شهدت مدينة هامبورغ الألمانية خلال الأسبوعين الماضيين تظاهرتين من تنظيم جمعية إسلاموية مصنّفة بـ"المتطرّفة" تطلق على نفسها اسم "مسلم انتراكتيف"، شارك فيها أكثر من 2000 شخص، خرجوا للاحتجاج على ما اعتبروه سياسات وحملات إعلامية معادية للإسلام، ورفعت فيها شعارات صريحة تطالب بإقامة "دولة الخلافة"، وبأنّ "الخلافة هي الحل".
هذا التحرك دفع بكل المعسكرات السياسية في البوندستاغ للمطالبة بحظر نشاط هذه المنظمة، فيما اعتبر ممثلون عن الجمعيات الإسلامية المعتدلة، أنّ تأثير نشاط "مسلم انتراكتيف" محدود، وضررها نسبي على أبناء الجاليات المسلمة، مع التسليم بالخشية من التعميم ضدّهم.
وصمة عار
مع قرارات المحكمة الدستورية الاتحادية بالسماح في تنظيم هذا النوع من التجمعات، ومن منطلق أنّ هذا الرأي حتى ولو كان يتعارض مع المبادئ الأساسية، ويتمّ التعبير عنه ببساطة من دون أي محاولة لإلغاء نظام القانون الألماني أو الإخلال بالمصالح القانونية الأخرى، فلا بدّ من تحمّله كجزء من معركة الآراء الفكرية، برزت تصريحات لاذعة لوزير العدل ماركو بوشمان وفيها أنّه من الخزي أن يدعو إسلامويون من المقيمين لإقامة دولة خلافة في ألمانيا، وموضحاً أنّ التعبير الصرف عن التعاطف مع الخلافة هو أمر سخيف جداً.
بدروها، قالت وزيرة الداخلية نانسي فيزر، أن لا دعاية لـ"حماس" ولا خطابات كراهية ضدّ اليهود ولا للتصرفات العنفية، والمشاركون سيكونون محور اهتمام السلطات الأمنية التي ستستخدم كل الأدوات لجمع المعلومات عنهم، ومن بينها المراقبة الاستخباراتية من كثب، إلى التحقيقات المكثفة ضدّهم. أما وزير داخلية ولاية شمال الراين فستفاليا، هربرت رويل، فدعا إلى حل منظمة "مسلم انتراكتيف"، إضافة إلى منظمتين مماثلتين يطلق عليهما "جيل الإسلام " و"الإسلام الحقيقي".
وفي مقابلة مع صحيفة "دي فيلت"، قال نائب رئيس كتلة الليبرالي الحر في البوندستاغ كونستانتين كوهله أخيراً، إنّه يمكن طرد أي أجنبي تشكّل إقامته خطراً على النظام الأساسي الديموقراطي الحر في ألمانيا، وإذا أمكن يتعيّن على السلطات المعنية أن تشرع في عملية الطرد هذه. تراجع بواتينغ عن هدف جماعته بإقامة دولة خلافة في ألمانيا، إنما في العالم الإسلامي في الشرق الأوسط.
وسائل التواصل الاجتماعي عنصر جذب
وبخصوص المخاطر من تمدّد نشاط هذه الحركات الإسلاموية المتطرّفة وتأثيرها على الجالية المسلمة في البلاد، قال الأمين العام للمجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا عبد الصمد اليزيدي لـ"النهار العربي"، إنّ هذه التيارات موجودة في البلاد منذ عقود، ولكنها محدودة التأثير على المؤسسات والجمعيات الإسلامية، رغم أنّ هذه الجماعات تستغل وسائل التواصل الاجتماعي من أجل التحشيد وشد العصب وجذب الشباب بشعارات لها وقعها على الإعلام الألماني، بينها مثلاً "الخلافة وعد الله" و"الخلافة هي الحل". ومستذكراً في حديثه كيف قامت مجموعة منهم قبل سنوات في مدينة فوبرتال بارتداء لباس أصفر مدوّن عليه "شرطة الشريعة"، وتمّ حينها ضبط الوضع من قبل السلطات القضائية والأمنية المعنية.
علاوة على ذلك، لفت اليزيدي إلى أنّ هؤلاء يحاولون الاستفادة من انحياز الحكومة الألمانية لإسرائيل في حربها على غزة، وأنّ أصواتهم قد تلقى آذاناً صاغية بين بعض أبناء الجاليات المسلمة في البلاد، ومعرباً عن اعتقاده أنّ الإعلام الألماني سقط في فخ هذه المجموعة، وصوّب العداء ضدّ المسلمين، علماً أنّ المجلس الأعلى يقوم بدوره من خلال الجمعيات التابعة له، وتكريس تظهير الإسلام المعتدل داخل المساجد، وفي فضاءات آمنة تريد تطبيق القوانين والدستور الالماني، مع تشديده على مفهوم المواطنة الشاملة والتفاعل داخل المجتمع المضيف.
وعن ارتفاع الاصوات المنددة بهذه الظواهر والتوجس من تزايد العداء ضدّ الملايين من المسلمين، ما يجعل حياتهم وقبولهم أكثر صعوبة في المجتمع الألماني، شدّد اليزيدي على أهمية التعاطي بعقلانية من قبل الجهات المعنية، وعدم التعميم والتصنيف والعداء ضدّ أبناء جالية تُعتبر من الأكبر في البلاد، وأغلبية شبابها ينخرطون في المجتمع ويحققون طموحاتهم التعليمية وحياتهم المستقبلية في البلاد.
وفي خضم ذلك، وصف المتحدث باسم "المسيحي الديموقراطي" أكبر أحزاب المعارضة في البوندستاغ، تظاهرة السبت الماضي، بأنّها "وصمة عار"، وأي شخص يحرّض ضدّ ألمانيا باعتبارها "دكتاتورية قيم" ويدعو إلى الخلافة، ليس له أي علاقة بمجتمعنا، ويجب عليه مغادرة البلاد في أسرع وقت ممكن.
عرّاب التجمعات
رحيم بواتينغ ( 25 عاماً) الذي ينظّم هذه التظاهرات ويُعتبر نجماً في المشهد الإسلاموي، يطالب و"اخوته" بالعيش هنا كمسلمين لهم هويتهم الخاصة وأسلوب حياتهم وبأنّهم "حاملو الحقيقة"، مولود في ألمانيا من أب غاني وأم ألمانية، يتابع تعليمه ليصبح مدرساً في هامبورغ. أسس الجمعية مع مجموعة من الأشخاص من التفكير المتطرّف ذاته، رداً على الهجمات المعادية للأجانب في هاناو التابعة لولاية هيسن عام 2020، ومنذ ذلك الحين تخضع الجمعية للمراقبة من قبل مكتب حماية الدستور في هامبورغ. وتشير المعلومات إلى أنّ جمعية "مسلم انتراكتيف" المتطرّفة مقرّبة ايديولوجياً من "حزب التحرير" المحظور في البلاد منذ العام 2003.
ويُعتبر بواتينغ الذي يتمتع ببنية جسدية مدربة وضخمة ويرتدي الملابس العصرية، من المؤثرين إسلاموياً، ويوزع مقاطع فيديو دعائية كل يوم تقريباً عبر منصة "تيك توك"، ورسالته الأساسية لكل ما يقوله إنّه وفي ألمانيا يتعرّض المسلمون للاضطهاد والقمع، وعليهم الدفاع عن انفسهم.
أطلقت في التظاهرة الاولى تهديدات وفيها، أنّه وبمجرد إنشاء الخلافة واستيقاظ العملاق النائم ستتمّ محاسبة الغرب. وفي هذا السياق، بيّنت تحقيقات استقصائية أنّ نشاط المجموعة وتعامل المسلمين معها يتمان بشكل شبه حصري عبر وسائل التواصل، وتنشر دعايتها هناك بطريقة احترافية للغاية، وتستهدف الشباب المسلم على وجه الخصوص، وتدفعهم الى التطرف، واتباعهم في المقام الأول من الجيل الثالث من المهاجرين.
وكانت السلطات وضعت شروطاً صارمة على التجمع الثاني تحت عنوان "ضدّ الرقابة وإملاء الرأي"، السبت الماضي، وتلاها المنظمون باللغة العربية والألمانية، ومن أهمها تحديد نقطة تجمّع ثابتة وعدم السماح بالمسيرة. ومنعت الفصل على أساس الجنس في التظاهرة، وحظر رفع لافتات تحمل شعارات معينة وبعدم إطلاق هتافات ورسائل الكراهية والدعوات للعنف، إضافة إلى التصريحات التي تمسّ بالكرامات الإنسانية، وإنكار حق إسرائيل في الوجود أو حرق علمها. لكن تمّ رفع عدد كبير من الأعلام السوداء خلال التجمع، وسط تواجد كبير لقوات الشرطة.