للعام الـ11 على التوالي تمدّد تونس العمل بالمنطقة العسكرية العازلة التي تشمل القطاعات الجنوبي والجنوبي الشرقي والغربي للبلاد على الحدود مع ليبيا والجزائر إلى غاية 29 آب (أغسطس) 2025.
ويأتي القرار الصادر عن الرئيس قيس سعيّد في وقت تستعد فيه تونس لإجراء انتخابات رئاسية مطلع الشهر المقبل، وتسعى لتوطيد تعاونها الاقتصادي مع دول الجوار عبر المشاركة في قمم ثلاثية مع كل من ليبيا والجزائر يقول المراقبون إنه يراد منها تعويض اتحاد الدول المغاربية، ما يطرح التساؤلات حول دوافع هذا التمديد وانعكاساته على هذه المساعي.
وأعلنت تونس عام 2013 إقامة منطقة عازلة على حدودها مع ليبيا والجزائر للمرة الأولى، وقالت حينها إن الهدف منها حماية حدودها ومنع تهريب السلاح، ومذاك يمنع الدخول إليها إلا بتراخيص من السلطات.
وبموجب ذلك القرار تم في 2015 حفر خندق عازل بطول 250 كلم على الحدود، إضافة إلى تعزيز الحضور الأمني والعسكري في المنطقة.
وترتبط تونس بحدود برية مع ليبيا طولها نحو 500 كلم، ونحو 1000 كلم مع الجزائر.
منطقة ساخنة
ومنذ سقوط نظام الرئيس السابق زين العابدين بن علي، صار الشريط الحدودي لتونس مصدر خطر على البلد الذي عانى بعد حوادث 2011 تنامي ظاهرتي التهريب والإرهاب، ما دفع السلطات إلى تعزيز ترسانتها العسكرية في تلك المناطق، للتصدي لعمليات تهريب السلع المختلفة والمخدرات والأسلحة، فضلاً عن تسرب المسلحين.
وتلعب المنطقة العسكرية العازلة دوراً مهماً في الحفاظ على أمن تونس واقتصادها ومكافحة ظاهرة الهجرة غير الشرعية وفق الخبير الأمني علي زرمديني، الذي يقول لـ"النهار العربي" إن هذه المنطقة التي تتمركز بها تشكيلات عسكرية متنوعة هي بمثابة جدار صد متقدم يحرس التراب التونسي.
ويضيف أنه رغم أن تونس نجحت بنسبة كبيرة في القضاء على الإرهاب وحققت نجاحات أمنية كبيرة في هذا السياق، إلا أن خطره ما زال قائماً.
ويلفت إلى أن المنطقة العازلة قريبة من المثلث الحدودي بين تونس وليبيا والجزائر والذي "تؤكد كل المعطيات الأمنية أنه منطقة ساخنة تتمركز فيها الميليشيات المسلحة في ليبيا وتختبئ فيها كذلك الجماعات الإرهابية التي لها امتداد يصل إلى منطقة الساحل الأفريقي"، وهو ما "يحتم على تونس تعزيز الحضور الأمني فيها" وفق تعبيره.
ويضيف زرمديني أن تلك المنطقة هي ممر للتهريب" الذي يشكل مع الإرهاب وجهين لعملة واحدة"، مشدداً على أن "عمليات التهريب المتنامية تنخر الاقتصاد التونسي وتغرق الأسواق التونسية بالسلع القادمة من ليبيا، لذلك فإن تمديد العمل بهذه المنطقة يهدف إلى حماية الاقتصاد التونسي".
في السياق أيضاً، يتحدث الزرمديني عن ظاهرة الهجرة غير الشرعية التي باتت واحدة من الملفات الثقيلة بالنسبة إلى السلطات التونسية، ويلفت إلى أن تونس لا تملك حدوداً مع الدول المصدرة للمهاجرين وأنهم يقصدونها قادمين من الجزائر أو ليبيا "لذلك فإن هذه المنطقة تساهم في التصدي لهذه الظاهرة".
والأسبوع الماضي، قالت وزارة الدفاع التونسية إن التشكيلات العسكرية العاملة في المنطقة الحدودية العازلة في ولاية تطاوين، أحبطت عملية تهريب باستعمال الذخيرة الحية، وضبطت 4 سيارات تهريب وأوقفت ثلاثة أشخاص كانوا على متنها، اثنان منهم يحملان جنسية أجنبية.
وفي شهر حزيران (يونيو) الماضي أعلنت السلطات التونسية مقتل عسكري تونسي إثر تعرض دورية عسكرية على الحدود التونسية الليبية إلى "إطلاق نار مباغت ومجهول المصدر".
وكثيراً ما تعلن وزارة الدفاع التونسية عن عمليات تبادل لإطلاق النار مع مهربين أو ضبط متسللين في هذه المنطقة.
مخاوف من عدم الاستقرار في ليبيا
ومنذ سقوط نظام القذافي في ليبيا، عاش البلد حالة فوضى امتدت شظاياها إلى تونس المجاورة، ويقول المحلل السياسي الليبي إبراهيم العبدلي إن تمديد تونس العمل بالمنطقة العسكرية العازلة سببه حالة عدم الاستقرار في ليبيا.
ويوضح أن تونس متوجسة من استمرار الانقسام في ليبيا وما قد ينجم عنه من اشتباكات أمنية بين الحين والآخر، لا يستبعد أن "تتحول إلى قتال وتنسف اتفاق التهدئة لعام 2020".
ويضيف أن ليبيا كانت مصدر التهديد الأمني الأساسي لتونس خلال الأعوام الأولى التي تلت حوادث 2011 في البلدين وما نتج عنها من إسقاط لنظامي حكم القذافي وبن علي.
ويذكر بحوادث بن قردان عام 2016 حين حاول تنظيم "داعش" الاستيلاء على المدينة الحدودية وتبين أنه تم التخطيط لها في ليبيا.
ويشدد على أن تونس مددت العمل بهذه المنطقة العازلة من باب اليقظة والاستباق "وهذا طبيعي بالنظر إلى ما تعيشه جارتها".
لا تأثير على التعاون
ويأتي تمديد العمل في المنطقة العازلة على الحدود بين تونس وليبيا والجزائر، في وقت تحاول فيه تونس توطيد علاقاتها مع دول الجوار من خلال المشاركة في قمم ثلاثية قال مراقبون إنها قد تكون مرحلة نحو التخلي عن اتحاد المغرب العربي، فيما أكدت المواقف الرسمية أن هدفها تمتين التعاون الاقتصادي والتجاري وتنسيق المواقف.
وكانت تونس المحطة الأولى لأولى هذه القمم، إذ استضافت في أيار (مايو) الماضي اللقاء الثلاثي الأول بين قادة الدول الثلاث وانتهى بالإعلان عن عدد من الاتفاقيات.
ويقول زمديني إن تمديد العمل بالمنطقة العازلة هدفه واضح وهو حماية حدود تونس وأمنها "لكنه في الآن نفسه يساهم في حماية أمن الجزائر وليبيا أيضاً، لأن أمن هذه الدول مرتبط بعضه ببعض"، مشدداً على أن لا تأثير له على رغبة الدول الثلاث في توطيد تعاونها، خصوصاً في المجال الاقتصادي، وذلك عبر اتفاقيات تشجع على الاستثمار في الاقتصاد المنظم. وفي تقديره يأتي الأمن قبل التنمية إذ "لا تنمية في غياب الأمن".