اتفق الممثلون الدائمون للدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي أخيراً، على خطة لاستخدام المليارات الناتجة من الفوائد على الأصول المجمدة للبنك المركزي الروسي لتمويل المساعدات العسكرية لأوكرانيا، وعلى اعتبار أن روسيا دولة معادية ولا يمكن ترك عبء التعويض عن أضرار الحرب التي سببتها على كييف والغرب. فكيف سيتم ذلك مع إمكان توفير ما قيمته 11,5 مليار يورو على مدى السنوات الأربع المقبلة على شكل مساعدات عسكرية لأوكرانيا؟
أرصدة الأرباح
نص الاتفاق على أن 90% من دخل الفوائد يجب أن يتم توجيهه إلى صندوق الاتحاد لتمويل شحنات الأسلحة والتدريب والدفاع لكييف مع عدم إلزامية الشراء من أوروبا، على أن تستخدم العشرة في المئة المتبقية لتقديم مساعدات مالية تخدم تعافي أوكرانيا. وجاء ذلك، بعدما كانت دول من الاتحاد، بينها النمسا، معترضة على المشاركة مباشرة بتوريد الأسلحة والذخائر. وأعلنت مؤسسة يوروكلير المالية (غرفة مقاصة بلجيكية) أخيراً أنه تم كسب حوالي 4,4 مليارات يورو من إيرادات الفوائد عام 2023 مرتبطة بالعقوبات على روسيا.
وفي السياق، اتخذ برلمان إستونيا الأسبوع الماضي خطوة حاسمة وأقر قانوناً يسمح باستخدام أرباح فوائد الأموال المجمدة لديها والمقدرة وفق الحكومة بحوالي 38 مليون يورو لدفع التعويضات لأوكرانيا، وأكدت رئيسة الوزراء كايا كالاس في حديث صحافي أن بلادها على بعد خطوة واحدة من تحقيق خطوة تاريخية في أوروبا. القانون وقبل دخوله حيز التنفيذ بحاجة لتوقيع رئيس الجمهورية.
وفي رد مبدئي، اعتبر محللون أنه في حال المضي قدماً بهذه الخطوات واتخاذ قرارات مشجعة من أكثر الدول أهمية في العالم الغربي لتسليم الأموال إلى أوكرانيا، وعلى بعد أسابيع قليلة من قمة مجموعة السبع في إيطاليا، فسيكون بمقدور كييف، إضافة إلى شراء الأسلحة الدفاعية، معالجة المشكلات التي تؤرقها حالياً، وأهمها النقص في عدد الجنود، ولها أيضاً أن تزيد من الرواتب ومدفوعات التعويضات والبدلات التحفيزية للمقاتلين في الخطوط الأمامية، وهذا ما سينعكس على الأمن المالي لعائلاتهم في حال الاستشهاد أو العجز والإعاقة، وبطبيعة الحال فإن هذه التقديمات ستزيد من عدد المتطوعين في الجيش. وأعلنت وزارة الدفاع الأوكرانية قبل 6 أشهر أنها تلقت من حلفائها الغربيين منذ بداية الحرب نحو 93 مليار يورو.
وأعلنت الرئاسة البلجيكية الدورية لمجلس الاتحاد الأوروبي أنه في عام 2024 من المتوقع أن يتم جمع ما يصل إلى 3 مليارات يورو من فوائد الأموال المجمدة الروسية التي تصل قيمتها إلى نحو 210 مليارات يورو في دول التكتل، وبالتالي استخدام غير مباشر للمال الروسي من قبل الحكومات و"فقط "من دخل الفوائد.
تحفظات وتمييز ذكي
وبانتظار ما ستؤول إليه الأمور من الناحية التنفيذية، يبدو واضحاً أن هناك توخياً للحذر إلى حد ما بعد هذا القرار، وهناك مخاوف من الإجراءات الروسية المحتملة، ومن أن يجعل دول الغرب نفسها عرضة لمصادرة روسيا لأموالها المباشرة، لا سيما أن الرئيس فلاديمير بوتين أصدر في شباط (فبراير) الماضي قانوناً يسمح لموسكو بالاستيلاء على الأصول الغربية.
وأمام ذلك، اعتبر مراقبون أن "المصادرة" معقدة للغاية، ومن المتصور، على سبيل المثال، أن تتم مصادرة الشركات الأوروبية، وبينها أموال البنوك العاملة في روسيا وبالقوة، ناهيك أن الاستخدام المباشر للأصول الروسية يمكن أن يؤدي إلى فقدان الدول والمستثمرين الآخرين الثقة بالمركز المالي الأوروبي وسحب الأصول من الاتحاد الأوروبي. مع العلم أن روسيا اعترفت في أوقات سابقة بأنها غير قادرة على مصادرة أموال دول التكتل بالقدر نفسه، لأن الغرب لم يكن لديه سوى القليل من رأس المال في روسيا، وبدلاً من ذلك يمكنها تجميد أصول أموال خاصة.
ومن منظور سياسي، قال الباحث راينر مولر لـ"النهار العربي" إن "استخدام الأموال قد يكون بهدف ممارسة الضغط وبصرامة في مفاوضات محتملة، ومن زاوية أخرى يعزز وضعية الجيش الأوكراني في ساحات المعركة، إلا أنه يبقى محفوفاً بالمخاطر أيضاً، لا سيما أن أسباباً تاريخية قد تعوق الاتحاد الأوروبي، بينها على سبيل المثال اضطرار ألمانيا لدفع تعويضات عن الحرب العالمية الثانية".
وكانت روسيا قد حذرت من مصادرة ممتلكاتها وأصولها أو أموال المواطنين الروس.
ورغم أن أصول الدولة الأجنبية ليست محمية من التجميد الموقت بموجب القانون الدولي، برزت بالإضافة إلى العقبات القانونية تحفظات أوروبية بخصوص حصانة الدول، لكن أستاذ القانون الدولي أوليفر ديغلمان اعتبر أنه بكل بساطة "لا تمكن مصادرة الأموال المجمدة لأنها لا تزال مملوكة لروسيا وتحميها سيادة الدولة، والأصول الأجنبية محمية من المصادرة النهائية، وذلك لمنع كل دولة من أن تقول في أي نزاع قانوني دولي نحن نأخذ الآن جزءاً من أموال الدولة الأخرى المخزنة في بنوكنا"، ولبروكسل في ما يتعلق بأموال الفائدة تقييم مختلف، ومن وجهة نظرها "يمكن أخذ الفائدة التي تنشأ عن الأصول بنفسك وتستثمرها". ولهذا السبب، يريد التكتل الاستفادة على الأقل من أرباح الفوائد من الأصول، وهذا بالطبع نوع من التمييز الذكي.