يبدو أن فضيحة التجسس وتوجيه الادعاء العام الألماني الأسبوع الماضي تهمة "عميل خدمة سرية لقوى أجنبية" إلى أحد مساعدي النائب في البرلمان الأوروبي عن حزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني الشعبوي وأبرز مرشحيه للانتخابات الأوروبية ماكسيميليان كراه، كما الاتهامات بحق المرشح بيتر بيسترون عن تورطه في قنوات دعائية وقبوله أموالاً من رعاة موالين لروسيا، عرقلت استعدادات "البديل" للانتخابات الأوروبية المقررة يوم 9 حزيران (يونيو) المقبل، فما هي العواقب التي ألحقتها فضيحة التجسس وشبهات الفساد بصدقيته؟
ضعف "البديل" أمام الطغاة
ومع افتراض المحققين أن المتهم نقل معلومات عن البرلمان الأوروبي ووثائق تتعلق بالتجارة الخارجية للتكتل إلى الاستخبارات الصينية، بينت قراءات سياسية أن من المؤكد أن الحملة الانتخابية الأوروبية لـ"البديل" تأثرت، لا سيما أنه يضع في أدبياته ألمانيا في المقام الأول.
وفي هذا الصدد، قال الباحث السياسي فولفغانغ شرودر من جامعة كاسل إن صدقية الحزب اليميني الشعبوي تضررت لأنه "لا يمكن الادعاء أنك تمثل المصالح الألمانية، ومن ناحية أخرى تدوس على هذه المصالح بأكثر الطرق الخرقاء وأبسط طريقة، وتمرير المعلومات يعتبر خيانة ووصمة عار على بلدنا".
ورأى الكاتب فولفرام فايمر أن البديل لديه "نقطة ضعف في مواجهة الطغاة"، ويدعم نظام بوتين ويؤيد قيادة الحزب الحاكم في الصين ويتبع أجندتهما السياسية، في إشارة إلى النموذج السياسي للحزب الشيوعي في بكين.
واستناداً إلى كل ما سبق، بينت استطلاعات الرأي الأخيرة، وبينها استطلاع لمعهد "إنسا"، أن اليمين الشعبوي تراجع نقطتين مقارنة باستطلاع أجراه المعهد نفسه قبل أسبوعين لشبكة "تي أونلاين" ولم يحقق أخيراً سوى 15% من الأصوات، علماً أن "البديل" يخوض الانتخابات الأوروبية بقائمة تضم 35 مرشحاً.
وفي سياق ما تقدم، تفيد المعلومات بأن المحاولات الصينية للتأثير على البرلمانات الأوروبية زادت وتيرتها خلال السنوات الأخيرة، وهذا ما حصل في بلجيكا. وإلى ذلك، تم الكشف عن أن الروس تواصلوا مع بعض نواب البرلمان الأوروبي وتلقى بعضهم الأموال للترويج للدعاية الروسية، فيما أفادت الوكالة السويدية لأبحاث الدفاع بأن روسيا تقف وراء معظم حالات التجسس التي طالت نواب البرلمان الأوروبي خلال السنوات الماضية، فضلاً عن قيام شخصين في بريطانيا بالتجسس لمصلحة الصين أيضاً، أحدهما باحث في حزب المحافظين ويعمل في لجنة الشؤون الخارجية. وفي تشرين الثاني (نوفمبر) 2023 حذرت لجنة الاستخبارات البرلمانية الفرنسية من تدخل الصين في أوروبا، ووصفت نشاطها بأنه أكبر تهديد للنفوذ الأجنبي، مبرزة الحجم الاستثنائي لجهاز الاستخبارات الخارجية الصينية الذي يساهم في تعزيز نفوذها.
تخبط داخل البديل
ومع وقوف قيادة الحزب حتى الآن مع كراه، اتهمت زميلة كراه النائبة الأوروبية عن "البديل" سيلفيا ليمر زعيمي حزبها تينو شروبالا وأليس فايدل بعدم تحمل المسؤولية السياسية وبالتملص منها، وبأن موقف كراه كان معروفاً، ومن"المزعج" اعتماده مرشحاً أول عن الحزب في الانتخابات الأوروبية والموظف سجله معروف. وإزاء ذلك، اعتبر مراقبون أن إدارة الأزمات لدى قيادة "البديل" ضعيفة وتعاني فشلاً تنظيمياً، وتمسكها بالمرشح كراه غير منطقي، لا سيما أن الأخير معروف بتصريحاته المناهضة للمهاجرين والمعادية للمرأة، وينبغي بحكم الأمر الواقع أن يتنحى عن منصبه باعتباره المرشح الرئيسي للحزب للانتخابات.
ولفتت شبكة "أس دبليو آر" إلى أن الموظف المتهم، قدم نفسه في عام 2007 للعمل كعميل لدى الاستخبارات الخارجية الألمانية، إلا أن جهاز الاستخبارات الاتحادي رفض عرضه وأحاله إلى مكتب حماية الدستور في ولاية سكسونيا، لا سيما أنه يقيم في دريسدن، ويقال إن السلطتين كانت لهما شكوك في صدقية هذا الرجل، علماً أن الزعيم المشارك للحزب شروبالا قال في حديث إلى القناة الثانية "زد دي أف" أخيراً، إنه إذا كانت الادعاءات صحيحة فالعواقب واضحة جداً، وهو أن لا مكان لهؤلاء الأشخاص داخل "البديل"، وهذا يعني أن أي شخص يسمح لنفسه بالخضوع لسيطرة روسيا والصين سيُطرد من الحزب.
وطنية مصطنعة
وبعدما تبين أن الحزب ليس بديلاً لألمانيا بشعاراته التي تدغدغ المجتمع بل ضدها، رأى محللون أن "البديل" يخون الشعب الألماني ويبيعه الأوهام، ويجب على حزب في بلد ديموقراطي عدم استرضاء أنظمة غير ديموقراطية. وفي خضم ذلك، وجه السياسي عن الحزب الاشتراكي الديموقراطي ديرك فيزه انتقادات لاذعة إلى "البديل" وبأنه بات يشكل خطراً أمنياً على البلاد، وتهديداً للديموقراطية وخطراً على السلام والأمن، متهماً "البديل" بالوطنية المصطنعة، ومشدداً على أنه عندما يتعلق الأمر بملء الجيوب بالأموال فإن المبادئ فجأة لا تعود ذات أهمية كبيرة.
في ضوء كل ذلك، اعتبر الباحث السياسي يوهانس هيلجي أنه رغم عدم وضوح مدى اتساع نطاق الضرر على "البديل"، فإن الأخير يتعرض حالياً لضغوط، ومصير بعض ساسته على المحك. في المقابل، اعتبر الخبير شتيفان كايلتز أن مشكلات واتهامات مماثلة عاشها "البديل" في أوقات سابقة ولم تلحق به الضرر، بينها على سبيل المثال تصنيفه على أنه يميني متطرف من قبل مكتب حماية الدستور، مستبعداً أي تأثيرات كبيرة على نتائج الحزب في الانتخابات الأوروبية. ووفقاً لكيالتز، فإن الأمر بالنسبة إلى "البديل" مبالغ فيه ويهدف إلى إصابته بعطب.