منذ إعطاء إشارة انطلاق الحملة الانتخابية في تونس، سارع المرشحون الثلاثة لمقعد الرئاسة إلى الكشف عن برامجهم التي يأملون أن تكون قادرة على مغازلة ناخب لا يخفي تبرمه من السياسة وأهلها بعد أكثر من 10 سنوات من الخيبات المتتالية.
وبين "نقلب الصفحة" و"تونس أخرى ممكنة" و"مواصلة الحرب على المفسدين" اختلفت عناوين البرامج الانتخابية للمرشحين، وفق ما كشفته بياناتهم التي نشرت قبل أيام والتي يطنب المتحدثون باسم حملاتهم في شرح ما ورد فيها.
هوة واسعة
البرامج الانتخابية للمرشحين جاءت في شكل بيانات نُشرت على الحسابات الرسمية للحملات واحتوت على ما يعدون به التونسيين ويعتزمون إنجازه في حالة انتخابهم، لكن هذه البيانات كانت إنشائية بلا تدقيق وآليات واضحة قد تقنع الناخب، كما يؤكد ذلك كثير من المراقبين ومن بينهم المحلل السياسي بسام حمدي.
ويؤكد حمدي، لـ"النهار"، أن "المشاريع السياسية غلبت على هذه البرامج التي جاءت في معظمها لتقدم تصور صاحبها لكيفية إدارة شؤون الحكم"، وهو ما يبرز إلي أي مدى أثرت حالة عدم الاستقرار السياسي في البلد على هذه الانتخابات، وفق تعبيره.
ولا يملك كثر ممن استطلعت "النهار" آراءهم من عموم التونسيين معلومات كثيرة عن البرامج الانتخابية لمرشحي الرئاسة الثلاثة، ويقول شاب ثلاثيني إنه يعرف أسماء المرشحين لكنه لا يهتم بمعرفة برامجهم "لأنها في النهاية لا تطبق وستظل حبراً على ورق" وفق تعبيره، فيما تقول سيدة أخرى إن "الجميع يعد قبل الانتخابات بتحسين الأوضاع من دون أن يحقق ذلك لاحقاً".
شاب آخر يرى أن "هناك هوّة واسعة بين ما يطلبه التونسي وما يعده به المرشحون للرئاسة ممن لم يدركوا بعد أن إيجاد حلول للأزمات المعيشية للتونسيين واستعادة الدولة دورها الاجتماعي هما مفتاح مغازلة ناخبين ملوا الوعود السياسية التي لا تتحقق".
ويشير إلى أن العديد من الملفات الساخنة غابت عن برامج المرشحين، ومن بينها ملف الهجرة غير النظامية. ويتابع: "في بلد يصدّر ويستقبل سنوياً آلاف المهاجرين غير النظاميين سكت المرشحون لرئاسة تونس عن تناول هذا الملف، في حين أنه كان ورقة حاسمة في انتخابات أوروبا الأخيرة وكاد مثلاً أن يوصل اليمين الفرنسي للسلطة في سابقة من نوعها".
إقرار بالأزمة
تشترك برامج المرشحين الثلاثة في تقديمها وعوداً انتخابية يتعهدون فيها للتونسيين إيجاد حلول للأزمة الاقتصادية التي يعيشها بلدهم منذ أكثر من 10 سنوات، لكنها كلها تفتقد الأرقام والآليات، وفق أغلب المحللين.
ورغم اختلاف رؤاهم لهذه الحلول، فإن الجامع بين البرامج الثلاثة هو تأكيدها وجود أزمة اقتصادية واجتماعية، وسيولون اهتماماً بالغاً لكل القطاعات الحيوية والخدماتية في البلاد.
وفي السياق، قال رمزي الجبابلي، مدير حملة المرشح العياشي زمال، إن "الإقلاع الاقتصادي هو أحد عناوين برنامج زمال الانتخابي"، مؤكداً أنه "ضبط 30 هدفاً استراتيجياً وأن هذه الأهداف تقدم الحلول لكل المشكلات التي تشكو منها معظم القطاعات الحيوية في تونس كالتعليم والصحة والخدمات والزراعة ومكافحة البطالة وتطوير الإدارة والمضي في مسار رقمنتها".
أما المرشح الرئاسي زهير المغزاوي، وفق ما كشفه مدير حملته عبد الرزاق عويدات لـ"النهار"، فإن أهم ما يتضمنه برنامجه الانتخابي هو "منوال تنموي يحرص على حسن إدارة الثروة من أجل توفيرها وعدالة توزيعها الدولة الاجتماعية التي ترعى الحقوق الاجتماعية والاقتصادية للمواطن التونسي".
وتعهد المرشح الرئاسي قيس سعيد إعادة المرافق العمومية للصحة والتعليم والنقل وغيرها إلى سالف عهدها، مؤكداً في بيانه أنه "آن الأوان لبناء الاقتصاد الوطني وإعادة بناء مؤسسات الدولة بعد تطهيرها ووضع تشريعات جديدة تقوم بواسطتها الدولة بدورها الاجتماعي".
مهاجمة خيارات سعيد السياسية
سياسياً، يشترك برنامجا زمال والمغزاوي في مهاجمة خيارات سعيد الذي بدا واضحاً من خلاله بيانه الانتخابي أنه مصمم على المضي في السياسات نفسها التي انتهجها منذ إقرار تدابير 25 تموز (يوليو) 2021 الاستثنائية ولاقت تجاوباً شعبياً كبيراً حينها، وترفع شعار "تطهير البلاد من الفاسدين والمتآمرين"، في إشارة إلى منظومة الحكم التي سبقته بقيادة الإسلاميين و"الكفاح من أجل التحرير الكامل للوطن، وتحقيق مسيرة البناء والتشييد، وإرادة الشعب".
وقال الجبابلي إن الزمال يتعهد إرساء منظومة سياسية ديموقراطية تشاركية وصوغ دستور جديد وإجراء انتخابات تشريعية جديدة وتركيز المحكمة الدستورية وهيئة انتخابات جديدة وإلغاء كل المراسيم التي تحد من الحريات وإطلاق سراح جميع المساجين السياسيين ومساجين الرأي.
وأكد عويدات أن أهم ما في برنامج المغزاوي هو بناء دولة القانون التي لا يُظلم فيها أحد وإجراء إصلاحات دستورية وسياسية عبر برلمان ديموقراطي يضع قوانين جديدة تقطع مع اقتصاد الريع وإعطاء مسألة الحريات أولوية كبرى.
وعلى غرار انتخابات 2019، سيخوض المرشح الزمال حملته الانتخابية من وراء القضبان، إذ تتواصل محاكمته في شبهات تزوير تزكيات شعبية، وقال الجبابلي إنه عازم على مواصلة حملته ولا يفكر في الانسحاب.
ومساء الأربعاء، قضت محكمة تونسية بسجن زمال لمدة عام و8 أشهر، لكن الناطق الرسمي باسم هيئة الانتخابات قال في تصريح إلى وكالة الأنباء الرسمية إن هذا الحكم لا يؤثر على ترشحه للرئاسة.