النهار

جدل حول إصلاحات نظام اللجوء الأوروبي... انصياع لليمين المتطرّف وتقويض للمبادئ الإنسانية؟
برلين - شادي عاكوم
المصدر: النهار العربي
وافق البرلمان الأوروبي، الأسبوع الماضي، وبعد سنوات من المفاوضات، على حزمة تشريعية لإصلاح نظام اللجوء الأوروبي المشترك.
جدل حول إصلاحات نظام اللجوء الأوروبي... انصياع لليمين المتطرّف وتقويض للمبادئ الإنسانية؟
اللاجئون على الحدود الأوروبية.
A+   A-
وافق البرلمان الأوروبي، الأسبوع الماضي، وبعد سنوات من المفاوضات، على حزمة تشريعية لإصلاح نظام اللجوء الأوروبي المشترك. وتهدف المقترحات العشرة إلى تشديد قواعد اللجوء والحد من الهجرة غير الشرعية إلى دول التكتل، وذلك باعتماد إجراءات موحّدة وعمليات ترحيل أسرع وخلق مزيد من التضامن بين أعضائه.
 
لكن إقرار هذه المقترحات واجه انتقادات من أحزاب ومنظمات إغاثية وحقوقية مدافعة عن حقوق اللاجئين، بسبب ما حملته من تناقضات وغياب للبعد الإنساني بأحقية استيعاب اللاجئين من بلدان الأزمات والحروب، عملاً بالقوانين الدولية. فماذا عن طبيعة الإصلاحات وهل ستغيّر الواقع الموجود بعد سنوات من الجدل بين دول التكتل الأوروبي؟
 
إصلاحات لجوء أوروبية غير فعّالة
في وقت يهدف الإتحاد الاوروبي إلى وضع الإصلاحات حيز التنفيذ قبل الانتخابات الاوروبية المقرّرة في حزيران (يونيو) 2024، على الرغم من أنّ التنفيذ الكامل قد يستغرق حتى النصف الاول من العام 2026، اعتبر الباحث في شؤون الهجرة والعقل المدبّر لاتفاقية الهجرة التي أبرمها الاتحاد الاوروبي مع تركيا في العام 2016 غيرالد كناوس، أنّ الإصلاحات ليس لها أي فائدة تُذكر، وهي غير فعّالة، قبل أن يضيف مع شبكة "ام دي أر" الإخبارية: "يبدو من المعقول أنّه سيكون من الأسهل تحديد من لا يحتاج إلى الحماية على الحدود الخارجية للاتحاد الاوروبي".
 
واقترح كناوس من أجل منع الهجرة غير الشرعية اعتماد اتفاقيات مع دول ثالثة آمنة، وللقيام بذلك، فإنّ المطلوب تقديم عروض جذابة، مثل تمكين المزيد من الهجرة القانونية. ومعرباً عن اعتقاده بأنّه من المنطقي التفاوض مع دول ثالثة مسبقاً لإمكان إعادة اللاجئين إلى وطنهم، من دون أن يغفل الإشارة إلى أنّ ما يفتقده الاصلاح في قانون اللجوء المشترك، الدبلوماسية اللازمة لإقناع الدول الثالثة الآمنة، ومبيناً أنّ العديد من هذه النقاط كانت متوفرة بالفعل قبل إقرار هذه الإصلاحات إخيراً. وخلص كناوس إلى أنّه وبعد سنوات من المفاوضات، ولد الإتحاد الأوروبي فأراً... "الاصلاحات قليلة للغاية ولن تغيّر إلّا القليل".
 
بين الترحيب والإعتراض
وفي وقت رحّبت الأحزاب الأوروبية المحافظة بإقرار الإصلاحات باعتبارها خطوة كبيرة إلى الامام ومهمّة لوحدة أوروبا، برزت انتقادات من الأحزاب اليسارية، حيث وصف زعيم كتلة اليسار في البرلمان الأوروبي مارتن شيردوفان الإصلاحات التي تمّ إقرارها بغير الإنسانية، مشدّداً على أنّ الدول الأعضاء حرمت الأشخاص الضعفاء من حقوقهم، وأنّ التكتل تخلّى عن مبادئه الإنسانية خوفاً من الشعبويين اليمينيين الذين يستغلون قضية الهجرة واللجوء لصالحهم والاعتقاد لديهم بأنّ الهجرة الجماعية تهدّد أمن أوروبا وهويتها واستقرارها. سيتمّ العمل على إضعاف حوافز الهجرة الداخلية وعوامل الجذب من خلال توحيد الخدمات وشروط الاستقبال بين مختلف الدول الأوروبية.
 
وهذا ما لم يستسغه أيضاً حزب الخضر الذي اعترض على العديد من المقترحات التي تضمنتها الحزمة. وفي الإطار، قال الرئيس المشارك لحزب الخضر في البرلمان الأوروبي تيري راينتكي، إنّ حزبه صوّت بالإجماع تقريباً ضدّ نصوص التسوية، مشيراً إلى أنّه لا يمكننا التفاهم على اتفاق يسمح باحتجاز العائلات والأطفال الذين يطلبون الحماية عند حدودنا، في إشارة إلى أنّ الإصلاحات حتّمت إمكان التهديد بظروف تشبه السجن ومعسكرات الاعتقال من خلال مراكز الاستقبال خاصة للأسر التي لديها أطفال.
فيما تحدثت كورنيليا أرنست من حزب اليسار عن "ميثاق عار"، لأنّ حق الفرد في اللجوء داخل الإتحاد الأوروبي قد مات بحكم الأمر الواقع. وكل ذلك، وسط تساؤلات مراقبين عمّا إذا كان سيكون هناك التزام بفكرة التضامن أو المساندة في الدعم والتعويضات.
 
أما منظمات الإغاثة وحقوق الإنسان، وبينها كاريتاس وأطباء بلا حدود، فتحدثت عن "إلغاء" لقانون اللجوء الأوروبي. فيما اعتبرت منظمة "برو أزول" الألمانية المدافعة عن حقوق اللاجئين، أنّ الحزمة أضعفت حق الحماية للاجئين في اوروبا. حتى أنّ خبيرة السياسة القانونية في المنظمة فيبكي جوديث أشارت مع مجموعة "دويتشلاندفونك" الإعلامية، إلى أنّه وإضافة إلى الأسوار والجدران وتقنيات المراقبة وعمليات الصد الحالية، سيكون هناك المزيد من الاحتجاز والعزل للأشخاص الذين يبحثون عن الحماية عند الحدود الخارجية للإتحاد الأوروبي، كما ستكون هناك صفقات جديدة مع الحكومات الإستبدادية التي تنتهك حقوق الإنسان.
 
ورحّب المستشار الألماني أولاف شولتس بالإصلاحات، معتبراً أنّها تحدّ من الهجرة غير النظامية وتخفّف الأعباء عن البلدان الاكثر تضرّراً من أزمة اللجوء. فيما توقعت وزيرة الداخلية نانسي فيزر أن يتمّ التغلّب على الإنقسام العميق في أوروبا، ومتوقعة أن تساهم الاصلاحات في تحقيق ارتياح كبير للبلديات في ألمانيا.
 
وفي العام 2023 تلقّى الإتحاد الأوروبي أكثر من مليون طلب لجوء، وهو الأعلى منذ عامي 2015 و2016، وصل ثلثهم تقريباً إلى ألمانيا.
 
أبرز نقاط "الإصلاحات"
تقرّرت الإصلاحات بخمسة نصوص قانونية على مستوى الإتحاد الأوروبي، وذلك لتحقيق قواعد لجوء أكثر صرامة وتخفيف الأعباء عن الدول الواقعة على الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي وفي مقدمتها إيطاليا واليونان. ولتحقيق هذه الغاية سيتمّ بناء مراكز بالقرب من الحدود، بغية التحقق من هوية طالبي الحماية، وضمان عدم دخول المهاجرين الذين لديهم فرصة ضئيلة لقبول لجوئهم في دول التكتل الأوروبي. وتعدّ حالياً الحدود البلغارية- التركية واحدة من أكثر النقاط التي يتمّ عبرها تسلل مهاجرين إلى أوروبا.
 
وإلى أن يتمّ اتخاذ قرار قبول اللجوء ينبغي استيعاب وحجز الأشخاص في مراكز استقبال سيتمّ تشييدها عند الحدود في إيطاليا ومالطا واليونان وكرواتيا وقبرص وغيرها، وسيصار بداية الى إنشاء مراكز لحوالى 30 ألف شخص، وبعد 4 سنوات من المفترض أن تتسع لحوالى 120 ألفاً.
 
المهاجرون من بلدان يقلّ معدل الاعتراف بلجوء أبنائها عن 20% سيُحتجزون عند الحدود لمدة تصل إلى 12 أسبوعاً، وفي حال الرفض يرحّلون مباشرة. وفي الوقت نفسه، سيتمّ توسيع معايير ما يسمّى بالدول الثالثة الآمنة بشكل كبير، وهذا يعني المزيد من البلدان المصنّفة على أنّها آمنة ومن بينها مثلاً دول مثل البانيا وتونس، على أن يتمّ التخطيط لمشاريع تعاون بعيدة المدى مع دول خارج الإتحاد الأوروبي.
 
من جهة ثانية، حملت الإصلاحات نقاطاً أخرى مثيرة للجدل، بينها تسجيل الأشخاص القادمين ببصمات الأصبع والصور للتحقق ما إذا كانوا يشكّلون تهديداً للسلامة العامة في أوروبا، كما وأنّه وفي حال حدوث أزمة يمكن أيضاً توسيع الإجراءات لتشمل أيضاً جميع أولئك الذين يبحثون عن الحماية، حتى أنّه يمكن تخفيض معايير الإقامة، ناهيك عن وجود قائمة بما يسمّى بالدول العبور الأصلية الآمنة التي يمكن ترحيل اللاجئين الوافدين إليها حتى من دون التحقق من طلباتهم.
 
إلى ذلك، تمّ إقرار آلية تضامن من أجل تخفيف الأعباء عن الدول التي تئن من طالبي اللجوء المعترف بهم، وإذا ما رفض بلد من دول التكتل في قبول اللاجئين، مثل المجر، فلها أن تقدّم الدعم بأشكال أخرى، بينها على سبيل المثال تعويضات مالية أو إرسال مساعدات وموظفين لمراكز الاستقبال الأولية.

اقرأ في النهار Premium