بدت الأيام التي تسبق العودة إلى المدارس في الجزائر هذا العام، مختلفةً بعض الشيء عن الأعوام الماضية، فأحاديث غلاء المستلزمات المدرسية تراجعت، وما بقي منها ليس بمستوى ما كانت عليه الحال سابقاً.
في جولة قصيرة لـ"النهار العربي" على بعض محال بيع الأدوات المدرسية في الدار البيضاء شرق العاصمة، لاحظ إقبالاً خجولاً خلافاً لما هو متعارف عليه كل موسم، بخاصة أن أياماً قليلة فقط تفصل التلاميذ عن بداية عام دراسي جديد.
سمير واحد من الآباء، كان برفقة اثنين من أبنائه، يجيب رداً على سؤال عن وفرة المستلزمات المدرسية: "الوفرة كالعادة موجودة، غير أن الأسعار تبقى غير ملائمة للكثير من محدودي الدخل، لا سيما لمن كان له 3 أو 4 أبناء". لماذا لم نسمع كثيرَ احتجاجٍ هذا العام بخصوص الأسعار؟ يقول: "ربما الأمر راجع إلى الانتخابات الرئاسية (يبتسم)"، ويضيف: "سوف تسمع حديثاً كثيراً عن الأسعار مع بداية الدخول المدرسي، أنا متأكد من ذلك".
غير بعيد عن سمير كانت سعيدة تستعد لشراء ما يلزم لابنتها وحفيدتيها، تقول لـ"النهار العربي": "سمعت عن إجراءات اتخذتها الحكومة لتوفير الأدوات المدرسية من كل الأنواع، أعتقد أنها ساهمت في خفض الأسعار بعض الشيء، وهو ما أدى إلى الاطمئنان الحاصل لدينا نحن الأولياء هذا العام".
وفتحت الحكومة الجزائرية منذ الشتاء الماضي المجال واسعاً لاستيراد الأقلام والمحافظ والدفاتر وغيرها، تُضاف إلى 21 منتجاً مدرسياً محلياً، ما ساهم في وفرة كبيرة في السوق.
كذلك، راهنت الحكومة على التنسيق بين وزارة التجارة ومنظمات أرباب العمل ممثلة بمجلس التجديد الاقتصادي الجزائري، لمنع الوسطاء والتجار من رفع الأسعار وضمان وصول أدوات المدرسة إلى التلاميذ بأثمان معقولة، وعقد الطرفان منذ أيار (مايو) الماضي اجتماعات عديدة بمشاركة منتجين جزائريين ومستوردين.
عرض واسع
ولم يبق بيع أدوات التلاميذ المدرسية حبيس المحال والدكاكين، إذ اهتدت الحكومة، مثلما هو معتاد بالنسبة إلى ما يسمى بـ"أسواق الرحمة" في رمضان، إلى تخصيص مساحات على مستوى كل محافظات البلاد، تباع فيها المستلزمات الدراسية بكل أنواعها وبأسعار مخفضة وفي متناول الكثير من الأولياء على حدّ وصف كثيرين ممن قصدوها.
قصر المعارض في الصنوبر البحري شرق الجزائر العاصمة، يحتضن منذ التاسع من الشهر الجاري معرضاً للأدوات ومستلزمات الدراسة بشعار "المسيد" (المدرسة). كل ما يحتاجه التلاميذ باختلاف أطوارهم موجود هنا؛ أقلام وكراريس وحقائب بأنواعها وغيرها، وهو ما يؤكده حميد، أب لثلاثة تلاميذ وجد نفسه يجوب أرجاء هذا المعرض رفقة أبنائه بحثاً عمّا يلزمهم قبل انطلاق موعد الدراسة الأحد المقبل.
"كل شيء متوافر هنا. أبنائي وجدوا ضالتهم فيه، والمؤكد أني سأرجع برفقتهم غداً أو بعد غد" يقول حميد لـ"النهار العربي"، ويضيف: "معرض كهذا يفي بالغرض؛ يختصر لك الوقت والجهد ومشقة التنقل بين محل وآخر لاقتناء ما يلزم من أدوات مدرسية؛ حتى الأثمان أفضل مما هي عليه خارج هذا المعرض".
تأقلم
تقول حسينة بوشيخ، الإعلامية وأستاذة علوم الإعلام والاتصال في جامعة عنابة، إن "واقع الحال يشير إلى تضاعف أسعار الأدوات المدرسية باستمرار سنة بعد أخرى، إلى درجة أن أسعار بعض محافظ الظهر بلغت 18 ألف دينار (90 دولاراً)، وهذا مبلغ كبير قياساً بقيمة الأجور في الجزائر".
وتؤكد بوشيخ، لـ"النهار العربي"، أن "الاحتجاج ضد هذا الغلاء بدا خافتاً هذا العام على عكس الأعوام السابقة"، مرجعة سبب ذلك إلى "سعي المواطنين إلى التأقلم مع موجة الغلاء التي طالت كل شيء في البلاد، بخاصة منذ النصف الأول من هذه السنة". وتلفت إلى الأهمية التي يحظى بها التعليم وضرورته لدى الأسر الجزائرية على اختلاف مستوياتها الاجتماعية.
وفي ما يبدو لوماً للمعلمين والقائمين على بعض المؤسسات التعليمية، تدعو بوشيخ إلى عدم إرهاق التلاميذ وأوليائهم بطلب ما لا يلزم من أدوات مدرسية، وتقول إن المدرسة والقائمين عليها مُلزمون بالسّعي إلى تخفيف الضغط عن التلاميذ والأولياء من خلال نبذ بعض السلوكيات والعادات التي يحاول بعض المعلمين ترويجها تحت ستار التنظيم والعمل التربوي.
وتوضح أن التركيز على بعض الشكليات في الأغلفة والألوان وغيرها يرهق التلميذ ووليّه، وكذا إلزام التلاميذ باقتناء دفاتر معينة أو كتب خارجية بالاتفاق مع الجهة التي تنتجها، وهو ما يسبب ضغطاً حقيقياً على بعض الأولياء الذين ليس بمقدورهم توفير ما يطلبه المعلم، وهذه الظاهرة "موجودة بخاصة في المرحلة الابتدائية"، وتخلص يوشيخ إلى أن الطواقم التربوية ملزمة باحترام برامج الوزارة من جهة، ومراعاة ظروف العائلات من جهة أخرى.