يترقب الجزائريون ما سيكون عليه المشهد السياسي الجديد في البلاد بعدما أمر الرئيس عبد المجيد تبون رئيس الوزراء نذير العرباوي بالاستمرار في عمله، رافضاً استقالته التي قدمها أمس الثلاثاء.
وحسب العرباوي، فإن الرئيس تبون أمره بمواصلة العمل تحضيرا للدخول الاجتماعي والإعداد لمشروع قانون الموازنة العامة 2025 قبل عرضه على غرفتي البرلمان.
المحكمة الدستورية في الجزائر كانت أعلنت النتائج النهائية للانتخابات الرئاسية التي منحت الرئيس تبون ولاية ثانية، لتنتقل البلاد إلى سيناريوهات ما بعد الانتخابات التي يُطرح بشأنها عدد من التساؤلات المتعلقة بانعكاسات النتائج على الساحة السياسية وأولويات المرحلة المقبلة، وشكل التحولات المرتقبة.
ومن السيناريوات المطروحة إمكانية توجه الرئيس تبون نحو إجراء تعديل حكومي، ويُعد هذا استحقاقاً ضرورياً من أجل ضخ دماء جديدة في الجهاز التنفيذي وتحقيق تطلعات جديدة، لكن كيف ستكون طبيعة الحكومة المقبلة؟ هل ستكون حكومة تكنوقراط وهو التوجه الذي تبناه تبون منذ وصوله إلى سدة الحكم في 12 كانون الأول (ديسمبر) 2019، أم ستكون حكومة سياسية موسعة تعكس النتائج التي أفرزتها الانتخابات الرئاسية الجزائرية السبت الماضي؟
سيناريوهان لتشكيل الحكومة
وبينما يظل القرار الأول والأخير بيد الرئيس تبون، توحي القراءات المتواترة من بعض السياسيين بوجود سيناريوين رئيسيين، يقضى الأول بتشكيل حكومة تكنوقراط خالصة باعتبار أن المرحلة المقبلة تتطلب إلماماً واسعاً بالجوانب التقنية، أو تشكيل ائتلاف حكومي يجمع بين أحزاب عدة، من بينها حزبا المرشحين المنافسين "جبهة القوى الاشتراكية" و"حركة مجتمع السلم" التي خرجت من حضن الحكومة عام 2012 ورفضت الرجوع إليها.
وكان آخر تعديل حكومي موسع أجراه الرئيس تبون في آذار (مارس) 2023 طال 11 وزارة من أصل 30، أهمها الخارجية والمالية والتجارة، فيما استحدث وزارات جديدة، ثم اكتفى بعدها، على فترات متقطعة، بتعديلات محدودة جداً لأسباب لها علاقة في معظم الأحيان بوجود تذمر في الشارع الجزائري.
ويقول أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة بسكرة البروفسور نور الصباح عكنوش إن "البلاد بحاجة لنموذج حوكمة جديد، لأن أي حكومة أو مؤسسة تنفيذية أو تشريعية أو قضائية جديدة تحتاج لآليات عمل مبتكرة أو لبيئة تنفيذ وتشريع حاضنة للمتغيرات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية بالمعنى الشامل حتى ينعكس ذلك على أدائها في الواقع إيجابياً، وهو ما تحتاجه البلاد على مستوى التسيير والتخطيط والتنبؤ لتفعيل عمل المؤسسات بشفافية وبفعالية وجودة تحوز رضا المجتمع في ظل التحديات الداخلية والخارجية المحيطة بالبلاد".
والقصة اليوم لا تقف عند تشكيلة الحكومة الجديدة بل في أدائها بحسب عكنوش، لأن "الأخطار كثيرة ومتغيرة ومتسارعة تستوجب التركيز على الأداء وعلى النخب بدل العصب حتى تقرأ جيداً رسائل المجتمع وتلبي حاجات جيل جديد له منطقه ومشكلاته ورؤيته التي يجب التكيف معها تكيّفاً جيداً وذكياً".
هل يُحل البرلمان؟
السيناريو الثاني هو حل المجالس المحلية والبرلمان بغرفتيه ثم دعوة الهيئة الناخبة إلى انتخابات برلمانية ومحلية، وهو المقترح الذي سبق أن طرحه رئيس "حركة البناء الوطني" عبد القادر بن قرينة، ومن المسوغات التي ساقها زيادة عدد الولايات، وذلك بعد تأهيل مقاطعات إلى ولايات منتدبة.
وهل هذا السيناريو وارد بقوة؟ يُجيب الأستاذ المحاضر في العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة محمد الصديق بن يحيى كشوط عبد الرفيق بالقول لـ"النهار العربي" إنه "ليس بالضرورة أن يعمد الرئيس إلى حل البرلمان، ولكن البناء المؤسساتي المتزامن يطرح فرضية الحل، والمقصود بهذا تزامن الانتخابات الرئاسية مع الانتخابات البرلمانية".
ويتفق عكنوش معه في الطرح، ويقول إن "قضية حل البرلمان ليست من الأولويات حالياً أو الاستعجالات إن صح التعبير، لكن الرئيس قد يلجأ إلى برلمان جديد يواكب التزامات الولاية الرئاسية الثانية وتطلعاتها".
وتتيح المادة 147 من الدستور للرئيس حل المجلس الشعبي الوطني أو إجراء انتخابات تشريعية قبل أوانها، وهذا طبعاً بعد استشارة رئيس مجلس الأمة ورئيس المجلس الشعبي الوطني ورئيس المجلس الدستوري والوزير الأول، وتجرى هذه الانتخابات في كلتا الحالتين في أجل أقصاه 3 أشهر.
وتنتهي الولاية الحالية للبرلمان في حزيران 2026، وقد انتُخب أعضاؤه لولاية من 5 سنوات وعادت الأغلبية فيه لحزب "جبهة التحرير" الذي كان يوصف سابقاً بحزب السلطة، بحصوله على 105 مقاعد متراجعاً بحوالي 55 مقعداً، وجاء المستقلون ثانياً و"حركة مجتمع السلم" الإسلامية ثالثاً.
مراجعة التقسيم الإداري
ومن المتوقع أيضاً إعادة النظر في التقسيم الإداري ورفع عدد الولايات، وهو الملف الذي أخذ حيزاً مهماً في الخطاب الانتخابي لتبون الذي قال في أحد تصريحاته إنه "بعد أكثر من 60 عاماً من استقلال البلاد، الوقت حان لوضع تنظيم ملائم لمستقبل البلاد".