النهار

طالبان تستقي شرعيتها الدولية من غاز تركمانستان
باسل العريضي
المصدر: النهار العربي
شكل الاحتفال بانطلاق ورشة "تابي" داخل أفغانستان فرصة لها لعقد مزيد من الاتفاقيات مع جارتها تركمانستان من بينها خط ألياف ضوئية يصل إلى هرات وخط كهرباء وافتتاح جسر للسكك الحديد.
طالبان تستقي شرعيتها الدولية من غاز تركمانستان
عناصر طالبان امام خط غاز تابي المنوي تنفيذه (أ ف ب)
A+   A-

منتصف آب (أغسطس) الماضي احتفلت حركة "طالبان" بالذكرى الثالثة لاستلامها الحكم في أفغانستان عقب الانسحاب الأميركي منها عام 2021. ومنذ ذلك الوقت تسعى هذه الدولة في وسط آسيا إلى إيجاد موطئ قدم لها على الساحة السياسية العالمية في ظل توترات جيوسياسية بين الشرق والغرب، أعاد إلى الأذهان مرحلة الحرب الباردة.

 

وبعد ما يقارب نصف قرن على الصراع، أحكمت "طالبان" سيطرتها بالفعل، لكنها لم تستطع نيل اعتراف دولي بها كقوة حاكمة، بل على العكس لا تزال عرضة للعقوبات. إنما في سياق البحث عن مصادر الطاقة والموارد الاقتصادية كسرت دول آسيوية حلقة الحصار وبدأت بإنشاء علاقات ودية مع الحركة، خصوصاً أن فترة حكمها في السنوات القليلة الماضية أعطى البلاد شبكة أمان لم تعرفه منذ سبعينيات القرن الماضي.

 

وسط هذا، برزت الحاجة إلى تنويع مصادر الطاقة، خصوصاً وأن الصراع دخلت عليه الصين أو كما يصفها البعض بأنها "مصنع العالم". وفي ظل التغيّر المناخي كان البحث عن مصادر أقل تكلفة على البيئة، وهنا يظهر الغاز كعنصر أساسي، إلى حين وصول تكنولوجيا الطاقة النظيفة إلى منزلة يستغني بها العالم عن المصادر التقليدية.

 

"تابي" المشروع الموعود

الأربعاء الماضي، أعلنت حركة "طالبان" أنه يوم عطلة، والسبب احتفال كل من كابول وعشق آباد باستكمال البناء على الجانب التركماني لخط أنابيب الغاز "تابي "TAPI، نسبة إلى الحروف الأولى لأسماء الدول المشاركة فيه، تركمانستان وأفغانستان وباكستان والهند. وكان قد أرجئ العمل فيه مراراً بسبب الحروب في أفغانستان، وانعدام الأمن الإقليمي والتوترات بين الدول الشريكة. مع العلم أن ورشة البناء تم التخطيط لها منذ عام 1990، وكان من المقرر أن يبدأ العمل في أفغانستان عام 2018، بينما الجانب التركمانستاني بدأ فعلياً العمل بالمشروع في عام 2015.

 

ويعدّ هذا المشروع من أهم المشاريع الإقليمية، ويرمز إلى التعاون الاقتصادي بين الدول الأربع، ويبلغ طوله حوالى 1800 كيلومتر. ومن المتوقع أن يساهم في تحقيق فوائد اقتصادية كبيرة لأفغانستان من خلال توفير فرص العمل وعائدات نقل الغاز، إذ أنه سيسمح باستخراج قرابة 33 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي سنوياً من حقل غالكينيش الواقع في جنوب غرب تركمانستان، والذي يُعد أحد أكبر الحقول في العالم والأول من حيث الاحتياطات.

 

ولتوضيح ذلك بلغة الأرقام، ستشتري كل من باكستان والهند 42 في المئة من إمدادات غاز مشروع "تابي"، وأفغانستان 16 في المئة، فيما تستفيد كابول من رسوم عبور تقدر بحوالى 500 مليون دولار سنوياً في المرحلة الأولى، على أن تزيد هذه القيمة في المراحل اللاحقة. وبالنسبة إلى الدول الشريكة الثلاثة، سيكون لخط أنابيب الغاز ميزة توصيل الغاز بسعر أرخص من الغاز الطبيعي المسال وضمان عمليات تسليم منتظمة.

 

وتعليقاً على إطلاق المشروع، قال الناطق باسم حكومة "طالبان" ذبيح الله مجاهد: "شعبنا يحلم بهذا المشروع منذ 33 عاماً"، مشيراً إلى أنه سيوفر فرص عمل لحوالى 12 ألف أفغاني.

 

أبعد من ذلك، شكل الاحتفال بانطلاق ورشة "تابي" داخل أفغانستان فرصة لها لعقد مزيد من الاتفاقيات مع جارتها تركمانستان من بينها خط ألياف ضوئية يصل إلى هرات وخط كهرباء وافتتاح جسر للسكك الحديد.

 

دور استراتيجي

هذا المشروع الضخم البالغة تكلفته الإجمالية أكثر من 22 مليار دولار، لم تضح تفاصيل تمويله بعد. وهذه مسألة أكثر من مهمة في أجواء الصراعات المحمومة. لا سيّما وأن تركمانستان تصدّر الجزء الأكبر من حاجاتها من الغاز إلى الصين.

 

ومن جهة ثانية، من غير الواضح متى سينتهي العمل به، وتوقّع في هذا السياق نائب رئيس شركة البحوث والتحليل "Rystad Energy" سوابنيل بابيلي المزيد من التأخير "إذ ما زال هناك الكثير من العمل الذي يتعين القيام به، كما أن مسألة التمويل المستقبلي غير واضحة. ونعتقد أنه لن يصبح قيد التشغيل قبل العقد المقبل".

 

لكن الأهم بالنسبة لكابول أن "تابي" يمنحها دوراً استراتيجياً في التعاون الإقليمي بين آسيا الوسطى وجنوب آسيا الذي يشهد أزمة طاقة كبيرة. كما أنه قد يسمح لها الموازنة بين القوتين الآسيويتين المتصارعتين الهند والصين من جهة وبين الهند وباكستان من جهة ثانية. وإن تمكنت من تحقيق هذا كله تكون "طالبان" قد حققت أبرز أهدافها منذ عودتها إلى الحكم، ألا وهو الإعتراف الدولي بشرعيتها. وتقاطع المصالح الإقليمية الكبرى على هذه المشاريع من شأنه أن يعزز الاستقرار داخل البلاد وبالتالي استقطاب المزيد من الاستثمارات خصوصاً أنها دولة غنية بالموارد الطبيعية التي هي موضع طلب عالمي.

 

ونجاح المشروع في أفغانستان، التي تمتلك احتياطات كبيرة من الغاز، قد ينسحب على مشاريع مماثلة داخل البلاد، وتحديداً في حقل شيبرغان للغاز الواقع في ولاية جوزجان شمال البلاد، وكان يعتبر المصدر الرئيسي لإنتاج الغاز الطبيعي في البلاد خلال السبعينيات والثمانينيات. لكن الحقل تضرر بسبب سنوات الحرب والإهمال، وهناك جهود لإعادة تأهيله.

 

ومن المشاريع الأخرى، حقول الغاز في مناطق مثل "أقينة" و"جوزجان"، حيث كانت هناك استثمارات سابقة، إلّا أن مشاريع الاستخراج تعرقلت بسبب البنية التحتية الضعيفة والتحديات الأمنية.

الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium