أثارت تصريحات الرئيس الجزائري حول "لوبيات الاستيراد" التي أصبحت موضوعاً ساخناً في الجزائر، جدلاً واسعاً. وهو ليس التصريح الأول حول الموضوع، إذ سبق لوزير التجارة الراحل بختي بلعايب أن كشف نهاية عام 2016 عن تلقيه تهديداً من أحد اللوبيات داخل وزارته بسبب منعه تفريغ حمولة من قطع الغيار المغشوشة وعن أنه عاجز عن غلق حتى محل لبيع البيتزا. لكن المثير للاهتمام اليوم هو كيفية التعامل مع المستوردين المبتزين للدولة والمتلاعبين بقوت الجزائريين.
وأكد تبون بنبرة غضب واضحة، في الاجتماع الأول لمجلس الوزراء بعد توليه ولاية رئاسية ثانية، أنه "لن يسمح باختلاق الندرة في السوق المحلية مهما كانت أسبابها"، مطالباً المسؤولين في وزارة التجارة بـ"مزيد من اليقظة، ومحاربة لوبيات الاستيراد الذين يحاولون ابتزاز الدولة"، وبسحب تراخيص الاستيراد منهم وحتى إلغاء سجلاتهم "في حال ثبوت تورطهم".
ونقل بيان رسمي عن تبون أنه "أمر الحكومة بإعداد مرسوم رئاسي ينظم التجارة الخارجية، بما فيها عمليات التصدير التي تتطلب دراسات جدوى مالية واقتصادية دقيقة للسوق الوطنية والدولية حتى لا يتحول التصدير إلى نقمة ومصدر للندرة والاختلال في السوق المحلية".
هذه التصريحات دفعت كثيرين إلى التساؤل عن المتسبب الحقيقي في الندرة ورفع الأسعار، وعن الحلول المقترحة من أجل تنظيم التجارة الخارجية مقابل ضمان الوفرة واستقرار الأسعار في الأسواق المحلية.
وسعت الحكومات الجزائرية في السنوات الخمس الأخيرة إلى تنظيم نشاط الاستيراد من الخارج، في خطوة تستهدف كبح فاتورة الواردات التي تقلصت بحسب تصريحات أدلى بها الرئيس الجزائري في كانون الثاني (يناير) 2023 من 63 مليار دولار إلى حدود 38 مليار دولار، وقد تحققت هذه الخطوة بحسب الخبير الاقتصادي الجزائري والأستاذ في جامعة مستغانم الدكتور بوشيخي بوحوص "بعد تطهير عدد المستوردين للبضائع الموجهة للبيع على الحالة من 42 ألفاً إلى 12 ألف مستورد جزائري".
آليات مقترحة
ومن أجل تجاوز هذا الوضع، يقول بوشيخي لـ"النهار العربي" إنه "يجب تغيير المعادلة بالانتقال من الاستيراد العشوائي الذي كبد خزينة الدولة خسائر كبيرة إلى استيراد منظم ومحدد، ولن يتأتى هذا إلا باستحداث ديوان وطني للاستيراد يضم مجموعة من الدواوين الفرعية وكل ديوان يختص بشعبة معينة، على أن تُسند إلى هذا الديوان مهمة توزيع السلع المستوردة من الخارج على الأروقة والمساحات الكبرى على غرار أسواق الفلاح التي طواها الزمن منذ فترة طويلة".
ويؤكد بوشيحي "ضرورة العودة إلى النظام السابق حيث تكون الدولة عبر مؤسساتها الاقتصادية مستوردة ومنظمة لكل السلع والمستلزمات وضمان خدمات ما بعد البيع، ويكون ذلك عبر الدبلوماسية التجارية والاستيراد من المصدر من دون الرجوع إلى البورصات العالمية".
ومن شأن هذا المقترح أن يساهم، وفق بوشيحي، في خفض الأسعار ومحاربة المضاربة غير المشروعة التي تنجم عن وقوع خلل كبير في سلسلة توزيع المنتجات الغذائية، وقد سنت السلطات لهذا الغرض قانوناً بغرض مكافحتها وينص على عقوبة تصل إلى السجن 30 سنة، ضد أي تاجر تثبت ضده تهمة "التلاعب بقوت الجزائريين"، وفق تعبير المسؤولين في الدولة، وبالفعل اعتُقل عشرات التجار ودينوا بعقوبات ثقيلة، على أساس هذه التهمة.
ومن الآليات التي يقترحها الأستاذ في كلية العلوم الاقتصادية في جامعة سطيف فارس هباش "تعديل آلية منح الرخص بالطريقة الحالية المعتمدة على الفاتورة الشكلية إلى الاعتماد على القيمة وفق أجندة سنوية محددة بتواريخ مسبقة ومعلومة"، ويشير إلى أن "الطريقة الحالية في إدارة الرخص ومنحها ليست في مصلحة المستهلك ولا المتعامل الاقتصادي ولا حتى خزينة البلاد، ناهيك باضطرابات السوق المفاجئة بين الفينة والآخرى، وللأسف لم تغير هذه الطريقة من الواقع شيئاً، والدليل الاختلالات المفاجئة والمرحلية التي تظهر في السوق بين الحين والآخر".
ويستدل هباش بـ"أزمة إطارات السيارات التي تشهد ارتفاعاً كبيراً"، ويؤكد أن "هذا مثال فقط لأن الأمر يتعدى إلى منتجات أخرى بصفة مرحلية وظرفية، أي أننا أحياناً نرى وفرة وانخفاضاً في الأسعار وتارة ندرة وارتفاعاً في الأسعار"، معتبراً أن آلية ربط الاستيراد في المرحلة الحالية بنظام الرخص بـ"الآلية المحمودة والسليمة لضبط الواردات وترشيد الاستيراد".
وكانت أسعار الإطارات قد شهدت ارتفاعاً حاداً خلال الأيام الأخيرة بسبب نقص العرض في السوق، حيث حذّرت جمعيات حماية المستهلكين من وجود نقص حاد من المنتجات، وقالت إن السوق قد يمر بحالة ندرة في هذه السلعة.
ولكن المشكل المطروح يبقى، وفق هباش، في آلية منح الرخص التي يجب حالياً أن تراجع وتعدل ويعاد النظر فيها بما يخدم مصالح جميع الأطراف.