النهار

ماذا يعني استعداد بوتين لبحث "تجميد" الحرب في أوكرانيا؟
جورج عيسى
المصدر: "النهار العربي"
ولماذا في هذا التوقيت؟
ماذا يعني استعداد بوتين لبحث "تجميد" الحرب في أوكرانيا؟
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يتحدّث من بيلاروسيا عن انفتاحه على فكرة البحث في تجميد الحرب (أ ب)
A+   A-

نقلت "رويترز" يوم الجمعة عن أربعة مصادر روسيّة قولها إنّ الرئيس فلاديمير بوتين مستعدّ للتفاوض على وقف لإطلاق النار مع أوكرانيا بناء على الخطوط الحاليّة للجبهة. في الوقت نفسه، قالت المصادر إنّ بوتين مستعدّ لخوض الحرب مهما لزم الأمر إذا رفض الغرب مقترحه.

 

وحين سئل عن تقرير "رويترز" خلال مؤتمر صحافيّ في بيلاروسيا، قال بوتين: "فلتُستَأنف" المحادثات بناء "على الوقائع على الأرض". إذاً، لماذا اختار الرئيس الروسيّ وقتاً تبدو فيه قوّاته متفوّقة بشكل واضح على الميدان كي يبدي انفتاحه على التفاوض؟

 

الفرضيّة الأولى

تشير إحدى الفرضيّات إلى محاولة بوتين استباق القمّة السويسريّة أواسط شهر حزيران (يونيو) الهادفة إلى البحث في خطّة أوكرانيا للسلام. بينما وجّهت دعوة لأكثر من 160 دولة، استثنت سويسرا روسيا من الدعوات، بعكس شريكتها الصين. بالرغم من العدد الكبير لرؤساء الدول والحكومات الذين من المتوقّع أن يتوافدوا إلى سويسرا، قد لا يحضر الرئيس الأميركيّ جو بايدن إلى القمّة. ناشده نظيره الأوكرانيّ فولوديمير زيلينسكي المجيء إلى سويسرا قائلاً إنّ بوتين سيستفيد لو غاب بايدن عن فاعليّاتها. وقالت الصين إنّها تؤيّد أيّ قمّة سلام بشرط أن يعترف بها طرفا النزاع.

 

(بوتين في ضيافة الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو أواخر الأسبوع الماضي - اب)

 

حتى كتابة السطور، لم يكن من المتوقّع أن ترسل بكين أيّ موفد رفيع المستوى، وينطبق الأمر نفسه على الهند والبرازيل. وقالت الرئيسة السويسريّة فيولا أمهيرد إنّه ما من ضمانات في أن ينجح المؤتمر. بناء على الأجواء الراهنة، لا يبدو أنّ القمّة قادرة على إثارة قلق كبير في موسكو. إذا كان هناك من قمّة مستقبليّة قادرة على فعل ذلك فهي تلك التي ستستضيفها واشنطن في تموز (يوليو) المقبل بمناسبة الذكرى الخامسة والسبعين لتأسيس حلف شمال الأطلسيّ (ناتو). هناك، قد يتّخذ الحاضرون خطوات سياسيّة وعسكريّة تسمح بزيادة قدرات أوكرانيا الميدانيّة. من هنا، لا تبدو قمّة سويسرا جواباً شافياً على السؤال.

 

استهدِف مفتاح صناعة القرار

تقول الفرضيّة الثانية إنّ روسيا تظهر للناخبين الغربيّين استعدادها لوقف الحرب بعكس الكلام الصادر عن عواصمهم. يمكن أن تهدف هذه الإشارة إلى توليد احتجاجات بين الناخبين الغربيّين القلقين من احتمال توسّع الحرب إلى خارج الحدود الأوكرانيّة، أو على الأقلّ، من تأثيرها السلبيّ على حياتهم الاقتصاديّة. سيخوض الأوروبيون انتخاباتهم التشريعيّة في حزيران، كما سيتوجّه الأميركيون إلى صناديق الاقتراع في تشرين الثاني (نوفمبر) لاختيار رئيسهم. هذا الغضب الشعبيّ المفترض من تلكّؤ الحكومات الغربيّة حيال الإصغاء لروسيا، بخاصّة في ظلّ انعدام أيّ مؤشّر حاليّ إلى أنّ أوكرانيا قد تنتصر قريباً في الحرب، يمكن أن يصبّ في مصلحة أقصى اليمين الأوروبي وتيّار الرئيس السابق دونالد ترامب.

 
(حشد مؤيّد لترامب - أب)
 

ستساعد في ذلك على الأرجح الدعوات التي يطلقها محلّلون في وسائل الإعلام ومراكز الأبحاث الغربيّة والتي تدعو صنّاع القرار – على الأقلّ – إلى امتحان جدّيّة تصريح الرئيس الروسيّ عبر القبول بالتفاوض. بالفعل، كتب الصحافيّ برانكو مارسيتيتش في موقع "رسبونسبل ستايتكرافت" التابع لـ"معهد كوينسي لفنّ الحكم المسؤول" أنّ "استغلال انفتاح بوتين الظاهريّ على وقف لإطلاق النار وإبرام صفقة الآن، مهما كانت غير مرضية، سيكون أفضل للجميع: لدولة أوكرانيا، لشعبها، ولأمان كلّ العالم". في حين أنّ المعهد هو أساساً من منتقدي سياسة بايدن في أوكرانيا، مع أو بدون المقترح الأخير، تبقى فكرة إغضاب الناخب الغربيّ على أبواب الاستحقاقات المقبلة معقولة. على سبيل المثال، نقلت وكالة "تاس" الروسيّة على موقعها بعض أفكار مارسيتيتش، وهذا دليل على الاهتمام الروسيّ بالتأثير على الرأي العام الغربيّ، وهو اهتمام غير جديد في جميع الأحوال.

 

روسيا قويّة... لكن مُرهَقة

تشير فرضيّة ثالثة إلى أنّه وبالرغم من كلّ اليد العليا الواضحة في الميدان، لا تستطيع روسيا مواصلة الحرب لفترة طويلة. لا تزال القاعدة الصناعيّة الروسيّة متفوّقة في الإنتاج على نظيرتها الغربيّة، بالتحديد في صناعة القذائف المدفعيّة، لكنّ هذا الأمر لا يلخّص كلّ الصورة. يمكن أن يبلغ الإنتاج الدفاعيّ الروسيّ أعلى سقف له أواخر السنة الحاليّة قبل أن يبدأ تراجعه في وقت لاحق إذا صحّ تقريرٌ لـ"المعهد الملكيّ للخدمات المتحدة". فقد أشار التقرير الصادر في شباط (فبراير) إلى أنّ تجديد وإصلاح مخزون المركبات الروسيّة سيبدأ بمواجهة صعوبات السنة المقبلة على أن ينتهي بشكل كبير سنة 2026.

 

(قصف روسيّ على خاركيف - أ ب)

 

ثمّة أدلّة أوّليّة على ذلك إذ أظهرت فيديوهات يُزعم أنّها لمشاهد من الحرب في أوكرانيا مقاتلين من الجيش الروسيّ وهم يقودون عربات غولف أو حتى دراجات ناريّة. من دون المركبات المدرّعة، ثمّة احتمال كبير في أن يتعثّر الجيش الروسيّ عند محاولته احتلال مساحات واسعة من أوكرانيا حتى ولو نجح في تحجيم مقاومة الأوكرانيّين. ونقلت "رويترز" أيضاً عن مصادرها الروسيّة قولها إنّ بوتين فهم كيف أنّ تقدّماً كبيراً على الأرض سيتطلّب تعبئة وطنيّة جديدة لم يرغب بها. هذا إلى جانب المشاكل التي يتسبّب بها نموّ القطاع العسكريّ للاقتصاد الروسيّ ككلّ، أكان على صعيد التضخّم أو على صعيد إضعاف القطاعات الأخرى. في إشارة إلى التعديلات الوزاريّة الأخيرة، وأهمّها استبدال وزير الدفاع السابق سيرغي شويغو بالخبير الاقتصاديّ أندريه بيلوسوف، قال المسؤولون الروس إنّ هناك حاجة للابتكار. بمعنى ضمنيّ آخر، كان أداء الوزارة السابق قاصراً عن تحقيق الخطط المطلوبة. هذا بالإضافة إلى أنّ فكرة الإتيان باقتصاديّ إلى وزارة الدفاع قد تبيّن مخاوف من "التسخين المفرط" الذي تتسبّب به الحرب للاقتصاد الروسيّ. ومن المتوقّع أن تحصل أوكرانيا أيضاً على بعض الأسلحة الهجوميّة مثل مقاتلات أف-16 وعشرات الآلاف من القذائف المدفعيّة بفضل جهد من تشيكيا إلى جانب معدّات استطلاعيّة دفاعيّة أخرى قد تساعدها على الصمود بشكل أفضل في المرحلة المقبلة.

 

هل يصغي الغرب؟

بالحدّ الأدنى، إذا كانت روسيا فعلاً غير قادرة على استدامة حربها، فستكون في طور استغلال الظروف الحاليّة المواتية كي تذهب إلى طاولة الحوار من موقع قوّة. بالحدّ الأقصى، قد يكون كلام بوتين مجرّد تصريح من بين تصاريح أو مؤشّرات روسيّة عدّة تناولت فكرة الاستعداد للتفاوض خلال المرحلة الماضية، كما حصل في شباط (فبراير) وكانون الأول (ديسمبر) الماضيين. وعلى أيّ حال، لا يبدو أنّ الغرب في وارد تلقّف كلام الرئيس الروسيّ باهتمام كبير. آخر دليل على ذلك هو اقتراح الرئيس الفرنسيّ إيمانويل ماكرون والمستشار الألمانيّ أولاف شولتس تأييد فكرة ضرب أوكرانيا أهدافاً عسكريّة داخل الأراضي الروسيّة لوقف الهجوم في خاركيف.

 

التصعيد، لا التهدئة، قد يكون عنوان المرحلة المقبلة في أوكرانيا.

 

الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium