النهار

مودي في أوكرانيا... موقف الهند يتغيّر؟
جورج عيسى
المصدر: "النهار العربي"
يعتقد البعض أن هناك مؤشرات إلى تململ هندي من روسيا
مودي في أوكرانيا... موقف الهند يتغيّر؟
الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي يستقبل رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي (أ ب)
A+   A-

بعد عناقه مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حين زاره في موسكو الشهر الماضي، ها هو رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي يعانق مضيفه الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في كييف. والعناقان استفزا أكثر من طرف على الأرجح.

 

"الطريق إلى الحل يمكن إيجاده فقط عبر الحوار والديبلوماسية. يجب أن نتحرك في ذلك الاتجاه من دون إضاعة أي وقت". كلمات مودي المتشبث بسياسة الحياد الخارجي، أو "الاستقلالية الاستراتيجية"، متوقعة إلى حد بعيد. لكن زيارته قد لا تعبّر فقط عن رغبة بتأكيد هذا الحياد. ثمة دول عدة شددت على ضرورة الحل ديبلوماسي ولم تقطع علاقاتها مع روسيا؛ لكنها شجبت الغزو أولاً. كانت الهند من الدول التي امتنعت عن التصويت على قرار أممي بالإدانة.

 

تحافظ الهند على علاقات جيدة مع روسيا بعد الغزو لأن هذه العلاقات تمثل إلى حد بعيد مساراً تاريخياً قديماً. من جهة ثانية، تستفيد الهند من شراء النفط الروسي بأسعار مخفضة قد تصل إلى نسبة 40 في المئة، بفعل العقوبات الغربية على موسكو. من جهة ثالثة، تعد روسيا السوق الأساسية للسلاح بالنسبة إلى الهند. كل هذه الأسباب مهمة. لكنها قد لا تكون الأهم.

 

الجواب هناك

وصف زيلينسكي الزيارة بـ "التاريخية" وبأنها سبب يدعو إلى "التفاؤل". يقتضي البحث عن سبب الزيارة خارج أوكرانيا ربما، وتحديداً في الصين. أدت بكين دوراً كبيراً في محاولة إيجاد صيغة لوقف الحرب. خاض موفدها الخاص لي هوي أربع جولات مكوكية عالمية لتحقيق هذا الغرض. إذا كانت الهند قادرة على رسم صورة بأنها تنافس الصين في إيجاد تسوية فسيستغلها مودي. لكن قلة تعتقد أن الزيارة ستنتج خرقاً.

 

جوهرياً، وجدت نيودلهي في العلاقات مع روسيا رافعة لمواجهة الصين. وعدم إدانة نيودلهي لموسكو بعد الغزو هدفَ إلى عدم استدارة روسيا بشكل كامل باتجاه بكين. هذا هو السبب المرجح لحفاظ مودي على أمتن الروابط مع موسكو. من هنا، إن الزيارة إلى كييف وحدها، وهي أول زيارة لرئيس وزراء هندي لأوكرانيا منذ سنة 1991، هي حدث كافٍ لرصد تحوّل محتمل.

 
 
 

(أ ب)

 

في مجلة "فورين بوليسي"، كتب الأستاذ الزائر في جامعة ستانفورد سوميت غانغولي أن مودي ووزير خارجيته سوبراهمانيام جايشانكار ربما قررا أن روسيا لم تعد قادرة على تزويد الهند بالمعدات العسكرية بحسب المواعيد المحددة سلفاً. وربما رأى المسؤولان أيضاً أن منع روسيا من التقرب إلى الصين "قضية خاسرة".

 

يأتي ذلك بالتحديد، بعد غضب السفير الأميركي في الهند إريك غارسيتي من لقاء مودي ببوتين الشهر الماضي إذ قال إنه في زمن النزاعات، "ما من شيء اسمه استقلالية استراتيجية" وإن اعتبار الدعم الأميركي للهند مسألة مفروغ منها تحليل خاطئ. بعبارة أخرى لغانغولي، "نيودلهي محنكة بما يكفي لتدرك أن صبر الولايات المتحدة على الهند محدود".

 

بعض الإعلام الهندي كان أقل اندفاعة في رسم تحول كهذا. صحيفة "ذا إنديان إكسبرس" أشارت إلى أن زيارة مودي لأوكرانيا لن تؤثر على العلاقات الهندية-الروسية، تماماً كما أن العلاقات الروسية-الصينية لن تؤثر على الروابط بين موسكو ونيودلهي. صحيفة "ذا هيندو" لفتت النظر أيضاً إلى أن مودي، وعلى عكس قادة آخرين زاروا أوكرانيا، لم يلتقِ بجنود أو جرحى مدنيين أوكرانيين. وأشارت إلى أن جوهر الزيارة المنتظرة لم يتفوق بشكل كبير على رمزيتها.

 

فرصة

لاحظ محللون غربيون آخرون وجود تحول في العلاقات الخارجية للهند. كتب الزميل الزائر المتميز في "المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية" جيمس كرابتري أنه "تاريخياً، مالت الهند إلى الحذر من توطيد العلاقات مع الغرب وإلى التعاطف مع روسيا. الآن إن النقيض هو صحيح بشكل عام". وأضاف: "المحور المتزايد بين موسكو وبكين يوفر سبباً مشتركاً للقلق لدى بروكسل ونيودلهي معاً".

 

ما قد يدفع التحليل بهذا الاتجاه هو أن مودي أجرى زيارة إلى بولندا قبل ساعات من سفره إلى أوكرانيا، وقد كانت الزيارة الأولى لرئيس وزراء هندي إلى البلاد منذ 45 عاماً. واتفقت الدولتان على إقامة "شراكة استراتيجية" خصوصاً في مجال الدفاع بحسب ما كتبته في صحيفة "ذا برينت" الباحثة في "معهد مانوهار باريكار" للدراسات والتحليلات الدفاعية سواستي راو.

 
 
 

 

بعد الغزو، تأثرت العلاقات التجارية بين الهند وأوكرانيا بشكل سلبي. فقد انخفضت من 3.39 مليار دولار بين 2021-2022 إلى 0.78 ملياراً و0.71 ملياراً في العامين التاليين. على سبيل المقارنة، بلغ حجم التبادل التجاري بين الهند وروسيا عن فترة 2022-2023 ما يقرب من 50 مليار دولار. وفي نيسان/أيار (أبريل/مايو) 2024، شهد التبادل التجاري ارتفاعاً بنسبة 160 في المئة عن الفترة نفسها من العام السابق. بالتالي، قد يبحث مودي فقط عن فرصة لزيادة استثمارات بلاده في منطقة قابلة فعلاً لتوفير مثل هذه الزيادة، من دون النظر في مسألة إعادة تقييم العلاقة مع موسكو.

 

أسئلة ورسالة

لماذا قبل مودي بزيارة أوكرانيا في وقت حساس لروسيا مع تعرض أراضيها للغزو الأوكراني للمرة الأولى منذ الحرب العالمية الثانية؟ وهل جاءت زيارة مودي تهدئة لخواطر الأميركيين بعد غضبهم من سفره إلى موسكو؟ أم قرر مودي الزيارة فقط للتأكيد على التوازن في علاقات بلاده الخارجية؟

 

يقول سواران سينغ، أستاذ الديبلوماسية ووقف التسلح في جامعة جواهر لال نهرو بنيودلهي، إن "الضغوطات الغربية مهمة، لكن قرار (الزيارة) مدفوع أساساً بسياسة الهند الخارجية المبنية على محور الاستقلالية الاستراتيجية". وتابع في حديث إلى صحيفة "الإندبندنت" البريطانية أن الزيارة جاءت "لإظهار – حتى لموسكو – أن نيودلهي ستعانق بوتين وأننا سنخرط مع أوكرانيا أيضاً".

 

قد تكون زيارة مودي أوكرانيا تعبيراً عن تقاطع لأهداف مختلفة منها درء الضغوط الأميركية والحفاظ على "الاستقلالية الاستراتيجية" واستغلال فرص استثمارية متاحة في أوروبا الشرقية. مع ذلك، حتى وإن لم يكن هدف الزيارة إعلان الابتعاد عن روسيا في أي وقت قريب، يبقى صعباً تجاهل احتمال توجيه نيودلهي رسالة ضمنية إلى موسكو: "خيار الابتعاد متاح لكنه موضوع جانباً في الفترة الراهنة". فروسيا لا تتقرب من الصين وحسب، بل أيضاً من باكستان.

 

اقرأ في النهار Premium