النهار

ألمانيا "غير الجاهزة" تواجه التّجسس الصّيني
برلين - شادي عاكوم
المصدر: النهار العربي
شغلت عملية الكشف عن جواسيس ألمان نشطين لصالح الاستخبارات الصينية الوسط السياسي والأمني والإعلامي هذا الأسبوع في البلاد ​
ألمانيا "غير الجاهزة" تواجه التّجسس الصّيني
أحد الألمان المتهمين بالتجسس لصالح الصين
A+   A-

شغلت عملية الكشف عن جواسيس ألمان نشطين لمصلحة الاستخبارات الصينية الوسط السياسي والأمني والإعلامي في برلين هذا الأسبوع. وبعدما أسفرت التحريات عن توقيف أربعة منهم، بينهم زوجان ورجل وثالث، يعملون ضمن شبكة واحدة ساهمت في نقل المعرفة وتقنيات يمكن استخدامها لأغراض عسكرية، فيما الرابع يعمل موظفاً لدى أحد نواب البرلمان الأوروبي والمنتمين لحزب البديل من أجل ألمانيا اليميني الشعبوي ويشتبه بكشفه مراراً معلومات عن المفاوضات والقرارات في البرلمان الأوروبي. فماذا كشفت التحقيقات عن الشبكة المذكورة، وما الأهداف التي تصبو إليها الصين في ألمانيا وأوروبا؟

 

نقل معلومات حساسة

وفقاً لمكتب المدعي العام الفدرالي، فإن الثلاثي الأول، الذين تم تفتيش منازلهم وأماكن عملهم قبل اعتقالهم، لم يعملوا لمصالحهم الخاصة فقط، ولكن أيضاً كجواسيس لبكين، وقد عمدوا إلى نقل معلومات حساسة وصلت بالفعل للجهات الصينية، بينها تقنيات يمكن الاستفادة منها في مجالات عسكرية، والمشتبه به الثالث كان ينسق مع الزوجين بخصوص المشاريع، ونشاطهم يمتد لفترة زمنية لا يمكن تحديدها بدقة قبل حزيران (يونيو) 2022.

 

 

وكلفت الشركة التي يملكها المتهمان هرفيغ. إف وزوجته إينا. إف، وبتمويل من قبل الاستخبارات الصينية، بإجراء دراسة حول أحدث أجزاء الآلات التي يمكن استخدامها لتشغيل محركات السفن الكبيرة متل تلك المستخدمة في السفن الحربية. والاتهامات الآن أن شركتهما ومقرها ديسلدورف استخدمت كوسيلة تغطية للاتصال والتواصل والتعاون مع أشخاص من مجالات العلوم والأبحاث الألمانية، حتى إنه تم إبرام اتفاقية تعاون مع جامعة في إحدى ولايات شرق ألمانيا.

 

 وبحسب ما رشح من التحقيقات أيضاً، فإن المتهمين الثلاثة كانوا يجرون مفاوضات حول مشاريع بحثية يمكن أن تكون مفيدة خاصة في مجال تكنولوجيا القتال البحري ولتوسيع قدرات البحرية الصينية، بما في ذلك حول محرك عالي الأداء مناسب للسفن الحربية.

 

 

علاوة على ذلك، فإنهم اشتروا جهاز ليزر خاصاً بالنيابة عن الصينيين، وجرى تصديره دون موافقة السلطات المعنية، بالرغم من أن هذا النوع من الأجهزة يقع ضمن ما يسمى لائحة الاستخدام المزدوج للاتحاد الأوروبي، وما كان ينبغي تصديره بهذه الطريقة ودون الحصول على التصريح المناسب. وكل ذلك بحكم الخبرة التي يتمتع بها الزوجان اللذان يعملان من خلال شركتهما على تطوير مشاريع ابتكارية منذ 30 عاماً مع فرص تسويقية مثالية، ولديها مكاتب في دوسلدورف ولندن وشنغهاي.

 

ووفق ما قال توماس هالدنفانغ رئيس المكتب الاتحادي لحماية الدستور، فإن الثلاثي كانوا تحت المراقبة لفترة طويلة، ومبيناً توسع التجسس الاقتصادي الصيني في ألمانيا ونشاطه المتعدد المجالات، بينها التعامل في البضائع التي لا يسمح بتصديرها. وهذا ما شددت عليه وزيرة الداخلية الألمانية نانسي فيزر، التي اعتبرت أن الخطر الذي يشكله التجسس الصيني على الصناعة والأعمال والعلوم كبير، وأنه يتم النظر عن كثب إلى هذه المخاطر والتهديدات، ومن المهم رفع التدابير الوقائية، لا سيما تلك المتعلقة بالتقنيات المبتكرة للاستخدام العسكري.

 

وأمام ذلك، برزت خشية لدى خبراء من عدم الجهوزية لمكافحة التجسس مع تزايد الاشتباه في حدوث المزيد من الحالات، ومن بين هؤلاء خبير شؤون الدفاع في الحزب المسيحي الديموقراطي المعارض رودريش كيزيفتر، الذي يرى أن "الاعتقالات التي حصلت ليست إلا مجرد بداية، والبلاد معرضة للخطر للغاية"، ومبرزاً مع شبكة التحرير الألمانية أن الصين لديها "لعبة سهلة إلى حد ما في ألمانيا، حيث البلاد سيئة الاستعداد وضعيفة للغاية في مواجهة الهجمات الهجينة، بما في ذلك العمليات الاستخباراتية"، وأن الوعي اللازم للمخاطر التي يفرضها التعاون الصيني مفقود، خاصة في مجالي العلوم والأعمال، والأجهزة الأمنية تفتقر إلى السلطة القانونية والموارد البشرية والمالية في مجال مكافحة التجسس.

 

ومن جانبها، رفضت الصين مزاعم التجسس في ألمانيا، ودافعت السفارة الصينية لدى برلين ضد هذه الادعاءات، داعية الشعب الألماني إلى التوقف عن استغلال اتهامات التجسس للتلاعب بصورة الصين سياسياً وتشويه سمعتها، ومعتبرة ذلك بمثابة "افتراء خبيث".

 

 

مكتب الاتصال الصيني

وأفادت شبكة "دبليو دي أر" الإخبارية، بأن جهات صينية فاعلة بدأت تلعب وبشكل متزايد أدواراً جديدة، بينها مكتب الاتصال الدولي للحزب الشيوعي الصيني الذي يحتفظ بشبكة عالمية من الطيف السياسي، بما في ذلك من خلال البعثات الدبلوماسية، ويشارك في الجهد والمال والتأثير، بما يشمل إقامة اتصالات مع أحزاب وبرلمانيين.

وفي ألمانيا، لا يعتبر التأثير السري غير المشروع من قبل الدول الأجنبية "جريمة جنائية" بحد ذاته، إذ إن العمل كـ"عميل" يتطلب إثبات الاتصال بجهاز استخباراتي أجنبي.

 
 

وأبرز تقرير صادر عن المكتب الفدرالي لحماية الدستور، أنه في ألمانيا مثلاً، تركز الخدمات الصينية على السياسة والإدارة والاقتصاد والعلوم والتكنولوجيا، بالإضافة إلى الـ"بوندسفير" (الجيش الألماني)، وأيضاً مراقبة معارضي النظام الصيني من المنشقين السياسيين والتبتيين والأويغور وأبناء هونغ كونغ المقيمين في ألمانيا. ولتنفيذ سياستها الصناعية الطموحة، تقوم الصين بشراء شركات التكنولوجيا الفائقة الألمانية كلياً أو جزئياً، وتوظيف حاملي المعرفة على وجه التحديد.

وحيال ذلك، أفادت أنطونيا همايدي، كبيرة المحللين في معهد "ميركيس" للأبحاث الصينية في برلين، في حديث صحافي في وقت سابق من هذا الأسبوع، بأنه بالإضافة إلى التجسس السياسي، يتميز تجسس الصين خاصة بالتركيز القوي على التطور التكنولوجي في العالم، ومن وجهة نظر ألمانية، هناك مزيج من الأهداف السياسية والاقتصادية، حيث حددت الحكومة الصينية ترقب الابتكارات كهدف واضح.

وتماشياً مع ما تقدم، وبحسب السلطات الألمانية، لم يعد أي قطاع من القطاعات الاقتصادية الآن بمأمن من جواسيس الصين. وغالباً ما يتم التجسس عبر شركات خاصة.

وباعتبار ألمانيا دول صناعية تتميز في مجال التكنولوجيا، فإن التركيز على 10 مجالات تجسس صناعي، تشمل التكنولوجيا البحرية والشحن، والنقل والسكك الحديدية، والطاقات المتجددة، والمحركات البديلة، والمواد الحديثة المستخدمة في الزراعة، فضلاً عن التكونولوجيات الطبية، والمعدات الكهربائية، والروبات الصناعية، وتكنولوجيا المعلومات والطيران... حيث تهدف بكين إلى الريادة العالمية وفقاً لاستراتيجيتها "صنع في الصين 2025".

 

وبحسب همايدي، فمن حيث المبدأ، من المثير للجواسيس توريط الشركات الألمانية لأنها تخضع في كثير من الأحيان لضوابط أقل صرامة من الشركات الصينية. وتفضل بكين الاعتماد على الشركات الخاصة في عمليات التجسس من أجل تسهيل إنكار مسؤولية الدولة.

تجدر الإشارة إلى أن قانون الاستخبارات الوطنية الصينية، والذي أقره مجلس الشعب في عام 2017، يمنح السلطات إلزام الأفراد والشركات والمنظمات الصينية في الخارج بتنفيذ أنشطة استخباراتية مثل البحث وجمع المعلومات. ولذلك ينظر في أوروبا بعين الريبة إلى المبتعثين الصينيين من طلاب الدكتوراه، وكذلك أولئك العاملين في الجامعات والمعاهد البحثية المضيفة لهم.

وكل ذلك وفق التقديرات التي تفيد عن وجود ما يزيد عن 25 ألف جاسوس محتمل في الخارج دورهم المساهمة في تقوية نفوذ الصين وترسيخ حضور الحزب الحاكم.

الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium