أدانت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان فرنسا، اليوم الخميس، بسبب ظروف العيش "المخالفة لاحترام الكرامة البشرية" في مخيمات استقبال الحركيين الذين قضوا فيها سنوات بعد إجلائهم من الجزائر في الستينات والسبعينات.
وجاء هذا القرار بناء على شكوى رفعها خمسة مواطنين فرنسيين ولدوا بين العامين 1957 و1967 وهم أبناء حركيين من أصول جزائرية قاتلوا إلى جانب الجيش الفرنسي خلال حرب الجزائر (1954-1962).
ووصل أربعة منهم إلى فرنسا خلال فترة الاستقلال في العام 1962، أو وُلدوا في فرنسا في السنوات التالية. وعاشوا في مخيمات استقبال للحركيين، خصوصاً مخيم "بياس" في لو-إيه-غارون، حتى العام 1975.
وقدّموا طعوناً مختلفة تتعلّق بأوضاعهم المعيشية في هذا المخيّم، مشيرين بشكل خاص إلى احتجازهم وفتح بريدهم من قبل إدارة المخيّم وإعادة تخصيص المخصّصات الاجتماعية المستحقّة لأسرهم إلى مصاريف المخيّم وتعليمهم في مدرسة داخلية في المكان وذلك خارج نظام التعليم العام.
والمحكمة، المكلفة بضمان الامتثال للاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، "ترى أن الظروف المعيشية اليومية لسكان مخيم بياس، الذي كان مقدمو الطلبات جزءا منه، لم تكن متوافقة مع احترام الكرامة الإنسانية وكانت مصحوبة أيضا بالاعتداءات على الحريات الفردية".
معاملة لا إنسانية
وسبق للمحاكم الإدارية الفرنسية أن اعتبرت أنّ الدولة مسؤولة عن الخطأ في هذا الإطار، بينما دفعت لهم فرنسا 15 ألف يورو كتعويض عن الأضرار المادية والمعنوية التي لحقت بهم.
وأشارت المحكمة الأوروبية لحقوق الانسان ومقرّها في ستراسبورغ، إلى أنه بعد هذه التعويضات، "اعترف قانون 23 شباط (فبراير) 2022 بمسؤولية الأمّة في الاستقبال والظروف المعيشية غير اللائقة للحركيين وعائلاتهم وكذلك الاعتداءات على حرياتهم الفردية".
ومع ذلك، فإنّ المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، على الرغم من "إدراكها لصعوبة تحديد حجم الضرر الذي لحق بمقدّمي الطعون... تعتبر أنّ المبالغ التي حكمت بها المحاكم المحلية في هذه القضية لا تشكّل تعويضاً مناسباً وكافياً رداً على الانتهاكات المذكورة".
وفي ما يتعلّق بالمعاملة اللاإنسانية والمهينة، فقد أشارت المحكمة إلى أنّ "المبالغ الممنوحة لمقدّمي الطعون متواضعة مقارنة بما تحكم به المحكمة عادة في القضايا المتعلّقة بظروف الاحتجاز المهينة".
واعتبرت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان أنّ "هذا يعني أنّ هذه المبالغ لم تغطّي الأضرار المرتبطة بالانتهاكات الأخرى للاتفاقية".
"عمل للذاكرة"
واشارت المحكمة إلى أنه "يترتب على ذلك أنه في ظل هذه الظروف، وعلى الرغم من العمل للذاكرة المهم الذي تم إنجازه والاعترافات الرسمية التي أصدرتها أعلى السلطات التنفيذية الفرنسية، فإن السلطات الوطنية، عند تحديد مبلغ التعويض المدفوع لمقدمي الطلبات، لم تأخذ في الاعتبار وبشكل كاف خصوصية ظروفهم المعيشية في مخيم بياس".
وبذلك، تُلزم هذه المحكمة فرنسا بدفع أكثر من 19500 يورو إلى المتقدّمين الأربعة الذين يتحدّرون من العائلة نفسها، بما يتناسب مع الوقت الذي أمضوه في مخيّم "بياس".
ومن ناحية أخرى، اعتبرت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في هذه القضية أن المحاكم الفرنسية لم تنتهك حق الوصول إلى المحكمة.
أمّا المدّعي الخامس الذي أُعدم والده في العام 1957 على يد "جبهة التحرير الوطني" الجزائرية، والذي توجّه إلى فرنسا في العام 1980، فلم يفز بالدعوى التي تقدّم بها.