النهار

كيف قد تردّ كوريا الجنوبيّة على تقارب بوتين وكيم؟
جورج عيسى
المصدر: "النهار العربي"
وصفت سيول المعاهدة الدفاعيّة بين الدولتين بأنّها "تهديد" لأمنها
كيف قد تردّ كوريا الجنوبيّة على تقارب بوتين وكيم؟
الرئيس الكوري الجنوبي يون سوك يول إلى جانب نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (كييف، تموز 2023/ أب)
A+   A-

هي خامس أكبر قوّة عسكريّة حول العالم بحسب موقع "غلوبال فاير پاور". وهي أيضاً واحدة من أسرع الدول نموّاً على مستوى التصدير العسكريّ. إنّها كوريا الجنوبيّة المستاءة من التقارب الكبير بين جارتها الشماليّة وروسيا.

 

بعدما استقبل الزعيم الكوريّ الشماليّ كيم جونغ أون الرئيس الروسيّ فلاديمير بوتين في بيونغ يانغ، وقّع الطرفان اتّفاقيّة شراكة استراتيجيّة تضمّنت بنداً بتقديم مساعدة عسكريّة متبادلة في حال تعرّض إحدى الدولتين للحرب.

 

ردّاً على هذا التطوّر، قال مستشار الأمن القومي تشانغ هو-جين الخميس إنّ كوريا الجنوبيّة ستراجع إمكانيّة تزويد أوكرانيا بالأسلحة. حذّر بوتين كوريا الجنوبية من أنّ خطوة كهذه ستمثّل "خطأ كبيراً". وأضاف: "لن يحبّوا الجواب".

 

وأصدر مكتب الرئيس الكوريّ الجنوبيّ يون سوك يول بياناً لفت فيه إلى أنّ الاتّفاق تهديد لأمن كوريا الجنوبيّة وانتهاك لقرارات مجلس الأمن، مشيراً إلى أنّ الأمر سينعكس سلباً على علاقات سيول مع موسكو.

 

نظرة كوريا الجنوبيّة إلى غزو أوكرانيا

من ضمن "قانون التجارة الخارجيّة"، تحصر كوريا الجنوبيّة تصدير أسلحتها بدعم "أغراض سلميّة" وحسب، وهي قدّمت مساعدات غير فتّاكة إلى أوكرانيا. حتى وقت قريب، شاركت كوريا الجنوبيّة في فرض عقوبات على روسيا، وحتى على حليفتها بيلاروسيا، بسبب غزو أوكرانيا. خفّضت شراءها للنفط الروسيّ وفرضت حظراً على تصدير أشباه الموصلات إلى روسيا، بينما حوّلت بعض شحنات الغاز إلى أوروبا لمساعدتها في التعويض عن الغاز الروسيّ. لكنّها ظلّت ترفض مساعدة أوكرانيا عسكريّاً بشكل مباشر.

 

بعد زيادة الضغوط الغربيّة، تردّد أنّ كوريا الجنوبيّة وافقت في ربيع 2023 على بيع نحو 300 ألف قذيفة مدفعيّة من عيار 155 ملليمتراً إلى الولايات المتحدة كي تجدّد مخزوناتها التي رفدت أوكرانيا بالسلاح. يعبّر الرقم عن قدرات كوريا الشماليّة الكبيرة على صعيدي المخزون والإنتاج الدفاعيّ. وبحسب تقرير صادر في مارس (آذار) عن "مركز الدراسات الاستراتيجيّة والدوليّة" ومقرّه واشنطن، صنّعت كوريا الجنوبيّة معدّات بالغة التطوّر كالدبابات من الجيل الرابع والمقاتلات من الجيل 4.5 ومدافع هاوتزر ذاتيّة التقليم، وهي أسلحة سعت إلى شرائها بشكل متزايد دول الناتو.

 

لم تكن القوانين الداخليّة هي فقط ما حال دون تسليح كوريا الجنوبيّة لأوكرانيا. تردّدت سيول في دعم أوكرانيا، بشكل جزئيّ على الأقلّ، خوفاً من تقديم روسيا دعماً عسكريّاً لكوريا الشماليّة. لكنّ الحسابات قد تتغيّر بما أنّ موسكو أصبحت بحكم الأمر الواقع حليفاً عسكريّاً مباشراً للشّمال. لقد اشتبهت الاستخبارات الكوريّة الجنوبيّة في أنّ نجاح بيونغ يانغ بإطلاق قمر اصطناعيّ تجسّسيّ إلى الفضاء أواخر 2023، بعد تجربتين فاشلتين، يعود إلى تقديم موسكو الخبرة التقنية اللازمة لنظام كيم. وذكرت وكالة "يونهاب" الكوريّة الجنوبيّة في أيّار (مايو) الماضي أنّ عدداً كبيراً من الخبراء الروس دخلوا كوريا الشماليّة لمساعدتها في جهود إطلاق المزيد من الأقمار الاصطناعيّة.

 

بالتالي، من وجهة نظر كوريّة جنوبيّة محتملة، يمكن أن يصبح الحفاظ على الستاتيكو السابق تجاه أوكرانيا أمراً صعباً، بعدما "كسرت" روسيا التوازن العسكريّ في شبه الجزيرة الكوريّة، أو بعدما خاطرت بذلك على الأقلّ.

 

كيف قد تردّ؟

يقول مدير "معهد العالم لدراسات كوريا الشماليّة" آهن تشان-إيل لوكالة "فرانس برس" إنّه يجب على أيّ دعم عسكريّ مستقبليّ من سيول إلى أوكرانيا أن ينطوي على "مستوى واضح من الاعتدال". وأضاف أنّه لو اقتصر الدعم على الأسلحة التقليديّة، مثل قذائف المدفعيّة والألغام الأرضيّة، على غرار الدعم الكوريّ الشماليّ لروسيا، فسيكون بالإمكان "تقليل ردّ الفعل العنيف من جانب روسيا".

 
 
 

(الرئيس الكوري الجنوبي يون سوك يول يزور مع عقيلته كيم كيون هي مدينة بوتشا الأوكرانية - أب)

 

يطرح تحليل آهن ثلاث علامات استفهام. من ناحية، تتّهم واشنطن بيونغ يانغ بإرسال صواريخ باليستيّة إلى روسيا بجانب ملايين القذائف المدفعيّة، ممّا يعني أنّ على الدعم الكوريّ الجنوبيّ أن يكون أكبر من مستوى القذائف والألغام. ثانياً، إذا كان على كوريا الجنوبيّة دراسة خياراتها العسكريّة تجاه حرب أوكرانيا فقد لا تبنيها على ما يقدّمه الشمال لروسيا، بل على ما تقدّمه روسيا للشمال. فما يثير استياء كوريا الجنوبيّة بالدرجة الأولى ليس ما تفعله أسلحة بيونغ يانغ في أوكرانيا، بل ما تفعله التكنولوجيا أو الأسلحة الروسيّة بالتوازن في شبه الجزيرة الكوريّة.

 

من ناحية ثالثة، ليس واضحاً ما إذا كانت خيارات روسيا "الانتقاميّة" متنوّعة إلى هذا الحدّ. إنّ لجوء روسيا إلى دولة معزولة للحصول على الدعم العسكريّ هو إشارة إلى أنّ وضع موسكو السياسيّ والعسكريّ ليس قويّاً إلى حدّ بعيد. حتى لو كان في جعبة روسيا المزيد من الدعم التقنيّ لترسانة الشمال العسكريّة كنوع من الانتقام، يبقى السؤال عمّا إذا كان ذلك يستأهل تنازل موسكو عن درّة تاج صناعتها العسكريّة لبيونغ يانغ سؤالاً معقولاً.

 

أحد المؤشّرات

في جميع الأحوال، وإن كان لا بدّ من ردّ على المستوى العسكريّ، فقد تجد كوريا الجنوبيّة فعلاً أنّ اتّباع مسار الغرب التدريجيّ في دعم أوكرانيا هو الخيار الأكثر أماناً، بما أنّه يمكّنها من قراءة ردّ فعل روسيا بالشكل الأنسب. بحسب "مركز الدراسات الاستراتيجيّة والدوليّة"، يمكن أن تقدّم سيول قذائف من عيار 105 ملم وهي تلائم مدافع "هاوتزر" الأكثر مرونة، كما أنّها في الوقت نفسه أقلّ تدميراً ونطاقاً من قذائف 155 ملم. وبما أنّ لسيول نحو 3.5 مليون قذيفة من هذا العيار، وهي أساساً تستخدمها بشكل متناقص، لن يخسر جيشها الكثير في حال تخلّيه عن القسم الأكبر من هذا المخزون.

 

ربّما يكون انتشار قذائف الـ105 ملم في الميدان الأوكرانيّ خلال الأشهر القليلة المقبلة أحد المؤشّرات إلى أنّ كوريا الجنوبيّة قد بدأت "تنتقم" فعلاً من التقارب بين بوتين وكيم.

 

اقرأ في النهار Premium