النهار

هل توقف الهند دعم أرمينيا عسكريّاً؟
جورج عيسى
المصدر: "النهار العربي"
بعد سنة 2020، باعت الهند منظومات عسكريّة إلى أرمينيا. لكنّ حرب خريف 2023 استدعت ردّاً فاتراً من الهند.
هل توقف الهند دعم أرمينيا عسكريّاً؟
رئيس الوزراء الهنديّ ناريندرا مودي يلتقي بنظيره الأرمينيّ نيكول باشينيان على هامش الدورة العاديّة للجمعيّة العامّة للأمم المتحدة في نيويورك سنة 2019 (صفحة مكتب رئاسة الوزراء الهنديّة على فيسبوك)
A+   A-

كانت الهند من بين الدول الأولى التي اعترفت باستقلال أرمينيا سنة 1991. بعد تركيا، كانت باكستان ثاني دولة تعترف باستقلال أذربيجان في السنة نفسها. يلخّص هذان الواقعان الكثير من الأسباب التي تشرح دعم الهند لأرمينيا في صراع يبدو بعيداً نسبيّاً من أراضيها. ينطبق الواقع نفسه على حالة الدعم الباكستانيّ لأذربيجان. لغاية اللحظة، لم تعترف باكستان حتى باستقلال أرمينيا. بعبارة أخرى، تنظر نيودلهي وإسلام أباد إلى الصراع في القوقاز على أنّه نسخة ثانية من الصراع في كشمير. أحد الفوارق الأساسيّة بين الدولتين هو أنّ الهند دخلت متأخّرة إلى النزاع بالمقارنة مع جارتها.

 

تطوّر العلاقات

منذ سنة 1992، اقتصرت العلاقات الهنديّة الأرمينيّة على الروابط الثقافيّة والعلميّة والسياحيّة إلى حدّ كبير. لم ترتقِ العلاقات إلى المستوى العسكريّ إلّا قبيل حرب ناغورنو كراباخ الثانية في خريف 2020 والتي دامت 44 يوماً بين أرمينيا وأذربيجان. في تلك الحرب، أعادت أذربيجان السيطرة على المناطق التي خسرتها في الحرب الأولى (1988-1994) كما سيطرت على ثاني أكبر مدينة من الإقليم، شوشا. انتهت الحرب بتوصل إلى وقف لإطلاق النار والأعمال العدائية في 10 تشرين الثاني (نوفمبر) وتمّ نشر نحو ألفي جندي روسيّ لحفظ السلام في ممرّ لاتشين الذي يربط بين أرمينيا والإقليم. بالرغم من وقف إطلاق النار، ظلّت التوتّرات سائدة في المنطقة.

 

في آذار (مارس) 2020، باعت الهند أربعة رادارات من طراز "سواثي" إلى أرمينيا بقيمة 40 مليون دولار. قبل ذلك بأشهر قليلة، أكّد رئيس الوزراء الأرمينيّ نيكول باشينيان أنّ بلاده تدعم تماماً موقف الهند في كشمير. رفعُ مستوى الدعم العسكريّ سيأتي لاحقاً، في أيلول (سبتمبر) 2022، حين اشترت أرمينيا أسلحة بقيمة 250 مليون دولار من بينها راجمات "بيناكا". ومن جملة الصادرات العسكريّة الهنديّة إلى أرمينيا، مدافع 155 ملم إلى جانب صواريخ مضادّة للدبابات ومضادّات للمسيّرات. لكن ربّما أتت هذه الأسلحة في وقت متأخّر.

 

مصالح الهند في دعم أرمينيا

في مقابلة مع صحيفة "أذري نيوز" بتاريخ 28 تموز (يوليو) 2023، قال المحلّل السياسيّ الباكستانيّ محمود الحسن خان إنّ "الأبعاد الجيو-استراتيجية" في جنوب القوقاز ستتغيّر وستتعرّض لـ"إعادة التكييف" في القريب العاجل. بالفعل، وبعد أقلّ من شهرين، شنّت أذربيجان هجوماً سريعاً بين 19 و20 أيلول (سبتمبر) ضدّ ناغورنو كراباخ بهدف دفع الإقليم إلى الاستسلام. وفي 28 أيلول، وقّع رئيس ناغورنو كراباخ صمويل شاهرامانيان مرسوماً قضى بحلّ المؤسّسات الحكوميّة التابعة للإقليم بحلول 1 كانون الثاني (يناير) 2024.

 

تملك الهند أكثر من سبب لدعم أرمينيا في مواجهة أذربيجان ومن خلفها تركيا وباكستان. فالعلاقات الهنديّة-الأرمينيّة تعود إلى القرن السادس العشر ويرى القوميّون في الهند أنّ أرمينيا هي جدار عازل ضدّ التوسّع التركيّ نحو الشرق، بالإضافة الطموحات العبر-تركيّة لكلّ من أنقرة وباكو التي تقلق الهند، على ما كتبه الباحث في شؤون الإقليم يغيا تاشجيان في مجلّة "أرمينيان ويكلي".

 

على الرغم من ذلك، كانت العلاقات العسكريّة بين باكستان وأذربيجان أقدم عهداً. فقد دعمت إسلام أباد باكو منذ التسعينات واشتركتا في تدريبات عسكريّة مشتركة منذ سنة 2016 وأرسلت مستشارين عسكريّين إلى أذربيجان خلال حرب 2020 بحسب المحلّل المختصّ بشؤون الاتّحاد السوفياتيّ والمقيم في برلين سفينجا بترسون. ويضيف أنّ الهند تخشى من أن ينقل الحلفاء الثلاثة تركيزهم على كشمير في حال فوز أذربيجان في المنطقة، لذلك، نظرت الهند إلى دعمها لأرمينيا يمكن تفسيره كـ"تكتيك دفاعيّ متقدّم".

 

لكنّ مشكلة هذا التكتيك على ما يبدو، أنّه هكذا، مجرّد تكتيك. ربّما لم تتّخذ الهند قرار رفع مستوى دعمها إلى آخر استراتيجيّ. عند النظر إلى ردود الفعل الهنديّة على الحرب الأخيرة في خريف 2023 وتداعياتها على موقع أرمينيا في المنطقة، لاحظ عدد من المحلّلين، بعضهم من الهند نفسها، أنّها جاءت باهتة.

 

الممرّ هو السبب؟

لدى الهند مصدر اهتمام قد يكون الأبرز في جنوب القوقاز وهو تشكيله عقدة مواصلات أساسيّة لممرّ النقل الدوليّ بين الشمال والجنوب (إنستك) والذي يربط الهند بأوراسيا. تريد الهند ربط "إنستك" بأرمينيا انطلاقاً من ميناء تشابهار في جنوب شرق إيران. تفضّل الهند مدّ الممرّ عبر محافظة سيونيك الأرمينيّة بالرّغم من أنّ ربطه بالشاطئ بحر قزوين عبر أذربيجان متاح أيضاً.

 

الباحث في "مؤسّسة هوفر" التابعة لجامعة ستانفورد سيموس دافي يعتبر أنّ الردّ الهادئ من الهند قد يكون بسبب التطوّرات في ناغورنو كراباخ بحيث تمرّ عقدة المواصلات التابعة لـ"إنستك" في ممرّ زنزيغور الذي يربط أذربيجان بإقليمها ناختشيفان. خطورة احتمال اشتعال حرب إقليميّة هناك تجعل بناء ممرّ "إنستك" في أرمينيا مشكلة للهند، بحسب ما كتبه الباحث في أيلول (سبتمبر) الماضي.

 
 
 
 

وثمّة مشكلة أخرى للهند بعد الغزو الروسيّ لأوكرانيا. السفير الهنديّ السابق إلى عدد من دول الشرق الأوسط أنيل تريغونايات قال إنّ حرب أوكرانيا غيّرت الأوضاع. لقد أصبح الروس جدّيّين جداً في التنفيذ السريع لـ"إنستك" من أجل الوصول إلى المحيط الهنديّ عبر تشابهار لمواجهة العقوبات الأوروبية. ولا تريد الهند تفويت هذه الفرصة. وأضاف أنّه إذا أظهرت الهند نقص اهتمام فمن المرجّح أن تشغل الصين تلك المساحة. حديث السفير جاء مع مؤسّس مركز "أوساناس فاونديشن" للأبحاث في الهند أبهيناف بانديا الذي رأى، مثل دافي، أنّ الخوف على مستقبل ممرّ "إنستك" هو الذي دفع نيودلهي إلى إبداء ردّ فعل فاتر على خسارة أرمينيا الحرب.

 

وتجدر الإشارة أيضاً إلى أنّ العلاقات بين الهند وأذربيجان غير مقطوعة. على سبيل المثال، بلغ حجم التبادل التجاريّ بين الهند وأرمينيا سنة 2022 نحو 358 مليون دولار وهو أقل بنحو خمس مرّات من حجم التبادل بين الهند وأذربيجان وهو 1.9 مليار دولار.

 

خطوة مطمئنة؟

قد لا يكون لدى أرمينيا أسباب كثيرة للقلق. فقد ذكرت صحيفة "هندوستان تايمز" الهنديّة يوم الخميس أنّ نيودلهي سترسل عدداً من الملحقين العسكريّين إلى دول في آسيا وأفريقيا وأوروبا، ومن بينها أرمينيا وبولندا. ولفتت الصحيفة النظر إلى أنّ تعيين ملحق عسكريّ في أرمينيا، وهو خطوة تحصل للمرة الأولى معها في تاريخ العلاقات بينهما، يأتي بحسب مسؤولين بعد شراء يريفان راجمات "بيناكا".

 
 
 
 

تملك الهند مرونة في بناء علاقاتها الخارجيّة. هي شريك قويّ للولايات المتحدة في الحوار الأمنيّ الرباعيّ "كواد" لكنّها ترفض اتّباع سياسة واشنطن في قضيّة فرض العقوبات على روسيا. وبالرغم من علاقتها المتوتّرة مع الصين، تنضوي الدولتان في منظّمة "بريكس". ومع أنّها تهدف إلى تعزيز روابطها مع دول الشمال، تسعى الهند إلى أن تكون الصوت الأوّل لـ"دول الجنوب". ربّما لهذا السبب تريد الهند دعم أرمينيا بدون التوصّل معها إلى تحالف كامل؛ وبالتحديد، ليس قبل حسم مصير مشروع "إنستك".

اقرأ في النهار Premium