ثمة رسائل وتساؤلات حملتها زيارة بلقاسم حفتر، مدير عام صندوق التنمية وإعادة إعمار، الذراع الإنشائية لـ"الجيش الوطني" الليبي، ونجل قائده المشير خليفة حفتر، الرسمية الأولى إلى واشنطن، إذ عُدّت اختراقاً في علاقة المشير بالولايات المتحدة رغم التحفظات العلنية على علاقاته بروسيا، ما قد يساهم في حلحلة الانسداد السياسي الذي تعانيه البلاد.
لكن هذه الزيارة أثارت تكهنات بتفضيل أميركي للتعامل مع المسؤول الأول عن ملف الإعمار في شرق ليبيا وجنوبها، للحصول على حصة كبيرة من جهة، ومواجهة صعود نجم شقيقه الأصغر صدام حفتر، المقرّب من الروس، ضمن ترتيبات جديدة لانتقال قيادة الجيش الوطني، من جهة أخرى.
غموض حيال الدور المقبل
وما زاد من الجدل والغموض، هو أن المحادثات التي أجراها نجل حفتر مع المسؤولين الأميركيين لم تكتفِ بالبحث في وضع تمويل إعادة الإعمار وتطورات مشاريعه، بل تطرّقت أيضاً إلى ملفات سياسية شائكة لا يتدخّل فيها بلقاسم حفتر، ما يشي بأن هذا الرجل سيلعب دوراً سياسياً ما في المرحلة المقبلة، ضمن تركيبة معسكر شرق ليبيا.
لم تحظَ زيارة مدير صندوق التنمية والإعمار إلى واشنطن بتغطية إعلامية ليبية واسعة، خصوصاً من وسائل الإعلام المحسوبة على معسكر الشرق الليبي، خصوصاً أنها تأتي بعد 7 أشهر من تولّيه المسؤولية، وبعدما زار العاصمة التركية أنقرة في أواخر تموز (يوليو) الماضي، حيث التقى وزير الخارجية هاكان فيدان، في تطور مشهود في العلاقات بين أنقرة وتركيبة الحكم في شرق ليبيا، بعد سنوات من العداء.
بناءً على طلبه!
وأوضحت بيانات ليبية رسمية، أن بلقاسم حفتر التقى في واشنطن مدير إدارة شؤون شمال أفريقيا بالخارجية الأميركية ليندسي كوفي، والمسؤول في الخارجية أليكس داوني، ومدير مكتب الوكالة الأميركية للتنمية الدولية بشمال أفريقيا إلسون نوبل، والمديرة التنفيذية لمجلس إدارة المؤسسة الأميركية للتجارة ليدا جابس، ومدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في معهد الولايات المتحدة للسلام توماس هيل، وذلك في لقاءات منفصلة ركّزت على "مناقشة التعاون المشترك بين البلدين، وإطلاق المنتدى الأميركي - الليبي للتنمية والإعمار خلال الفترة القريبة المقبلة، والذي سيُسهم في بناء شراكات إستراتيجية طويلة الأمد بين الولايات المتحدة وليبيا".
وكان لافتاً حرص السفارة الأميركية في ليبيا على التأكيد أن لقاء بلقاسم حفتر مع الخبراء الإقليميين المختصين بالشأن الليبي في وزارة الخارجية والوكالة الأميركية للتنمية الدولية "جاء بناءً على طلبه"، وعلى أنها "مستمرة في التواصل مع الفاعلين الأساسيين في جميع أنحاء البلاد، بهدف تعزيز الاستقرار، والمساعدة في إعادة الإعمار، والمضي قدماً في تحقيق الازدهار".
لاحقاً، أفاد بيان بأن بلقاسم حفتر وقّع مذكرتي تفاهم مع مؤسسة "كابلان شمال أميركا للتعليم الطبي والإعداد"، لتعزيز التعاون المشترك وإتاحة فرص للطلبة والموظفين والعناصر الطبية للخضوع لبرامج تدريبية.
وقالت مصادر واكبت الزيارة واطلعت على تفاصيل اللقاءات لـ"النهار العربي" إن النقاشات تطرّقت إلى "الأزمة المحتدمة بشأن رئاسة المصرف المركزي الليبي"، وقد أكّد الجانبان على ضرورة إنهائها في أقرب وقت.
اتهامات للدبيبة
وفيما شدّد الوفد الليبي خلال اللقاءات على "ضرورة التقسيم العادل للثروة بين الأقاليم الليبية الثلاثة: الشرق والغرب والجنوب، رفض سيطرة حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة، التي تسيطر على العاصمة، على الموازنة الليبية وإنفاقها في ظلّ الانقسام الحكومي والمؤسسي"، متهماً الدبيبة بمحاولة "عرقلة مشاريع الإعمار في شرق ليبيا وجنوبها".
وإذ أيّد المسؤولون الأميركيون "ضرورة الاتفاق على آلية عادلة وشفافة لتوزيع الثروة"، شدّدوا في الوقت نفسه على ضرورة "إخضاع الإنفاق عموماً وعقود المشاريع الجديدة خصوصاً للرقابة"، وفقاً للمصادر التي نقلت عن بلقاسم حفتر توضيحه الآتي: "مجلس النواب (البرلمان) هو من يخصص موازنة صندوق الأعمال، وتوقيع عقود المشاريع تُجرى تحت عينه"، مع تأكيده انفتاح سلطة الشرق الليبي على تفعيل التعاون في مجال الإعمار مع كل البلدان، نافياً حجز حصص من المشاريع لمصلحة دول حليفة.
لا شفافية في ليبيا
وتزامناً مع زيارة بلقاسم حفتر لواشنطن، أصدرت الخارجية الأميركية تقريرها السنوي للشفافية المالية للعام الجاري، أكّدت فيه فشل ليبيا في تلبية الحدّ الأدنى من متطلبات الشفافية المالية، كما حدث في السنوات الماضية.
وأوضح التقرير أن "الانقسام السياسي لا يزال يمنع إقرار الموازنة، الأمر الذي أثّر سلباً على الشفافية المالية والأداء الحكومي، مع محدودية المعلومات المتاحة بشأن الإنفاق الحكومي والتزامات الديون، بما في ذلك ديون الشركات الكبرى المملوكة للدولة، كما لم تخضع الموازنات العسكرية والاستخباراتية للرقابة".
وحضّ التقرير القادة الليبيين على "ضمان إنفاق الأموال العامة بطريقة شفافة وخاضعة للمساءلة، من خلال التوصل إلى حلّ وسط بشأن التوزيع العادل لعائدات النفط الليبية، وصياغة موازنة موحّدة، والإفصاح علناً عن المعلومات التي تتناول استخدام الإيرادات العامة والإفصاح عن المعلومات المتعلقة بالتزامات الديون، وضمان إخضاع الموازنات العسكرية للرقابة البرلمانية، وكذلك ضمان استقلال الهيئة العليا للرقابة المالية".
وختم التقرير: "نظراً إلى الأزمة الحالية في المصرف المركزي الليبي، فإن هذه الأولويات أصبحت أشدّ إلحاحاً اليوم من أي وقت مضى".