دخل أمس قرار إسبانيا وإيرلندا والنروج الاعتراف بدولة فلسطينيّة حيّز التنفيذ، وسط آمال بأن يضع حداً لـ"الإبادة" الإسرائيلية الجديدة بحق الفلسطينيين، رغم رفض كبير من تل أبيب.
وإسبانيا وإيرلندا من الدول الأعضاء الأكبر والأكثر نفوذاً في الاتحاد الأوروبي، وتنضمان بهذا الاعتراف إلى السويد وقبرص والمجر وجمهورية التشيك وبولندا وسلوفاكيا ورومانيا وبلغاريا.
ومع الثلاث، يرتفع عدد الدول المعترفة بدولة فلسطين إلى 147، من أصل 193 دولة عضواً في الجمعية العامة للأمم المتحدة.
وحتى الآن، كانت السويد هي الدولة الوحيدة في الاتحاد الأوروبي التي اعترفت بدولة فلسطين عام 2014. أما تشيكيا والمجر وبولندا وبلغاريا ورومانيا وقبرص، فقد اعترفت بها قبل انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي.
ملزم؟
وترى مدريد ودبلن وأوسلو قرارها وسيلة لتسريع الجهود الرامية إلى تحقيق وقف لإطلاق النار في حرب إسرائيل في قطاع غزة، فماذا يعني دخول هذا القرار حيّز التنفيذ؟ وهل يلزم الهيئات الدولية؟
تعليقاً على الموضوع، يوضح الدكتور في العلاقات الدولية والأستاذ الجامعي زياد ضاهر أنّ هذا الإعلان "مرتبط بالدول التي اعترفت بالدولة الفلسطينية ولا يلزم أي مؤسسة دولية أو الأمم المتحدة".
ويذكر بأنّ الدول الثلاث "أجرت مباحثات مسبقة مع الولايات المتحدة التي لم تبدِ أي اعتراض، ويبدو أنّها أعربت عن تفهّمها للقرار وهذا يعني أنّ هناك تنسيقاً بشكل أو بآخر، ولا يعتبر هذا الإعلان بمثابة مواجهة للسياسة الأميركية".
وإلى أي مدى يمكن هذا الاعتراف الأوروبي أن يُحرج المجتمع الدولي والإدارة الأميركية وإسرائيل، والضغط من أجل اعتراف كامل بدولة فلسطين؟ يرى ضاهر أنّ "ثمة دولاً كثيرة تؤيد وقف اطلاق النار في غزة، لكن الاعتراف بفلسطين أمر آخر، خصوصاً في ظل الفيتو الأميركي".
ويحظى الفلسطينيون بصفة دولة غير عضو لها وضع مراقب، وهو اعتراف واقعي بوجود دولة فلسطينية كانت قد أقرّته الجمعية العامة للأمم المتحدة في العام 2012. لكن طلب الحصول على عضوية كاملة في المنظمة الدولية بحاجة إلى موافقة مجلس الأمن ثم موافقة ما لا يقل عن ثلثي أعضاء الجمعية العامة.
وفي نيسان (أبريل) الماضي، استخدمت الولايات المتحدة في مجلس الأمن الدولي حق النقض (الفيتو) لمنع صدور قرار يفتح الباب أمام منح دولة فلسطين العضوية الكاملة في الأمم المتحدة.
"الكلمة لميزان القوى"
يتزامن هذا الاعتراف الأوروبي مع إدانة دولية واسعة للمجازر الإسرائيلية المرتكبة في غزة. وكانت الدول الأوروبية النافذة وخصوصاً فرنسا لم تستبعد خطوة كهذه، وإن كانت باريس رأت أن الوقت "غير مناسب حالياً"، في حين قدّرت برلين بأنّ الاعتراف "يجب أن يكون نتيجة لمفاوضات بين الطرفين".
ويعلق ضاهر أنّ فرنسا دولة عظمى وهي أحد الأعضاء الخمسة في مجلس الأمن، والاعتراف بدولة فلسطينية يستند إلى مصالحها وسياساتها المتبعة دولياً، ويتساءل: "القرار لمن في العالم؟ للقانون الدولي أم لسياسة القوة؟"، مضيفاً أنّ "ما يحصل في غزة يثبت أنّ الكلمة الأولى لميزان القوى وليس للقانون الدولي".
ويتابع: "اليوم نحن أمام أزمة مصداقية وأخلاقية لكل المفاهيم الليبرالية التي تحكم المؤسسات الدوليّة في العالم، وكل الدول التي تعتبر نفسها حامية لهذه المفاهيم والقيم التي تتمثل بحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني ومفاهيم الحريات والديموقراطية وسيادة الشعوب وسيادة الدول وحق تقرير المصير... كل هذا الإرث الإنساني العظيم أمام أزمة كبيرة".
"بارقة إيجابية"
ويرى ضاهر أنّ الاعتراف من الدول الثلاث بدولة فلسطينية بشكل رسمي في الأمم المتحدة هو "بارقة إيجابية نأمل أن تتوسع، وهو أمر إيجابي لكل الأصوات المنادية بوقف المذبحة المفتوحة في غزة".
وفيما سارعت جهات عدة إلى نسب الفضل في المبادرة الأوروبية لنفسها، يقول ضاهر إن للشعب الفلسطيني وحده الفضل في هذا القرار الذي يشكل دعماً "معنوياً" لكن "ليس حاسماً"، ولا يقف أمام أي "فيتو" يُتخذ في مجلس الأمن، وإن يكن إيجابياً لحقوق الفلسطينيين.