النهار

كيم يستقبل بوتين... إلامَ يتطلّع الطّرفان؟
جورج عيسى
المصدر: "النهار العربي"
هي الزيارة الأولى للرئيس الروسيّ إلى كوريا الشماليّة منذ 24 عاماً.
كيم يستقبل بوتين... إلامَ يتطلّع الطّرفان؟
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يستقبل الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون في قاعدة فضائية شرق روسيا، أيلول 2023 - "أ ب"
A+   A-

على أمل "التغلّب معاً على العقوبات الغربيّة"، توجّه الرئيس الروسيّ فلاديمير بوتين إلى كوريا الشماليّة لعقد قمّة مع زعيمها كيم جونغ أون، وعلى جدول الأعمال توقيع "وثائق مهمّة جدّاً" بحسب تصريحات مسؤولين روس. تأتي الزيارة بعد نحو تسعة أشهر على لقاء كيم بوتين في الشرق الروسيّ شهرَ أيلول (سبتمبر) الماضي، وبعد 24 عاماً على الزيارة الأولى للرئيس الروسيّ إلى الدولة المعزولة.

 

في مقال نشرته صحيفة رسميّة في كوريا الشماليّة، شكر بوتين بيونغ يانغ على دعم موقف موسكو في حرب أوكرانيا، مشيراً إلى أنّ الدولتين ستواصلان المواجهة الحاسمة لطموحات الغرب بـ "عرقلة تأسيس عالم متعدّد الأقطاب مبنيّ على الاحترام المتبادل للعدالة".

 

بالرغم من كلّ ما قيل عن المصالح المشتركة للصين وروسيا في تأسيس عالم متعدّد الأقطاب، لم يُترجم هذا الهدف إلى دعم صينيّ عسكريّ للقوّات الروسيّة في أوكرانيا. اتّهم الغرب بكين بتحويل معدّات ذات استخدام مزدوج لموسكو، بينما قال الرئيس الأوكرانيّ فولوديمير زيلينسكي إنّ الرئيس الصينيّ شي جينبينغ وعده بعدم إرسال أسلحة إلى روسيا. مهما كان شكل التعاون العسكريّ بين روسيا والصين، إذا كان هذا التعاون موجوداً، ثمّة اعتقاد معقول بأنّه لم يكن هادفاً إلى كسر التوازن فوق الميدان. لا يمكن قول الأمر نفسه عن الدعم الكوريّ الشماليّ لروسيا.

 

السلاح مقابل الغذاء... والنفط والتكنولوجيا وغيرها

ذكرت كوريا الجنوبيّة أنّ جارتها الشماليّة أرسلت 10 آلاف حاوية عسكريّة ربّما حملت نحو 5 ملايين ذخيرة مدفعيّة إلى موسكو. تتحدّث واشنطن عن أنّ روسيا تطلق صواريخ باليستيّة كوريّة شماليّة في الحرب على أوكرانيا. بالتالي، تبدو المساعدات الكوريّة الشماليّة فعّالة في تغذية الترسانة العسكريّة الروسيّة، وإن كانت هناك علامات استفهام حول جودة ذخائر بيونغ يانغ.

 

في المقابل، يقدّم الروس مساعدات متنوّعة للكوريّين الشماليّين. يقوم الدعم المتبادل بين البلدين بحسب المحلّل الدفاعيّ البارز في مؤسّسة "راند" ديريك غروسمان، على "السلاح مقابل الغذاء" كما على نقل مصادر الطاقة إلى كوريا الشماليّة. وهناك أيضاً العلاقات السياحيّة التي تزدهر بين البلدين، وتعدّ الأخيرة مصدراً إضافيّاً للأموال بالنسبة إلى بيونغ بيانغ. وربّما يحتلّ الدعم التقنيّ الروسيّ للبرنامج الصاروخيّ الكوريّ الشماليّ، كما لبرنامج الغوّاصات، أهمّيّة قصوى لكيم. من هذا المنطلق، أعيرت أهمّيّة رمزيّة كبيرة لمكان استقبال بوتين لكيم خلال زيارة الخريف الماضي: قاعدة "فوستوشني" الفضائيّة.

 
 
 

(بوتين وكيم في فوستوشني - أ ب)

 

يتوقّع الرئيس الروسيّ أن يستمرّ كيم في دعم روسيا عسكريّاً. تشير معظم التحليلات إلى أنّ بوتين يستعدّ لحرب طويلة في أوكرانيا وسيكون بحاجة لكلّ المساعدات العسكريّة المتاحة لتحقيق هذا الهدف. بالرغم من التفوّق التصنيعيّ العسكريّ الحاليّ لروسيا على القاعدة التصنيعيّة الغربيّة، من غير المتوقّع أن يستمرّ هذا المنحى لفترة طويلة. يراهن بوتين على شراء الوقت، بانتظار احتمال عودة الرئيس السابق دونالد ترامب إلى البيت الأبيض مطلع السنة المقبلة، إذا فاز بانتخابات الخريف. في جميع الأحوال، مع أو بدون ترامب، تعدّ الأسلحة الكوريّة الشماليّة أساسيّة بالنسبة إلى الآلة العسكريّة الروسيّة.

 

قال وزير الدفاع الأميركيّ لويد أوستين الشهر الماضي إنّ السلاح الكوريّ الشماليّ والإيرانيّ سمح للروس "بالوقوف مجدّداً على أرجلهم". بالمقابل، ذكر "معهد دراسة الحرب" في واشنطن يوم الاثنين أنّ روسيا تواجه مشاكل في إنتاج القذائف المدفعيّة وبعض أنواع الأنظمة المدفعيّة. وقال خبير الأسلحة ومؤلّف كتاب "القوّات المسلّحة لكوريا الشماليّة" جوست أوليمانز إنّ ذخائر بيونغ يانغ، بما فيها تلك الموجّهة، يمكن أن تمثّل توازناً مع بعض الأسلحة الأميركيّة المقدّمة لأوكرانيا ولو كانت أقلّ صلابة منها. ومن المرجّح أن يراهن بوتين أيضاً على قبول كيم بإرسال مقاتلين إلى أوكرانيا إلى جانب العمّال لبناء المناطق التي تحتلّها روسيا.

 

حسابات كيم

سبق أن وصف كيم حرب روسيا بأنّها "مقدّسة" معرباً عن ثقته بانتصار "جيش روسيا البطل". كما تعهّد بـ "القتال معاً ضدّ الإمبرياليّة". ستكون كوريا الشماليّة مرتاحة لـ "إغراق" الجهد الأميركيّ في أوكرانيا بعيداً من شبه الجزيرة الكوريّة. وهذا على الأقلّ هو أحد الأهداف الأساسيّة لدعم روسيا عسكريّاً. لكنّه قد يكون هدفاً لغرض أوسع. بحسب استطلاع "غالوب" السنويّ، قال فقط 4 في المئة من الأميركيّين إنّ كوريا الشماليّة هي أعظم عدوّ للولايات المتحدة مقابل 51 في المئة سنة 2018. يعني غياب التهديد الكوريّ الشماليّ في التصوّر الأميركيّ العامّ غيابَ اهتمام واشنطن بالتفاوض مع بيونغ يانغ. بالتالي، يمكن أن يمثّل دعم كيم العسكريّ لبوتين ورقة ضغط إضافيّة بيد بيونغ يانغ لحثّ واشنطن على التفكير مجدّداً بالجلوس إلى طاولة التفاوض.

 
 
 
 

قال الناطق باسم مجلس الأمن القوميّ الأميركيّ جون كيربي إنّ بلاده قلقة من تطوّر العلاقات الثنائيّة بين الطرفين "لا بسبب التأثيرات على الشعب الأوكرانيّ فقط... بل بسبب بعض التبادل هنا الذي يمكن أن يؤثّر على الأمن في شبه الجزيرة الكوريّة". هو تعليقٌ يريح على الأرجح الحكم في بيونغ يانغ بالرغم من أنّ كيم قد لا يعقد آمالاً كثيرة على انفراجة مستقبليّة مع واشنطن. على أيّ حال، ليس لديه ما يخسره.

 

فهو يكسب حليفاً في مجلس الأمن سبق أن استخدم حقّ النقض في آذار (مارس) ضدّ تجديد الرقابة الأمميّة المستقلّة على انتهاكات كوريا الشماليّة لعقوبات المجلس نفسه. وفي شباط (فبراير)، أهدى بوتين كيم سيارة "أوروس" الفاخرة من صناعة روسيّة في ما اعتبره البعض انتهاكاً محتملاً للعقوبات الأمميّة. لا شكّ في أنّ وضع كوريا الشماليّة حاليّاً أفضل ممّا كان عليه في السنوات التي سبقت غزو أوكرانيا.

 

اقرأ في النهار Premium