في خطوة لافتة، قرّر الكرملين استبعاد وزير الدفاع سيرغي شويغو من الحكومة الجديدة التي تشكّلت مع بداية الولاية الخامسة للرئيس الروسيّ فلاديمير بوتين. كان القرار مفاجئاً إلى حدّ ما لكنّه لم يكن مستبعداً تماماً.
طوال ما يزيد على عامين من الحرب، بدا الجيش الروسيّ متعثّراً، وبطبيعة الحال، لم تبرّر المساحات الإضافيّة التي سيطر عليها منذ 2022 كلّ التكاليف التي تكبّدها. لكن بالمقارنة مع الفترات السابقة، يعيش الجيش الروسيّ حاليّاً أفضل مرحلة له منذ بداية الغزو. فبالإضافة إلى تقدّمه في الشرق، تمكّن من تأسيس موطئ قدم له في شمال منطقة خاركيف بدءاً من الجمعة.
إذاً لماذا استبدال شويغو الآن؟
ثمّة أكثر من نقطة جديرة بالملاحظة. تتطلّع روسيا إلى حرب طويلة تعتمد على مصادر جديدة للتمويل وسط العقوبات الغربيّة. يدخل هذا الحساب معادلة تعيين مدنيّ، أندريه بيلوسوف (65)، على رأس الوزارة. كان بيلوسوف أحد المستشارين الاقتصاديّين الأكثر نفوذاً لبوتين على مدى العقد الماضي. من هنا، رأى "معهد دراسة الحرب" ومقرّه واشنطن أنّ خلط المناصب هذا هو تمهيد لتعبئة الاقتصاد الروسيّ وتهيئة القاعدة الصناعيّة الدفاعيّة لدعم حرب مطوّلة في أوكرانيا، وبشكل محتمل، الاستعداد لمواجهة مستقبليّة مع الناتو.
ترتبط النقطة الثالثة ببداية فترة التساؤل عن مصير شويغو في وزارة الدفاع. في أواخر الشهر الماضي، اعتُقل نائب وزير الدفاع تيمور إيفانوف بتهمة تلقّي رشاوى "على نطاق واسع". واعتُقل معه أيضاً مقرّبان منه. بشكل أو بآخر، لم يكن بالإمكان الإبقاء على شويغو في منصبه بينما تحوم الشبهات حول تواطئه، أو بالحدّ الأدنى حول تقصيره في حماية وزارة الدفاع من الفساد. ويرى مراقبون أنّ بيلوسوف الذي كان بين 2012 و2013 وزيراً للتنمية الاقتصاديّة ومنذ 2020 نائباً أوّل لرئيس الحكومة هو رجل دولة كفوء تحفّز الأرقام رؤيته. لهذا السبب، من المتوقّع أن يلعب دوراً في تحسين الأداء الماليّ للوزارة وعبرها أداء الجيش.
هل تمّ تخفيض رتبة شويغو؟
الإجابة إشكاليّة بعض الشيء وتعتمد على زاوية التحليل. في إحدى النواحي، ربّما يكون منصب شويغو الجديد مصدر راحة غير مباشرة له من الانتقادات الطويلة التي طالت أداءه في الوزارة، ومن بينها ما صدر من داخل المؤسّسة العسكريّة نفسها.
الآن، أصبح شويغو أميناً لمجلس الأمن القوميّ الروسيّ مكان نيكولاي باتروشيف الذي سيتمّ نقله إلى وظيفة أخرى بحسب الكرملين (لم تُحدّد لغاية إصدار البيان). لباتروشيف مكانة خاصّة لدى بوتين بما أنّه ينتمي إلى الحلقة الضيّقة المحيطة بالرئيس. تولّى باتروشيف هذا المنصب لفترة طويلة جداً: من سنة 2008 حتى 2024. قبل ذلك، خدم في منصب مدير جهاز الأمن الفيديراليّ (أف أس بي). أن يحلّ شويغو مكان باتروشيف لا يعدّ فعلاً خفض رتبة. لكن بالمقابل، تجدر الإشارة أيضاً إلى أنّ منصب باتروشيف قد يكون مهمّاً، فقط لأنّ باتروشيف شغله. يشكّك البعض في أن يكون المجلس متمتّعاً بهذه الأهمّيّة المتصوّرة عنه.
#خاص
— Annahar Al Arabi (@AnnaharAr) May 1, 2024
هل خسر شويغو حظوته لدى بوتين؟ https://t.co/C44oSiMGDF
يعدّ شويغو من الأصدقاء القدامى لبوتين، بالتالي، من غير المتوقّع أن يتخلّى عنه الرئيس الروسيّ بطريقة مفاجئة يمكن أن تضرّ بسمعته. بناء على ذلك، بدا تعيينه في مجلس الأمن القوميّ، بصرف النظر عن تأثيره في صناعة القرار، أمراً منطقيّاً.
بطبيعة الحال، ثمّة آراء تقول إنّ ما جرى تعبير عن استياء بوتين من مجريات الحرب في نهاية المطاف. هذا ما لفت إليه مثلاً مراسل صحيفة "فايننشال تايمز" ماكس سيدون. ونقل عن الباحث الكبير في "كارنيغي" مايكل كوفمان قوله إنّ خلط الأوراق الحكوميّة عبّر بوضوح عن أنّ "أداء النّخب الاقتصاديّة الروسيّة كان أفضل بكثير من النّخب العسكريّة في هذه الحرب".
مكافأة لبيلوسوف... أملٌ لبوتين
شدّد الناطق باسم الكرملين دميتري بيسكوف، على أهمّيّة الابتكار في الحرب. وقال خلال توضيحه لقرار تعيين بيلوسوف: "اليوم، على ميدان المعركة، إنّ الطرف الذي يفوز هو الطرف الأكثر انفتاحاً على الابتكارات، الأكثر انفتاحاً على استخدامها العمليّ في القتال. لذلك، من الطبيعيّ في المرحلة الراهنة أن يكون الرئيس قد اختار قرار أن تكون وزارة الدفاع بقيادة شخص مدنيّ".
(حاكمة البنك المركزيّ الروسيّ إلفيرا نابيولينا ووزير الدفاع الجديد أندريه بيلوسوف - الكرملين)
في هذا الإطار، قال الخبير في التكنولوجيا العسكريّة الروسيّة صمويل بينديت إنّ بيلوسوف هو "مروّج كبير" للتطوير المحلّيّ للطائرات بلا طيّار، إلى جانب "دعم البحث والتطوير المحلّيّين في مجال التكنولوجيا الفائقة". مع إشارة مراقبين إلى أنّ تطوّر صناعة المسيّرات الروسيّة ودورها في تعزيز التقدّم الروسيّ في الميدان، يمثّل قدوم بيلوسوف إلى الوزارة في جانب منه تقديراً لخدماته وأملاً بإضافات مستقبليّة إلى قدرات الجيش الروسيّ.
يستند الأمل بشكل جزئيّ إلى إمكانيّة تكرار بيلوسوف تجربة وزير الدفاع الأميركيّ الأسبق روبرت ماكنامارا الذي أدخل إصلاحات شاملة إلى البنتاغون، على ما نقلته "بلومبرغ" عن "مصدر مطّلع على مداولات الحكومة". وبالنظر إلى أنّ بيلوسوف درس التاريخ بحسب الموقع نفسه، يعدّ ذلك ميزة إضافيّة بالنسبة إلى الرئيس الروسيّ. معرفة ما إذا كانت مزايا بيلوسوف ستساهم في إكساب روسيا الحرب تعتمد إلى حدّ كبير على الانتظار.