أعرب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في مقابلة حصرية مع وكالة "فرانس برس" الجمعة، عن خشيته من أن يكون الهجوم البري الذي بدأته روسيا في منطقة خاركيف بشمال شرق البلاد، مجرد تمهيد لهجوم أوسع نطاقاً في الشمال والشرق.
ومع إقراره بامكان تحقيق الروس "اختراقات" على حساب جيش أوكراني أنهكه عامان من الحرب ويعاني نقصاً في العديد والعتاد، أكد زيلينسكي أن كييف ستواصل القتال، وذلك في أول مقابلة مع وسيلة إعلام أجنبية مذ بدأت موسكو هجومها في خاركيف قبل أسبوع.
وأكد أنه على رغم تحقيق القوات الروسية تقدماً في خاركيف منذ بدء الهجوم المباغت فجر العاشر من أيار (مايو)، الا أن الوضع في هذه المنطقة بات أفضل من ذي قبل.
ورأى في الوقت عينه أن روسيا لا تحوز ما يكفي من القوات لمهاجمة كييف التي حاولت التقدم نحوها في مطلع الغزو في شباط (فبراير) 2022 قبل أن تتراجع.
وبعد مرور أكثر من عامين على الحرب، بدا زيلينسكي على التصميم ذاته لمواجهة الغزو الروسي، على رغم أن موسكو تحقق في الآونة الأخيرة اختراقات ميدانية هي من الأهم منذ عامين.
وبشأن المؤتمر "من أجل السلام" المقرر إقامته في سويسرا منتصف حزيران (يونيو)، دعا زيلينسكي الدول الغربية الحليفة لكييف الى البحث ليس فقط عن إنهاء الحرب مع روسيا، بل أيضا عن "سلام عادل" لبلاده.
وقال "نريد أن تنتهي الحرب بسلام عادل بالنسبة إلينا... والغرب يريد فقط أن تتوقف الحرب بأسرع ما يمكن".
وحذّر من أن نشر التجهيزات العسكرية الغربية الجديدة قد يتطلب أشهراً يمكن خلالها لروسيا أن تكسب في الميدان.
لكن شدّد على أن "أحداً لن يتنازل (عن القتال في أوكرانيا). أنا على ثقة بأنه مهما كانت الصعوبات التي نواجهها والاختراقات التي تتحقق، لن يكون ثمة اختراق شامل" في الجبهة.
وتابع "خططهم واضحة بالنسبة إلينا، واضحة بالنسبة الى القيادة العسكرية. أعتقد أننا سنتدبر أمرنا بطريقة أو بأخرى".
وأشار الى أنه في هجوم خاركيف، الروس "أطلقوا عمليّتهم، وهي يمكن أن تضمّ موجات عدّة. وهذه هي الموجة الأولى".
وقال زيلينسكي إنّ القوّات الروسيّة توغّلت ما بين خمسة إلى عشرة كيلومترات على طول الحدود الشماليّة الشرقيّة قبل أن توقفها القوّات الأوكرانيّة. وأضاف "لقد أوقفناهم (...) لن أقول إنّه نجاح (روسي) كبير، لكن علينا أن (...) نقرّ بأنّهم هم من يتوغّلون في أرضنا، وليس العكس".
أكثر من مئة إف-16
وإذ أشار إلى أنّ الوضع لم "يستقرّ" بعد، قال "رغم ذلك فإنّ الوضع تحت السيطرة وأفضل من اليوم الأوّل" للهجوم، وذلك بفضل التعزيزات المنتشرة.
وأكّد زيلينسكي أنّ روسيا تريد مهاجمة خاركيف، ثاني أكبر مدينة في البلاد، على بُعد بضع عشرات الكيلومترات فقط من الجبهة. وكانت موسكو قد فشلت في الاستيلاء عليها عام 2022 وقال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الجمعة إنّه لا ينوي مهاجمتها "في الوقت الحالي".
وشدّد الرئيس الأوكراني على أنّ المعركة من أجل هذه المدينة، إذا حصلت، ستكون صعبة على الجيش الروسي. وقال "إنّهم يريدون ذلك، يريدون الهجوم"، لكنّهم "يفهمون أنّها معركة شاقّة. إنّها مدينة كبيرة وهم يفهمون أنّ لدينا قوات وأنّها ستُقاتل لفترة طويلة".
وحذّر قائلا "إنّهم مثل وحش (...) إذا شعروا بضعف في هذا الاتّجاه، فسوف يندفعون" نحوه، لكنّه قال إنّه إذا تمكّنت القوّات الأوكرانيّة من إيقاف القوّات الروسيّة فإنّها ستستسلم. وتابع "برأيي، هم لن يموتوا بالملايين من أجل الاستيلاء على خاركيف".
وسبق لموسكو أن سيطرت على أجزاء واسعة من هذه المنطقة في المراحل الأولى للغزو، قبل أن تستعيدها كييف. وأكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الجمعة أن هدف الهجوم الجديد هو إقامة "منطقة عازلة" في مواجهة هجمات أوكرانية على الأراضي الروسية، مشيراً الى عدم نية قواته غزو مدينة خاركيف.
واعتبر زيلينسكي أنّ الأمر بات بالنسبة إلى أوكرانيا وحلفائها الغربيّين متعلّقا بعدم إظهار ضعف، مطالبا بنظامين باتريوت مضادّين للطائرات من أجل الدفاع عن سماء المنطقة والجنود الذين يدافعون عنها.
وقال إنّ أوكرانيا ليس لديها سوى ربع أنظمة الدفاع الجوّي التي تحتاجها، مضيفا أنّها تحتاج أيضا 120 إلى 130 طائرة مقاتلة من طراز إف-16 لمواجهة القوّة الجوّية الروسيّة.
وبعد التأخير المطوّل في تسليم معدات عسكرية أميركية وأوروبية، رأى الرئيس الأوكراني أن الدول الغربية الحليفة لكييف "تخشى" أن تخسر موسكو هذه الحرب بقدر خشيتها أن تخسرها كييف.
وأوضح أنّ "الغرب يخشى أن تخسر روسيا الحرب، و(في الوقت نفسه) هو لا يريد لأوكرانيا أن تخسرها. لأنّ انتصار أوكرانيا النهائي سيؤدّي إلى هزيمة روسيا، ولأنّ انتصار روسيا النهائي سيؤدّي إلى هزيمة أوكرانيا".
تحدّث زيلينسكي عن أنّ الغربيّين يمنعون أوكرانيا من استخدام الأسلحة التي زوّدتها بها أوروبا والولايات المتحدة، من أجل ضرب الأراضي الروسيّة.
وقال "يمكنهم ضربنا انطلاقا من أراضيهم، وهذا أكبر تفوّق تتمتّع به روسيا، ولا يمكن لنا أن نفعل أيّ شيء لأنظمة (أسلحتهم) الموجودة على الأراضي الروسيّة باستخدام الأسلحة الغربيّة. ليس لدينا الحقّ في القيام بذلك"، مؤكدا أنه اشتكى من ذلك مجددا هذا الأسبوع إلى وزير الخارجيّة الأميركي أنتوني بلينكن.
التعبئة
أقرّ زيلينسكي بأنّ ثمّة نقصا في عديد القوات الأوكرانيّة وبأنّ هذا يؤثّر في معنويّات الجنود، في وقت يدخل قانون جديد للتعبئة حيّز التنفيذ السبت لتعزيز صفوف الجيش.
وقال زيلينسكي "علينا ملء الاحتياطات (...) ثمّة عدد كبير من الألوية الفارغة. علينا أن نفعل ذلك حتى يتمكّن الرجال (الموجودون في الخطوط الأماميّة) من التناوب بشكل طبيعي. هذه هي الطريقة التي ستتحسّن بها الروح المعنويّة".
على صعيد آخر، رفض زيلينسكي فكرة "هدنة" في الحرب مع روسيا أرادها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون طوال مدّة دورة الألعاب الأولمبية الصيفية 2024 في باريس.
وأوضح "لقد قلتُ: إيمانويل، نحن لا نصدّق ذلك. فلنتخيّل للحظة أنّ هناك وقفا لإطلاق النار. أولا، نحن لا نثق في (فلاديمير) بوتين. ثانيا، هو لن يسحب قواته. ثالثا، (...) أخبِرْني إيمانويل، مَن الذي يضمن أنّ روسيا لن تستغل ذلك لإرسال قواتها إلى أراضينا". ورفض الرئيس الأوكراني هدنة من شأنها أن "تصبّ في مصلحة العدوّ".
أشار الرئيس الأوكراني إلى أنّ القادة الصينيّين "يعيشون قليلا مع شعور بأنّه إذا خسرت روسيا الحرب، فهي ليست خسارة لروسيا، بل إنّها انتصار للولايات المتحدة. بالنسبة إليهم، إنه ليس انتصارا لأوكرانيا ولا خسارة لروسيا (...) بل إنّه انتصار للغرب. وهم يريدون إيجاد توازن بين الاثنين".
ودعا زيلينسكي الصين إلى المشاركة في قمّة سلام حول أوكرانيا في سويسرا الشهر المقبل لن تحضرها روسيا.