النهار

لماذا تحاول روسيا اقتحام فوفشانسك في خاركيف؟
جورج عيسى
المصدر: "النهار العربي"
صورة المعارك ضبابيّة لكن يمكن ملاحظة بعض التطوّرات
لماذا تحاول روسيا اقتحام فوفشانسك في خاركيف؟
قصف روسي على مدينة فوفشانسك، مقاطعة خاركيف (أ ب)
A+   A-

بعد أيّام قليلة على انطلاق التوغّل العسكريّ الروسيّ في مقاطعة خاركيف صبيحة العاشر من أيّار (مايو) سيطرت موسكو بشكل سريع على عدد من البلدات الأوكرانيّة الصغيرة على الحدود. لكنّ بلدة فوفشانسك الواقعة على بعد 74 كيلومتراً من مدينة خاركيف شهدت معارك أكثر حدّة بالمقارنة مع محيطها بحسب بعض التقارير.

 

ذكر بيان لوزارة الدفاع البريطانيّة في 26 أيّار، أنّ الجيش الروسيّ يواصل هجماته على فوفشانسك لكنّ القوّات الأوكرانيّة تمكّنت من صدّ معظمها. مع ذلك، أضاف البيان أنّ القوّات الروسيّة سيطرت على قرية بوغروفاتكا جنوب غرب فوفشانسك في محاولة للوصول إلى نقطة عبور نحو نهر سيفرسكي دونيتس ممّا يفرض تهديداً على أجنحة القوّات الأوكرانيّة المدافعة عن البلدة كما على خطوطها الخلفيّة.

 

أهداف محتملة للسيطرة على فوفشانسك

إنّ فوفشانسك التي ضمّت نحو 17 ألف نسمة قبل الحرب ستمثّل منصّة مهمّة للتقدّم جنوباً باعتبارها مركزاً حضَريّاً مثاليّاً لتركّز القوّات الروسيّة على طريق الانطلاق نحو أهداف أخرى. وفوفشانسك هي أكبر مدينة بالقرب من الحدود الروسيّة (5 كيلومترات) ممّا جعلها محطّ أنظار القوّات الروسيّة.

 

في وقت سابق من هذا الشهر، قال المحلّل في "معهد دراسات الحرب" جورج باروس إنّ القوّات الروسيّة ستعجز عن احتلال مدينة خاركيف في أيّ وقت قريب لأنّ أعدادها لن تتخطّى بأفضل الأحوال 50 ألفاً حتى مع استقدام قوّات روسيّة أخرى من داخل أوكرانيا. لكنّ الاحتلال البرّيّ قد لا يكون هدف روسيا حاليّاً.

 

(أ ب)

 

قال المسؤولون الروس إنّ الهدف هو تأسيس "منطقة آمنة" لحماية منطقة بيلغورود من الهجمات الأوكرانيّة المتكرّرة. ويستطيع الروس تدمير خاركيف من دون الاضطرار للّجوء إلى حرب برية مكلفة على صعيد الأرواح. يكفي أن تنقل موسكو مدفعيّتها إلى بُعد 25 كيلومتراً عن خاركيف لإمطارها بقذائف من عيار 155 ملليمتراً. وتزايدت الهجمات الروسيّة الصاروخيّة على المدينة في الآونة الأخيرة، وقد أدّى هجوم على متجر كبير فيها يوم السبت إلى مقتل 16 شخصاً وجرح العشرات. تعليقاً على الهجوم، قال وزير الخارجيّة الأوكرانيّ دميترو كوليبا إنّ الرئيس الروسيّ فلاديمير بوتين "لا يستطيع احتلال خاركيف وبالتالي هو يحاول قتلها".

 

ورأى الخبير العسكريّ والعقيد في جيش الاحتياط الأوكرانيّ رومان سفيتان أنّ وزارة الدفاع قد تهتمّ بالسيطرة على خطّ السكك الذي يمتدّ من بلغورود ويمرّ عبر فوفشانسك ويصل إلى كوبيانسك. هناك، يمكن أن يضغط الجيش الروسيّ على القوّات الأوكرانيّة للتراجع إلى نهر سيفرسكي دونيتس للسيطرة على منطقة لوغانسك. كوبيانسك، كما فوفشانسك ومعظم خاركيف، تحرّرت خلال الهجوم الأوكرانيّ المضاد خريف سنة 2022.

 

الصورة الحاليّة

إلى الآن، وبحسب وزارة الدفاع البريطانيّة، يبدو أنّ الجبهة استقرّت نسبيّاً. حتى أنّ الوزارة توقّعت أن تفشل الخطّة الروسيّة بفرض "منطقة آمنة" في خاركيف. لكن ليس الجميع مطمئنّاً إلى هذه النتيجة. قال الرئيس الأوكرانيّ فولوديمير زيلينسكي الأحد إنّ روسيا تحشد قوّات جديدة على بعد 100 كيلومتر شمال غرب خاركيف "في تحضير لتحرّكات هجوميّة". ربّما تكون مقاطعة سومي هي التالية في خطّة الهجمات الروسيّة لتشتيت الموارد الأوكرانيّة، على ما يعتقده مراقبون من بينهم مسؤولون أوكرانيّون.

 

وقال قائد القوّات الأوكرانيّة الجنرال أوليكسندر سيرسكي يوم الخميس إنّ الجنود الروس "عالقون تماماً في معارك شوارع (من أجل السيطرة على) فوفشانسك" بعد تحقيقهم "نجاحات طفيفة" في الهجوم الروسيّ الجديد. بالمقابل، نقلت وكالة "تاس" الروسيّة عن المشرّع الروسيّ فيكتور فودولاتسكي قوله الجمعة إنّ نصف المدينة كان تحت سيطرة روسيا. هذا ما ذكرته "بوليتيكو" تقريباً في 20 أيار حين لفتت إلى أنّ القوّات الأوكرانيّة تسيطر على نحو 60 في المئة من المدينة. وبحلول 24 أيار، قالت هيئة الأركان الأوكرانيّة إنّ قوّاتها أوقفت الجيش الروسيّ في قطاع خاركيف وكانت تشنّ هجمات مضادّة.

 

(من مشاهد القصف على فوفشانسك - أب)

 

وفي 26 أيار، قالت وزارة الدفاع الروسيّة إنّ قوّاتها لا تزال تتقدّم بالقرب من كيبتسي وفوفشانسك وروسكي تيشكي، بينما ردّت أوكرانيا بأنّ قوّاتها أرغمت الجيش الروسيّ على التراجع في ليبتسي وتيرنوفا وتُواصل صدّ الهجمات بالقرب من فوفشانسك وليبتس. بالرغم من أنّ المنطقة الحدوديّة لا تزال منطقة رماديّة متنازعاً عليها، يبدو أنّ الهجوم الروسيّ فقدَ زخمه الأساسيّ. تقول وزارة الدفاع البريطانيّة إنّ انتشار القوّات الروسيّة في تلك المنطقة "متجزّئ وغير مترابط" لغاية اللحظة.

 

عن المستقبل القريب

لا يعني فقدان الزخم بالضرورة توقّف التقدّم الروسيّ في خاركيف. تمكّنت أوكرانيا من صدّ الهجوم الروسيّ على أفديفكا لفترة طويلة، قبل أن تنهار البلدة بعد أربعة أشهر من الهجمات المتتالية. ويبدو أنّ خطّ الدفاع الأساسيّ في خاركيف يبعد نحو 15 كيلومتراً من الحدود ممّا يمكن أن يفسح المجال أمام الروس للتقدّم بشكل أسهل نسبيّاً نحو الجنوب حتى ذلك الخطّ.

 

لكن ليس واضحاً حجم الموارد التي تريد روسيا تخصيصها للتوغّل في مقاطعة خاركيف وما إذا كانت مستعدّة لتكبّد خسائر بشريّة كبيرة من أجل الوصول إلى مشارف المدينة. فروسيا لم تتمكّن من السيطرة على كامل المقاطعات الأربع الأساسيّة بالنسبة إليها في الشرق الأوكرانيّ. وبالرغم من أنّ القوّات الروسيّة لا تزال متفوّقة على المستويين البشريّ والناريّ في أوكرانيا، يبقى أنّ مواردها الخاصّة ليست لامتناهية.

 
 
 

 

سيُضعف الهجوم على خاركيف، إن لم يكن على سومي أيضاً، الدفاعات الأوكرانيّة في الشرق. على سبيل المثال، أمكن في الأسابيع القليلة الماضية ملاحظة كيف تباطأ الهجوم على بلدة مهمّة في دونيتسك، تشاسيف يار، بعدما أصبحت محطّ اهتمام الروس عقب سقوط أفديفكا. الآن، تشير تقارير إلى أنّ روسيا تعيد تصعيد هجماتها باتّجاه البلدة بعدما اضطرت أوكرانيا لإرسال قوّات كانت متمركزة في تشاسيف يار أو جوارها إلى خاركيف. وثمّة أيضاً أنباء عن تقدّم في مناطق أخرى مثل كليشيفكا بالقرب من باخموت.

 

بالرغم من أنّ هذه الخطّة تظهر حسن إدارة روسيا للموارد البشريّة، هي لا تحجب بالمقابل فكرة أنّ متابعة الهجمات على شكل "موجات بشريّة" ربّما أضحت أصعب من قبل، بخاصة إذا كان ثمّة استعداد لحرب طويلة المدى. في جميع الأحوال، من المتوقّع أن تلعب خاركيف دوراً محوريّاً في المرحلة المقبلة من الحرب، بشكل مباشر أم غير مباشر.

 

اقرأ في النهار Premium