرب الليبي، وأعادا إلى الأذهان هجوماً شنته منتصف عام 2014 على طرابلس ومطارها الدولي ميليشيات ما يُعرف بـ"فجر ليبيا"، والتي ضمت مجموعات عسكرية تنتمي إلى المدن المتاخمة للعاصمة الليبية في مقدمتها مصراتة والزاوية.
واعتبر بادي في كلمته أمام الجمع أن التدخل الدولي أجّج الأزمة الليبية، مشدداً على ضرورة خروج القوات الأجنبية والمرتزقة من أراضي بلاده.
أستاذ العلوم السياسية يوسف الفارسي أوضح لـ"النهار العربي" أن بادي أصولي يمتلك سجلاً سيئ السمعة في التدخلات على خط صراعات مكونات الغرب الليبي، وكان ضمن الميليشيات المنخرطة في الهجوم على طرابلس عام 2014، محذراً من أن "التوتر الذي تعيشه العاصمة الليبية، لا سيما في أعقاب الصراع على رئاسة المصرف المركزي، أجّج الصراع بين ميليشيات الغرب الليبي، وأتاح للقوى المناوئة للدبيبة، على تنوع خلفياتها السياسية والأيدولوجية، فرصة تراها متاحة لتوحيد صفوفها والهجوم على طرابلس".
ولا يستبعد الفارسي أن "ينتقل الصراع السياسي إلى اشتباك مسلح بين الميليشيات في حال استمرار مراوحة أزمة المصرف المركزي، مع الأخذ في الاعتبار استمرار الصراع أيضاً على رئاسة المجلس الأعلى للدولة بين محمد تكالة المقرب من الدبيبة وخصمه خالد المشري"، مشدداً على أنه "في ظل تأزم الوضع في ليبيا باتت الحاجة ملحة لتدخل المجتمع دولي، رغم انشغاله بالأزمات الإقليمية المشتعلة، لوضع ترتيبات سياسية جديدة تنتهي بإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية".
أما الناشط السياسي في مصراتة أسامة جعفري، فأكد أن "مدينته رغم تنوعها الفكري والسياسي اتفقت على رفض المساومة على قوت الشعب، بعدما زادت سياسات حكومة الدبيبة من إرباك المشهد وتعقيده، وفاقمت من أزمات المواطن الذي بات يعاني انقطاعات طويلة للكهرباء ونقصاً في الوقود وأزمة في السيولة النقدية، ناهيك بالملاحقات التي تتعرض لها الأصوات المعارضة لحكومة العاصمة"، مؤكداً لـ"النهار العربي" أن تمدد القطاعات المعارضة للدبيبة في ليبيا عموماً وداخل حواضنه الشعبية خصوصاً ستكون له تداعيات على مستقبل بقائه في منصبه.
وإذ حذر جعفري من استمرار الضغط على الشعب وأغلق أبواب التغيير السلمي حتى الوصول إلى مرحلة الانفجار، حمّل المجتمع الدولي "الذي جاء بالدبيبة إلى منصبه بعد اتفاق سياسي محلي (مطلع عام 2021)"، مسؤولية "حل الإشكاليات التي تعانيها البلاد والذهاب إلى انتخابات يختار فيها الشعب سلطة جديدة بدلاً من هؤلاء المتمسكين بمقاعدهم".