النهار

ألمانيا تبتعد عن نتنياهو ولا تتخلّى عن إسرائيل ودبلوماسيّتها تسعى لاستعادة مكانتها في المنطقة
برلين - شادي عاكوم
المصدر: النهار العربي
تحدثت تقارير عن حصول جدال بين الوزيرة باربوك وبين نتنياهو خلال زيارتها الاخيرة لتل ابيب، وقيل أنها واجهته بواقع المجاعة في غزة، وقد عمد ممتعضا لاستعراض صور تظهر الأسواق ممتلئة، قبل أن يرد عليها غاضبا بأن إسرائيل لا تعرض واقعا مختلفا كما فعل النازيون عندما أمروا بتصوير فيلم دعائي يتضمن مشاهد من الحياة اليومية في غيتو وارسو اليهودي.
ألمانيا تبتعد عن نتنياهو ولا تتخلّى عن إسرائيل ودبلوماسيّتها تسعى لاستعادة مكانتها في المنطقة
الصورة التذكارية بين نتنياهو وبيربوك
A+   A-
لم تتوان برلين بعد عملية "طوفان الأقصى" عن المجاهرة بتضامنها الكامل مع إسرائيل وحقها بالدفاع عن نفسها، وبأن أمن تل أبيب ووجودها مصلحة وطنية لجمهورية ألمانيا الاتحادية، لكن بعد مرور أكثر من 7 أشهر على حرب غزة واستمرار الإبادة الجماعية بحق المدنيين، أضحت علاقات برلين وصدقيتها مع الدول العربية وفي منطقة الشرق الأوسط المتوترة على المحك، وبمثابة برميل بارود في السياسة الدولية. فهل تسترد الدبلوماسية الألمانية دورها مع تظهير التنافر مع بنيامين نتنياهو إلى العلن أم أنها أمام أضغاث أوهام؟
 
أمام ما تقدم، قال الباحث السياسي توماس برغمان لـ"النهارالعربي" إنه مما لا شك فيه أن هناك خسارة للثقة والسمعة الألمانيتين في الشرق الأوسط والعالم العربي، بسبب الدعم السياسي والاقتصادي والعسكري من الحكومة الفدرالية لإسرائيل التي انتهكت في حربها ضد غزة كل الأعراف والمواثيق الدولية بقتلها البربري للمدنيين من النساء والأطفال وتدمير المستشفيات، ما زاد من الوضع الإنساني هناك مأسوية. عدا ذلك، لم يتضح أن للحراك الدبلوماسي الألماني أي تأثير إيجابي في الصراع، حتى أن الاتحاد الأوروبي بأسره في موقف المتفرج وغير المنتج على الساحة الدولية، ويغيب عملياً عن المشاركة في أي اجتماعات لإنهاء المعاناة في غزة وتحقيق عملية سياسية تنتهي بحل الدولتين، وفق ما يردد منسق السياسة الخارجية دائماً. 
 
بين الدبلوماسية والتنافر  
ومع تصريحات وزيرة الخارجية أنالينا بيربوك في وقت سابق من هذا الأسبوع، بأن أي اجتياح كبير لرفح سيكون بمثابة كارثة إنسانية، لا سيما أن هناك ما يقارب المليون شخص بحاجة إلى الحماية والمساعدة الإنسانية المستمرة، وتجب إعادة فتح معبري رفح وكرم أبو سالم على الفور، اعتبر محللون أن الدبلوماسية الألمانية باتت تحاول أن تضع كلا الجانبين في الاعتبار، وبالنسبة إليها لا خيار "إما/ أو"، وأمن شعب إسرائيل من ضربات "حماس" لا يقل أهمية عن بقاء الفلسطينيين، وهذا ما تم توثيقه خلالها زياراتها الأخيرة لتل أبيب، وموقفها فيه دليل على الحزم في مواجهة تشويه الواقع، ومن الأهمية بمكان التنبه إلى أن الصراع في الشرق الأوسط ودور ألمانيا فيه يشكلان اختباراً لنزاهة برلين وطموحاتها الدولية. في المقابل، يعتبر البعض أن تصريحاتها بمثابة تحذيرات أكثر منها انتقادات لإسرائيل.
 
وتحدثت تقارير عن حصول جدال بين الوزيرة بيربوك ونتنياهو خلال زيارتها الأخيرة لتل أبيب، وقيل إنها واجهته بواقع المجاعة في غزة، وقد عمد ممتعضاً لاستعراض صور تظهر الأسواق ممتلئة، قبل أن يرد عليها غاضباً بأن إسرائيل لا تعرض واقعاً مختلفاً كما فعل النازيون عندما أمروا بتصوير فيلم دعائي يتضمن مشاهد من الحياة اليومية في غيتو وارسو اليهودي. لم ترد بيربوك التعليق على الحادثة. وأبرزت شبكة "إيه أردي" الإخبارية، أن نصف الألمان يعتقدون أن إسرائيل تبالغ عسكرياً، وأن ما تقوم به يتعارض مع القانون الدولي ويجب أن يتوقف على الفور، "وليس على نتنياهو أن يخبرنا عن الأخلاق والقيم". 
 
ازدواجية المعايير
وفي خضم لجوء الدبلوماسية الألمانية إلى خلق نوع من تحقيق التوازن بين اللغة الواضحة العلنية للتخفيف من وطأة الوضع والبؤس الإنساني على الفلسطينيين، والناقدة في كثير من الأحيان خلف الأبواب المغلقة، اعتبر خبير شؤون الشرق الأوسط غيدو شتاينبرغ، أن مطالبة الحكومة الألمانية بممارسة المزيد من الضغوط على إسرائيل يعدّ تجاهلاً للحقائق السياسية، وبرلين ليس لديها أي نفوذ بل أصدقاء وحلفاء في تل أبيب ولا يتلقون الأوامر، والضغط لن يؤدي إلى تغيير في السلوك هناك، وألمانيا لا تؤخذ على محمل الجد كعنصر فاعل في السياسة الأمنية هناك.
وتعتبر برلين أن على "حماس" إطلاق جميع الرهائن والتوقف عن "إرهاب" الإسرائيليين، وفي الوقت نفسه على تل أبيب السماح بصورة عاجلة بتقديم الدعم الإنساني لغزة.
 
وفي هذا الصدد أيضاً، برزت تعليقات وتساؤلات وفيها إلى أي حد يمكن لألمانيا أن تحدد إلى أي مدى يمتد حق الدفاع عن النفس، وهل تستطيع الحكومة الفدرالية في مرحلة ما أن تضع حداً لتصرفات إسرائيل؟ وخلصت إلى أن عملية التوازن تزداد صعوبة كلما زادت هجمات الجيش الإسرائيلي على قطاع غزة ورفح وزاد عدد القتلى من الفلسطينيين، وحيث لا نية أيضاً لبرلين بوقف شحنات الأسلحة بالمليارات إلى تل أبيب، ولا مشكلة بتقديم الدعم اللازم. وما كان متوقعاً من ألمانيا هو بعض اللياقة في ظل الإبادة الجماعية التي يتعرض لها المدنيون هناك. وأمام ذلك، يبدو واضحاً أن دور ألمانيا كوسيط يتقلص وموقفها التفاوضي في العالم العربي يضعف، في إشارة إلى تعاميها عن التشدد في تطبيق القوانين الدولية على الإسرائيليين، وهي المعروفة بدفاعها عن الحقوق الأساسية. وقد انتقدت منظمة العفو الدولية الحكومة الفدرالية لصمتها عن جرائم الحرب في غزة واتهمتها بازدواجية المعايير.
 
النفوذ للأميركيين لا للألمان 
وعما إذا كانت زيارات بيربوك حققت أهدافاً معينة حتى الآن، اعتبر أستاذ السياسة الدولية والخارجية في جامعة كولن توماس ياغر في مقابلة مع "فوكوس أونلاين"، أنها ليست إلا رحلات رمزية وبمثابة إظهار تضامن، ولا تحمل إلا المناشدات، لافتاً إلى أن الزيارات الأخيرة كانت أقل قابلية للفهم، إذ بدا أنها تخدم أغراض السياسة الداخلية لا الخارجية، ونيات اللقاءات تغيرت مع مرور وقت على اقتحام غزة، وتحولت الأولوية للضغط من أجل حماية المدنيين، ولم تتمكن بيربوك من إحداث فرق يذكر والنتائج شبه معدومة. وأوضح أنه باستطاعة برلين ممارسة الضغط السياسي على الإطلاق، ومن غير الواضح ما الذي تريد تحقيقه هناك من تكثيف الزيارات. ولكن فقط من منظور السياسة الداخلية والحزبية تخدم رحلات العمل إلى إسرائيل الوزيرة وتعزز صورتها كممثلة نشطة لحزبها البيئي على المسرح الدولي.
 
وإزاء ذلك أيضاً، خلصت قراءات سياسية إلى أن النفوذ هو للأميركيين في إسرائيل لا للألمان، ومن أخطاء بيربوك الجسيمة محاولتها علناً ثني إسرائيل عن توجيه ضربة قوية لإيران خلال رحلتها الأخيرة، وتعليقاتها دفعت نتنياهو إلى الرد والقول نحن نفعل ما نريد، وهذا ما يمكن اعتباره رسالة إسرائيلية بعدم تقدير لدور برلين، وبالتالي لا يمكن أن يبقى الانطباع لدى الأوروبيين بأحقيتهم بأن لهم أن يخبروا نتنياهو بما يجب أن يفعله.
 

اقرأ في النهار Premium