تشهد ليبيا خلال الآونة الأخيرة حراكاً فنياً غير مسبوق على مدى العقد الآخير، فغداة اختتام مهرجان الفنون المسرحية فاعلياته في مدينة بنغازي، أعلنت المدينة التحضير لاستضافة مهرجان سينمائي دولي للأفلام القصيرة الشهر المقبل.
واختتمت، الأسبوع الماضي، فعاليات مهرجان الفنون المسرحية في بنغازي (شرق ليبيا)، في دورته الثانية، والتي أطلق عليها اسم الفنان رجب العقوري، وشهدت عدداً من العروض المسرحية، والندوات النقاشية والورش الفنية، وسط حضور واسع من الفنانين والمثقفين.
ويأتي هذا المهرجان تحت مظلة الاحتفالات باختيار بنغازي عاصمة للثقافة في العالم الإسلامي، وشاركت فيه 6 فرق مسرحية محلية تمثل مدناً في شرق ليبيا وغربها، بالإضافة إلى فرقة مصرية وأخرى تونسية.
وكرمت إدارة المهرجان الفنانين الراحلين منصور فنوش وعبد الله المسماري وفاءً لمسيرتهما في مجال المسرح، كما شمل التكريم الفرق المشاركة في المهرجان، ومدير المسرح الشعبي الفنان القدير رافع نجم. وشهد ختام المهرجان أيضاً حفل توقيع كتاب جديد للفنان ميلود العمروني الذي عُرف عنه شغفه بتوثيق تاريخ المسرح الليبي. وفي الختام أقيم حفل فني لفرقة "الزمن الجميل" والفنان حميد الكيلاني.
الفنان المسرحي الليبي سيد توفيق أكد أن "مهرجان بنغازي أعاد الحياة إلى المسرح الليبي بعد فترة من الركود ومعاناته من ضعف الإمكانات"، لافتاً إلى أن "هناك جيلاً جديداً من الفنانين الليبيين بدأ يظهر إلى النور، وهؤلاء الشباب أخذوا على عاتقهم إنجاح المهرجان وفاعلياته". وقال توفيق لـ"النهار العربي" إن الفاعليات الفنية في ليبيا من شأنها "رفع مستوى الفنان الليبي وإكسابه خبرات بالاحتكاك مع المشاركين من بلدان أخرى وورش العمل، كما أنها ترفع درجة الوعي لدى المواطن الليبي، فأي مجتمع يحتاج بشدة إلى الثقافة عامةً، خصوصاً أن المجتمع الليبي تعرض لصراعات وإضرابات طيلة أكثر من 13 عاماً، ونحتاج إلى تضميد هذه الجراح وتقريب المسافات بين الجميع، كما أنها توجه رسالة بأن ليبيا باتت أمنية ومستقرة".
وغداة ختام هذا المهرجان، أعلن رئيس الهيئة العامة للسينما والمسرح الفنان عبد الباسط أبو قندة، في مؤتمر صحافي، انطلاق أولى فاعليات مهرجان ليبيا السينمائي الدولي للأفلام القصيرة، مطلع الشهر المقبل لأربعة أيام.
وأوضح أبو قندة أن "الإنتاج السينمائي في ليبيا توقف منذ عقدين، وللأسف العمل السينمائي تعثر كثيراً، وجاءت من ذلك فكرة استعادة نشاطه من خلال مقترح قدمه مدير المركز القومي للسينما والتلفزيون بخصوص إقامة مهرجان دولي للأفلام القصيرة"، مشيراً إلى تشكيل لجنة لتنظيم المهرجان برئاسة فخرية للمخرج عبد الله الزروق، وإدارة المخرج مصطفى الكرماجي. وكانت هناك استجابة كبيرة للمشاركة في المهرجان على المستويين المحلي والدولي، إذ وصل عدد المشاركات الدولية إلى 21 دولة، كما وصل عدد الأفلام المشاركة إلى 216 فيلماً، مضيفاً أن الأعمال المشاركة "تطرح قضايا إنسانية محلية وعربية، وكانت القضية الفلسطينية حاضرة ضمن موضوعاتها".
ووصف المخرج عبد الله الزروق المهرجان بـ"عرس حقيقي، والجميل أن نسخته الأولى تحمل اسم الفنان محمد الفرجاني أحد أهم السينمائيين الليبيين الذي قدم العديد من الأفلام الروائية والتسجيلية". واعتبر رئيس المهرجان مصطفى الكرماجي الفاعليات "فرصة لاستنطاق تاريخنا وتراثنا وثقافتنا".
ورأت رئيسة اللجنة الإعلامية للمهرجان سالمة المدني أن الفاعلية "تمثل فرصة لإبراز قدرات المواهب الشابة في المجال السينمائي، كما تمنحنا الأمل بتحويل هذه الخطوات إلى صناعة ترتقي بالمنجز السينمائي"، موضحة أن البرنامج الإعلامي للمهرجان "يتضمن إصدار جريدة تحت عنوان "السينمائي" تتولى متابعة فعاليات المهرجان، كذلك إطلاق موقع إلكتروني يتابع ويرصد كل الأنشطة، ويعرض الأفلام المرشحة لهذه الدورة وعددها 45 فيلماً، كما يعمل الفريق الإعلامي على إصدار كتيب تعريفي، يقدم معلومات وبعض التفاصيل عن الأعمال المشاركة".
الكاتب الليبي أحمد التهامي أكد "التوسع في الحركة الفنية والثقافية خلال الفترة الأخيرة في ليبيا، إذ اختُتم قبل أيام مهرجان المسرح، وخلال أسابيع قليلة سيبدأ مهرجان المسرح الكوميدي، كما يجري التحضير لاستضافة معرض دولي للكتاب، ويأتي ذلك بعد إغلاق صفحة الحروب واستعادة الأمن والاستقرار". ورأى أن الاهتمام بالفن "يحمل رسائل تحتفل بالحياة، حتى يعتاد الليبيون على أن الفن والثقافة جزء مهم في هذه الحياة، وفي مواجهة الأفكار المتطرفة والجماعات الإرهابية".
وقلل التهامي من تداعيات الانقسام السياسي والمؤسسي الذي تعانيه البلاد على تنشيط الحركة الفنية، مشيراً لـ"النهار العربي" إلى أن "الحكومة المسيطرة على شرق ليبيا تعمل على التوسع في إقامة المهرجانات وكذلك الحال بالنسبة إلى الحكومة التي تسيطر على العاصمة طرابلس، وهذا التنافس يفيد الفن والحركة الثقافية وكذلك المواطن الليبي، سواء كان في شرق البلاد أم في غربها".
وتطرق التهامي إلى تطور حركة النشر في ليبيا، مشيراً إلى أن "الحكومة تؤكد اهتمامها بوضع خطة للنشر مع دعم دور النشر والكتاب، لكن كل هذا لا يزال في البداية وهذه الوعود لم تتحقق على الأرض حتى الآن، لكن انطلاق المهرجانات الفنية يعطي أملاً بأن الخطوة المقبلة ستكون الاهتمام بالكتاب ودعم نشره وتوزيعه".