تعهّد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الخميس عدم إدخال إصلاح انتخابي أثار أعمال شغب عنيفة في كاليدونيا الجديدة حيز التنفيذ ودعا إلى إجراء تصويت في الأرخبيل الفرنسي في جنوب المحيط الهادئ إذا تم التوصل لاتفاق سياسي بشأن الوضع المؤسسي فيه.
وقال ماكرون في مؤتمر صحافي في نهاية زيارة سريعة إلى كاليدونيا الجديدة: "بعد الاستماع إلى الجميع (...) تعهدت عدم إدخال الإصلاح حيز التنفيذ اليوم (...) وأن نمنح أنفسنا بضعة أسابيع للسماح بالتهدئة واستئناف الحوار بهدف التوصل إلى اتفاق شامل".
ووعد ماكرون بتقديم تحديث للوضع "في غضون شهر"، في ما بدا أنه يؤخر التصويت النهائي على الإصلاح الانتخابي، شرط استعادة هذا النظام.
وأعرب عن رغبته في "التوصل إلى وقف للأعمال العدائية وبالتالي إزالة الحواجز واستعادة الهدوء ورفع حالة الطوارئ واستئناف الحوار. وعلى هذا الأساس، سأكون أول من يقترح أن نأخذ المزيد من الوقت للتوصل إلى اتفاق شامل يتناسب مع الدستور".
وأضاف: "أمنيتي أيضا هي أن يطرح هذا الاتفاق ليصوت عليه مواطنو كاليدونيا الجديدة".
وصل الرئيس الفرنسي إلى كاليدونيا الجديدة الخميس، حيث تعهّد باستعادة الهدوء في الأرخبيل الفرنسي في جنوب المحيط الهادئ بعد الاضطرابات الانفصالية التي شهدها وخلّفت ستة قتلى ومئات الجرحى.
ووصل ماكرون إلى العاصمة نوميا للقاء زعماء سياسيين ورجال أعمال في مهمّة مليئة بالمجازفات لإنهاء أكثر من أسبوع من أعمال النهب والحرق والاشتباكات الدامية التي اجتاحت الأرخبيل.
ولدى خروجه من الطائرة في مطار تونتوتا الدولي، قال الرئيس الفرنسي للصحافيين إنه يريد ضمان "عودة السلام والهدوء والأمن في أسرع وقت ممكن".
وأضاف: "هذه هي الأولوية المطلقة".
ووقف ماكرون دقيقة صمت حداداً على القتلى الستة، ومن بينهم شرطيان، متعهّداً إبقاء قوّات الأمن "طالما كان ذلك ضرورياً".
وذكر المفوّض السامي للجمهورية في الأرخبيل لوي لو فرانك لوكالة "فرانس برس" أنه بعد تسعة أيام من العنف "كان الليل هادئاً".
وأضاف أن "ردود فعل الطبقة السياسية" على وصول الرئيس "إيجابية إلى حد ما في كلا المعسكرين. ولم تحدث أضرار إضافية ولكن هناك الكثير من الأشياء التي تم تدميرها".
وكان رئيس الوزراء الفرنسي غابريال أتال قد صرّح الأربعاء أن هذه البعثة ستبقى في الأرخبيل "طالما كان ذلك ضرورياً" و"ترمي إلى إجراء حوار سياسي محلي بهدف التوصّل إلى اتفاق سياسي شامل".
من جهّتهم، أعلن الانفصاليون أنّهم سيعزّزون الحواجز التي نصبوها على الطرق في مناطق معينة، وقال الائتلاف الانفصالي الذي ينظّم الاحتجاجات منذ ستة أشهر في بيان "نبقى متأهبين".
ويعتزم الانفصاليون خصوصاً إغلاق تقاطع الطريقين الرئيسيين اللذين يتيحان الوصول إلى شمال الجزيرة خلال نهار الخميس. وقال إن المركبات الطبية ورجال الإطفاء وإمدادات المنتجات الأساسية فقط هي التي ستكون قادرة على التنقّل.
هجوم سيبراني غير مسبوق
تأتي هذه الزيارة المفاجئة في ما تتزايد طلبات تأجيل النظر في مشروع قانون دستوري خاص بناخبي الأرخبيل رفضه الانفصاليون وكان سبباً لاندلاع أعمال الشغب.
في منطقة العاصمة نوميا كانت ليلة الثلثاء الأربعاء "أكثر هدوءاً من الليلة السابقة رغم اندلاع حريقين" على ما جاء في بيان للمفوضية السامية للجمهورية.
وقال عضو حكومة كاليدونيا كريستوفر جيجيس إنه "بعد وقت قصير جدّاً من الإعلان" عن الزيارة الرئاسية، تعرّض الأرخبيل لهجوم سيبراني "غير مسبوق".
وأكّد أن الهجوم الذي تضمّن إرسال "ملايين رسائل البريد الإلكتروني" بشكل متزامن، تم إيقافه "قبل حدوث أضرار جسيمة".
وطمأنت وكالة الأمن الإلكتروني الفرنسية أن الهجوم لن تكون له "تداعيات طويلة المدى".
"نبأ سار"
بعد تسعة أيام على بدء أخطر أعمال العنف التي يشهدها الأرخبيل منذ قرابة الأربعين عاماً، يبقى الوضع هشّاً ولا تزال أحياء كاملة تشهد أعمال شغب ولا يمكن الوصول إليها بسهولة.
وفي حي راقٍ في نوميا لم تطله أعمال الشغب، يتناوب جان البالغ 57 عاماً مع جيرانه لحراسة حاجز يهدف إلى منع عمليات توغّل محتملة.
ورأى أن مجيء الرئيس الفرنسي "نبأ سار. الوضع معطّل تماماً نأمل بأن يسمح ذلك بتهدئة الخواطر وبإيجاد مخرج" من الأزمة.
وفي حاجز في دومبيا، أحد معاقل الانفصاليين غرب نوميا، يشعر مايك (52 عاماً) بالسعادة أيضاً لأن "ماكرون آت ليرى ما يحدث".
لكنّه أضاف "نحن لا نزال في المعارضة"، مردفاً "لا أفهم لماذا يجب أن يناقش مصيرنا أشخاص لا يعيشون هنا حتى".
ستة قتلى
صباح الأربعاء، كانت حرائق ما زالت مندلعة في بعض أحياء منطقة نوميا البالغ عدد سكّانها 170 ألفاً من بينها منطقة دوكوس الصناعية على ما شاهد أحد صحافيي وكالة "فرانس برس".
وقال إدارة مدينة نوميا لوكالة "فرانس برس" إنّه "من المبكر جدّاً" تقدير الأضرار الشاملة لأن ثمّة أحياء لا يمكن للأجهزة الرسمية الدخول إليها بعد. وأفادت بأن مدرستين و300 سيارة في وكالة بيع سيارات احترقت خلال الليل.
ومنذ بدء أعمال العنف، قتل ستة أشخاص بينهم دركيان نقل جثمانهما إلى البر الرئيسي الإثنين.
وأصيب منذ بدء أعمال الشعب في 13 أيار (مايو) 86 عنصراً من القوى الأمنية على ما أفاد وزير الداخلية جيرالد دارمانان الثلثاء. وأوقفت القوى الأمنية 300 شخص على ما أوضح.
وفي دليل على صعوبة السيطرة على الوضع الأمني، أعلن مطار الأرخبيل الفرنسي الدولي أنه سيبقى مغلقاً أمام الرحلات التجارية حتى صباح السبت.
وأخرج نحو مئة سائح من كاليدونيا الجديدة على ما أفادت المفوضية السامية الأربعاء. وخصصت أستراليا ونيوزيلندا رحلات لإعادة مئات من رعاياهما العالقين في الأرخبيل الفرنسي.
تأجيل الإصلاح الدستوري؟
تم الإبقاء على التدابير الاستثنائية لحالة الطوارئ: حظر التجوّل الليلي، وحظر التجمّعات، ونقل الأسلحة، وبيع المشروبات الكحولية، وتطبيق "تيك توك".
وعلى الجبهة السياسية، حثّت الشخصيات الرئيسية غير الداعية لاستقلال الأرخبيل في مؤتمر صحافي في نوميا الثلثاء، على مواصلة دراسة الإصلاح الدستوري المتنازع عليه والذي من المتوقع إقراره قبل نهاية حزيران (يونيو).
وأكّد النائب عن كاليدونيا الجديدة نيكولا متزيدورف أن سحب مشروع التعديل "سيكون خطأ فادحا" وسيدعم موقف "المخرّبين ومثيري الشغب".
إلا أن الدعوات كثرت من كل الأطياف السياسية وحتى من رئيسة بلدية نوميا غير المنادية بالاستقلال للمطالبة بتأجيل هذا التعديل الذي من شأنه تهميش أصوات السكّان الأصليين الكاناك على ما يؤكد المنادون بالاستقلال.
وتشكّل كاليدونيا الجديدة منطقة استراتيجية لفرنسا في جنوب المحيط الهادئ لأنها تسعى إلى تعزيز نفوذها في منطقة آسيا المحيط الهادئ وبسبب غناها بالموارد الطبيعية لاسيما النيكل وهو مادة أساسية في صنع الآليات العسكرية.