مع بدء العام الدراسي الجديد في ليبيا، سيطر الحزن على عبد السلام حمود، بعدما أجبرته المعاناة الاقتصادية والمعيشية على سحب ابنه الأكبر من التعليم، رغم بلوغه المرحلة الثانوية، والدفع به إلى سوق العمل لمساعدته في نفقات العائلة ومصاريف شقيقه الأصغر الدراسية.
يملك حمود متجراً لبيع الدواجن ومنتجاتها في إحدى ضواحي العاصمة طرابلس، وكان نجله الأكبر يعاونه في الإجازات الصيفية. لكن، مع ارتفاع أجور العمالة والركود الذي يضرب حركة البيع في الشهور الأخيرة، استغنى عن العمال وبات نجله يعاونه بشكل دائم بدلاً من الاهتمام بدراسته.
يقول حمود لـ "النهار العربي"، إن "الظروف الاقتصادية هي التي أجبرتني على خطوة سحبه من التعليم، على أمل أن تتحسن الأوضاع في هذا العام ليعود مجدداً إلى الدراسة في العام المقبل".
ناقوس خطر
حديث حمود دقّ ناقوس الخطر من ارتفاع معدلات التسرّب المدرسي في السنوات الأخيرة في ليبيا، وسط تحذيرات من مغادرة الذكور الدراسة تحت ضغط الإغراءات المالية للالتحاق بالتشكيلات المسلحة .
وكان موسى المقريف، وزير التعليم في الحكومة المركزية، قد أكّد أن "ظاهرة التسرّب من التعليم رُصدت بوضوح عند الذكور، خصوصاً في مرحلتي التعليم الثانوي والجامعي، للحصول على رواتب مغرية تدفعها التشكيلات المسلحة"، مشدّداً على أن مشكلات قطاع التعليم "لا يمكن فصلها عن الانقسام الحكومي بجانب الأوضاع السياسية والاجتماعية والأمنية".
لكن حمود يرفض بشدة أن يحمل نجله السلاح. يقول: "لن أضحّي بحياته من أجل المال"، نافياً أن يكون قد عُرض عليه انخراط نجله ضمن التشكيلات العسكرية في الغرب الليبي. يضيف: "أعتقد أن وتيرة التحاق الصبية بالمجموعات المسلحة خفّت بشدّة في ظل الهدوء النسبي خلال السنوات الأخيرة، كما أن هذه المجموعات تعاني هي الأخرى مالياً".
بنى تحتية متهالكة
ليس التسرّب من التعليم المشكلة الوحيدة التي يعانيها القطاع في ليبيا منذ سنوات، فتداعي الوضع الاقتصادي يثقل كاهل الليبيين ويلقي بظلاله على الموسم الدراسي الجديد، إضافة إلى تهالك البنى التحتية، ناهيك عن الانقسام السياسي الذي انعكس على موعد انطلاق الدراسة في البلاد، إذ بدأت الثلاثاء الماضي في غرب ليبيا بعد تأجيل أسبوعين، فيما تأخّرت إلى نهاية الشهر في شرق البلاد وجنوبها. وكل ذلك ضمن أسباب أخرى متعلقة بالمناهج الدراسية وكفاءة مستوى المعلمين، أدّت في مجملها إلى خروج ليبيا من التصنيف الدولي لجودة التعليم العام قبل الماضي.
خرج منصور جمعان لتوّه من أحد مصارف مدينة مصراتة. وبعد أخذ وردّ، تمكن من سحب 1000 دينار من أمواله في ظل أزمة سيولة تضرب البلاد منذ شهور. لكن المبلغ لا يكفي لشراء مستلزمات أبنائه الثلاثة الدراسية، والتي تشهد أسعارها ارتفاعات غير مسبوقة، ما اضطره إلى تأخير ذهاب أبنائه إلى مدارسهم حتى يتمكن من سحب المزيد من الأموال.
يقول جمعان لـ "النهار العربي": "أذهب طيلة أسبوعين إلى المصرف لسحب جزء من أموالي لكنهم يرفضون بحجج مختلفة: تارةً لإغلاق فروع المصرف، وطوراً تعطّل النظام المصرفي، وثالثة لعدم القدرة على تلبية طلبات مئات المودعين الذين يصطفون في طوابير طويلة أمام المصارف. فكيف ندبّر نفقات بداية العام الدراسي، و1000 دينار لا تكفي لواحد من الأولاد؟."
وفقاً لإحصاءات وزارة التعليم التابعة لحكومة الوحدة الوطنية، فإن عدد المدارس في ليبيا بالمرحلتين الأساسي والثانوي يبلغ 6532 منشأة، ويدرس في المرحلتين نحو 2,3 مليون طالب.
فصول مكدّسة
تشعر انتصار التائب بالانزعاج من حال مدرسة ابنتها الصغيرة في طرابلس مع افتتاح الموسم الدراسي الجديد، فتقول لـ "النهار العربي"، إن الفصول مكدّسة بالطلاب "في حين أن البنى التعليمية الأساسية غير متوافرة، ولا تكفي المقاعد في الفصول لجلوس الطالبات".
تضيف: "بعد حضور ابنتي اليوم الدراسي الأول عادت إلى المنزل منهكة ورفضت الذهاب إلى المدرسة مجدداً، رضخت لطلبها إلى حين حلّ تلك المشكلات... وقدّمت شكوى لإدارة المدرسة التي وعدت بدورها استكمال التجهيزات الناقصة خلال أسابيع قليلة. يجب مراعاة نفسية الصغار وتقديم المحفزات التي تجعلهم يحبون الذهاب إلى المدرسة مع تهيئة الأجواء الملائمة لتلقّيهم الدروس، وليس العكس. فأوضاع أغلبية المدارس في ليبيا تدفع الطلاب إلى مغادرتها".
وكان المقريف قد عزا تأجيل العام الدراسي إلى استكمال أعمال صيانة المدارس، إضافة إلى الأمطار الغزيرة التي ضربت مناطق في الجنوب الليبي. كما أقرّ في تصريحات واكبت انطلاق العام الدراسي بالنقص في أعداد المعلمين في المدارس، مؤكّداً التعاطي معها عبر التعاقد مع معلمين ليبيين جدد. وأكّد أن المخصصات المالية للتعليم محدودة، مطالباً السلطات بدراسة مقترح قدّمه يقضي بزيادتها.