النهار

تونس... تعديل قانون الانتخابات أثناء السباق يثير جدلاً سياسياً وحقوقياً
تونس-كريمة دغراش
المصدر: النهار العربي
ينظر مجلس النواب التونسي يوم الجمعة المقبل في مشروع قانون تقدّمت به مجموعة من النواب لتعديل قانون الانتخابات، يثير جدلاً جديداً في البلد في توقيته ودوافعه
تونس... تعديل قانون الانتخابات أثناء السباق يثير جدلاً سياسياً وحقوقياً
متظاهرون في تونس احتجاجاً على تعديل قانون الانتخابات
A+   A-
ينظر مجلس النواب التونسي اليوم الجمعة في مشروع قانون تقدّمت به مجموعة من النواب لتعديل قانون الانتخابات، يثير جدلاً جديداً في البلد في توقيته ودوافعه، تزامناً مع تواصل الحملة الانتخابية الرئاسية. ويتوقع مراقبون أن تكون له انعكاسات كبيرة على الاستحقاق الانتخابي.
 
ويحمل مقترح التعديل المقدّم من 34 نائباً من كتل برلمانية مختلفة، وغالبيتهم من المساندين للرئيس قيس سعيّد، تعديلات على القانون الانتخابي الحالي تتعلق بالنزاع الانتخابي.
ويقترح التعديل الجديد سحب الاختصاص في النزاع الانتخابي من المحكمة الإدارية وإحالته بشكل كلّي على القضاء العدلي.
 
ومن أبرز ما جاء في مقترح التعديل، تنقيح الفصل الذي ينص على أن يكون الطعن مستقبلاً في قرارات الهيئة العليا المستقلة للانتخابات من جانب المرشحين المقبولين أمام محكمة الاستئناف في تونس، عوضاً عن المحكمة الإدارية.
 
مخالف للمعايير الدولية؟
وأعلن المرشحان للرئاسة المنافسان لسعيّد، العياشي زمال وزهير المغزاوي، رفضهما تعديل القانون الانتخابي قبل نحو أسبوعين من تنظيم الانتخابات، وقال مدير حملة زمال المحامي رمزي جبابلي لـ"النهار العربي" إن هذا التعديل مخالف للقوانين الدولية، متسائلاً: "هل من الأخلاقي تغيير قواعد اللعبة أثناء اللعب؟"، وشدّد على أنه يمسّ قواعد نزاهة الانتخابات.
 
ونهاية الأسبوع الماضي، استبقت المعارضة جلسة نظر مكتب البرلمان في مقترح قانون التعديل بمسيرة احتجاجية شارك فيها عدد من الأحزاب والجمعيات والمنظمات وسط شارع الحبيب بورقيبة، عبّرت فيها عن رفضها تعديل قانون الانتخابات، متعهدة تنظيم احتجاجات مماثلة في الأيام المقبلة.
 
وترفض المعارضة تغيير قانون الانتخابات، وتقول إنه لا يجب تغيير قواعد اللعبة في الدقائق الأخيرة كما تنص على ذلك المعايير الدولية للانتخابات.
 
ويقول الباحث السياسي حسان العيادي، إن هذه الخطوة التي تجرّد المحكمة الإدارية من دورها في المسار الانتخابي ستضرب صدقية الانتخابات محلياً ودولياً، وستضع شرعيتها محل شك، لافتاً إلى أن القضاء العدلي الذي ينظر في القضايا الجنائية عادة، ليس مؤهلاً للنظر في النزاعات الانتخابية، لذلك خصّ القانون الانتخابي المحكمة الإدارية بها.
 
ويرى أن مجلس النواب أثبت أنه ليس سلطة تشريعية بل أداة تنفيذية في يد السلطة. ويشدّد على أن هذا التعديل هو قرار سياسي وليس قراراً فرضته التطورات الأخيرة، مؤكّداً أنه "عملية تحايل على إرادة الناخب ومحاولة للتهرّب من قرارات مرتقبة للمحكمة الإدارية، ربما كانت ستحكم بإلغاء المسار الانتخابي".
 
تشريع الضرورة
في المقابل، دافع النواب الذين تقدّموا بهذا التعديل عن خطوتهم في وثيقة أسباب التعديل، مؤكّدين أن مبادرتهم ترتكز الى ما عاينوه من "اختلافات وصراعات في القرارات المتخذة والمواقف المعلنة من طرف كل من الهيئة العليا المستقلة للانتخابات والمحكمة الإدارية، بما ينذر ببوادر أزمات محتملة، وخطر داهم يهدّد المسار الانتخابي، وينذر بإرباك وإدخال البلاد في متاهات من شأنها أن تبعد عن انشغالات عامة الشعب وانتظاراته".
 
ويقول أنصار التعديل، إن الخلاف بين المحكمة الإدارية والهيئة العليا للانتخابات بلغ مستوى مقلقًا، وتحول إلى صراع قانوني تجلّى في التراشق بالبيانات والاتهامات، لذلك فإن تعديل القانون الانتخابي يدخل في باب ما يُعرف بـ "تشريع الضرورة".
 
ويعتبر أصحاب هذا الرأي، أنه في ظل مثل هذه الحالات لا بدّ من التدخّل من أجل إيجاد جهة ثالثة يمكنها أن تفصل في النزاع الانتخابي. ويقول رئيس حزب "تونس إلى الأمام" عبيد البريكي المساند لسعيّد، إن التعديل الحالي لم يلغ دور القضاء في المسار الانتخابي، إنما نقل النظر في نزاعاته من المحكمة الإدارية إلى القضاء العدلي.
 
وكانت هيئة الانتخابات دخلت في صراع قانوني مع المحكمة الإدارية، التي قضت بإعادة ثلاثة مرشحين الى السباق الانتخابي، لكن الهيئة رفضت الامتثال للقرار.
 
ويقول عضو المكتب السياسي في حزب "التيار الشعبي" جمال مارس لـ"النهار العربي"، إنه من حيث المبدأ، لا يجوز تنقيح القانون الانتخابي أثناء الفترة الانتخابية حتى تكون الانتخابات ديموقراطية نزيهة وشفافة. لكنه يستدرك مؤكّداً أنه "على مستوى الواقع نعيش اليوم صراعًا واضحًا بين المحكمة الإدارية من جهة والهيئة العليا المستقلة للانتخابات".
 
ويضيف، أنه ليس من الطبيعي أن تصدر المحكمة البيانات، لأن دورها إصدار الأحكام القضائية، والبيانات عادة هي مجال للأحزاب والجمعيات والمنظمات.
 
ويرى أن إصرار المحكمة الإدارية على إصدار البيانات والتأكيد على عدم شرعية الانتخابات في صورة عدم تنفيذ الأحكام القضائية، من شأنه تأليب الرأي العام وخدمة طرف على حساب طرف آخر.
ويلفت إلى أن "من الثابت أنه في صورة الطعن في نتائج الانتخابات بقطع عن النظر عن الفائز فيها، فإنّ المحكمة الإدارية ستقضي ببطلان نتائج الانتخابات الرئاسية، وهو أمر لمّحت له المحكمة في أحد بياناتها".
 
ويتابع، إن "من الممكن جداً أن نجد أنفسنا إثر التصريح بنتائج الانتخابات، إزاء رئيس غير شرعي او مطعون في شرعيته، وبالتالي نكون إزاء فراغ خطير على مستوى السلطة العليا في الدولة، وإزاء سيناريوهات مرعبة من قبيل حكومة في المهجر أو أي شكل من أشكال ازدواجية السلطة السياسية في الدولة، وهو أمر في اعتقادي تبحث الجماعة (النهضة) عن تحقيقه بأي شكل من الأشكال التي تمكّنها من العودة إلى الساحة السياسية".
ولكل ذلك، يعتبر أن مشروع تعديل القانون الانتخابي "شرّ لا بدّ منه لتفادي مثل هذه السيناريوهات المرعبة".
 
مجلس النواب مهدّد
لكن معارضة هذا التعديل الجديد لا تقف عند الأحزاب السياسية والشخصيات الحقوقية والنقابية المعارضة، فعدد من نواب البرلمان أعلنوا رفضهم له بسبب توقيته الذي يخالف المعايير الدولية.
وتحدث عدد من المراقبين عن صراع حالي على أشدّه داخل البرلمان، بين قسم يسعى للدفع نحو التصويت للتعديل الجديد، وقسم يرى أن للبرلمان حداً أدنى من الاستقلالية.
ويقول عدد من المراقبين، إن مجلس النواب الحالي الذي يوصف بانسجامه وتماهيه مع مسار 25 تموز (يوليو) مهدّد بالانقسام بسبب هذا القانون.
 

اقرأ في النهار Premium