النهار

هل "ثبّت" الأوكرانيّون جبهة خاركيف؟
جورج عيسى
المصدر: "النهار العربي"
في أيّار، كان المزاج الغربيّ متشائماً. الآن، يبدو الوضع أفضل.
هل "ثبّت" الأوكرانيّون جبهة خاركيف؟
فوفشانسك في خاركيف تحت قصف روسي عنيف. (أ ب)
A+   A-

بدأ الهجوم الروسيّ على مقاطعة خاركيف يفقد زخمه بحسب بعض التقارير. أتى ذلك بعد تقدّم سريع جداً خلال الأيام الأولى على انطلاقه في 10 أيار (مايو)، حين وصل توغّل الجيش الروسيّ إلى "8 أو 9 كيلومترات" تقريباً في خمس نقاط من محور الهجوم. كان ذلك تقييم وزير الدفاع الروسيّ المعيّن حديثاً أندريه بيلوسوف وهو قريب من تقييمٍ آخر لـ"معهد دراسات الحرب" في واشنطن، كما من بعض التقارير الأوكرانيّة.

 

تساءل البعض عن سبب فشل القوات الأوكرانيّة في الاستعداد للجبهة الجديدة بالرغم من أنّ روسيا تحدثت لفترة طويلة عنها. كانت الإجابات متعدّدة، وفي مقدّمتها أنّ أوكرانيا ممنوع عليها ضرب القوّات الروسيّة خلف الحدود. يوم الخميس الماضي، حدث انعطاف محدود في الموقف الأميركيّ حيث سمح البيت الأبيض للجيش الأوكرانيّ باستهداف القوّات الروسيّة في أراضيها القريبة من المقاطعة فقط. ومنعت واشنطن كييف من استخدام صواريخ "أتاكمس" البعيدة المدى (300 كيلومتر) لضرب المراكز الروسيّة في تلك المنطقة. رفعت واشنطن بقرارها بعض الضغط عن القوّات الأوكرانيّة.

 

"لقد أوقفنا العدوّ"

بدأت صور منتشرة على مواقع التواصل الاجتماعيّ تظهر ما قال متداولوها إنّها ضربات ضدّ أصول عسكريّة في بيلغورود الروسيّة، من بينها منظومات دفاعيّة صاروخيّة. تعليقاً على هذه الصور وعلى ما يكتبه ناشطون روس على مواقع التواصل الاجتماعيّ، ذكر "معهد دراسات الحرب" أنّ الأصول المستهدفة هي بطاريات أس-300/400 ومركز إمرة شمال مدينة بيلغورود، على بعد نحو 60 كيلومتراً من الجبهة في خاركيف.  وقع الهجوم بين 1 حزيران (يونيو) الحاليّ و2 منه.

 

في الوقت نفسه، أظهرت فيديوهات أخرى مقاطع تزعم استسلام عناصر من الجيش الروسيّ بالقرب من فوفشانسك في خاركيف. شكّلت تلك المدينة محطّ أنظار الروس بالنظر إلى موقعها الحضريّ الذي يسمح بتمركز القوّات الروسيّة فيها على طريق التقدّم جنوباً. بحسب تقرير في صحيفة "إندبندنت كييف" أواخر الشهر الماضي، تمكّن الأوكرانيّون من تثبيت الجبهة في خاركيف.

 
 
 
 

وقال قائد أوكرانيّ لمجموعة مدفعيّة في حديث للصحيفة: "لقد أوقفنا العدوّ، لن يحرزوا تقدّماً إضافيّاً، الآن سندفعهم إلى الحدود". وذكرت الصحيفة نفسها أنّ التقدّم الروسيّ توقّف منذ 24 أيار. لهذا السبب، من المرجّح ألّا يكون القرار الأميركيّ قد لعب دوراً مباشراً في "تثبيت" الجبهة. وفي آخر تقرير لـ "معهد دراسة الحرب"، تتقدّم أوكرانيا حاليّاً في وسط مدينة فوفشانسك.

 

أيّام أفضل لأوكرانيا؟

مع السماح للأوكرانيّين باستهداف القوّات الروسيّة في بيلغورود، يمكن أن تواجه روسيا صعوبات إضافيّة في مواصلة دعم الجبهة لتأسيس "منطقة آمنة" في خاركيف. بالتالي، قد لا تفقد روسيا المبادرة في تلك المنطقة وحسب، بل قد تجد نفسها في موقع دفاعيّ داخل حدودها.

 
 

(الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في سنغافورة - أ ب)

 

ويحتمل أن يكون التقدّم الروسيّ المحدود في خاركيف قد تحقّق بفعل تكلفة كبيرة في الأرواح. في 31 أيار، ذكرت وزارة الدفاع البريطانيّة أنّ الشهر نفسه شهد أكبر عدد من الخسائر في صفوف القوّات الروسيّة منذ بداية الغزو في 24 شباط (فبراير) 2022. لقد تخطّت تلك الخسائر بحسب الوزارة نفسها أكثر من 1200 شخص في اليوم الواحد كمعدّل عام. يصعب التأكّد من هذه الأرقام بما أنّ وزارة الدفاع الروسيّة لا تنشر عدد الخسائر بين قوّاتها. لكن بصرف النظر عن دقّتها، يبقى أنّ اعتبار عدد الخسائر الروسية في ذلك الشهر هو الأكبر منذ بداية الحرب معبّرٌ بحدّ نفسه.

 

وكان ميخايلو بودولياك، وهو مستشارٌ للرئيس الأوكرانيّ فولوديمير زيلينسكي، قد أعلن الأسبوع الماضي أنّ المساعدات العسكريّة الأميركيّة التي أفرج عنها الكونغرس في النصف الثاني من شهر نيسان (أبريل) بدأت بالوصول إلى الميدان. لكنّه أوضح وجود حاجة لانتظار بضعة أسابيع إضافيّة كي تصل إلى المستوى المؤثّر في ساحة الحرب. وهذا مؤشّرٌ إضافيّ إلى أنّ أوكرانيا على موعد مع أيّام أفضل نسبيّاً في المدى المنظور. يتزامن ذلك مع تقارير عن ضعف الهجوم الروسيّ في خيرسون، حيث تفشل القوّات الروسيّة في دحر الأوكرانيّين من رأس الجسر الصغير الذي بنوه على الضفّة الشرقيّة من النهر.

 

الدّرس نفسه

تؤكّد جبهة خاركيف – مجدّداً – أهمّية التروّي في وصف تطوّرات المعارك. على سبيل المثال، رسم التقدّم الميدانيّ السريع للروس في الأيّام الأولى انطباعاً بأنّ القوّات الأوكرانيّة "يائسة" في محاولة منع توغّل روسيّ باتّجاه مدينة خاركيف. في المدى المنظور على الأقلّ، بات هذا الوصف في غير محلّه.

 

لا يعني ذلك أنّ مشاكل أوكرانيا في نقص القذائف والقوّة البشريّة ستُحلّ قريباً أو أنّ روسيا لن تواصل قصف المدينة بالقنابل الانزلاقيّة. كما أنّه لا يعني أنّ روسيا لن تحقّق المزيد من المكاسب في الشرق حيث تتوجّه الأنظار الآن إلى تشاسيف يار التي سحبت منها كييف بعض المقاتلين للدفاع عن خاركيف. يقول "معهد دراسات الحرب"، إنّ القوات الروسيّة تواصل تقدّمها في نقاط عدّة من الجبهة، كما هي الحال غرب أفديفكا وجنوب يوروجين التي استعادتها أوكرانيا في المراحل الأخيرة من هجومها المضادّ السنة الماضية. ويقول أيضاً إنّ القوات الروسيّة تقدّمت في هليبوكي شمال ليبتسي، وهي مدينة أخرى في محور خاركيف.

 

لكنّ الحرب تظهر أنّ لدى روسيا أيضاً مشاكلها الخاصّة على مستوى خططها العسكريّة والموارد البشريّة بحيث لا تستطيع الحفاظ على وتيرة التقدّم نفسها في كلّ نقاط الجبهة. يؤكّد ذلك على الأغلب حديث بعض المصادر الروسيّة لوكالة "رويترز" عن أنّ الرئيس الروسيّ فلاديمير بوتين يتفادى مرسوماً جديداً بالتعبئة. لكن إذا تمكّنت روسيا من اتّخاذ تلك الخطوة ورفد قواتها بالمعدّات المناسبة فقد يمثّل ذلك مشكلة كبيرة بالنسبة إلى أوكرانيا على ما يقوله الخبير العسكريّ بترو شرنيك، بالرغم من أنّه يستبعد توفّر هذه العناصر حاليّاً.

 

يوم الخميس، قال القادة الأوكرانيّون إنّ الروس لا يزالون يجمعون حشوداً عسكريّة بالقرب من مقاطعة خاركيف. لكن بعد السماح لكييف باستهدافهم، قد لا تتكرّر مشاهد التقدّم السريع التي حقّقتها موسكو في أيار.

 

اقرأ في النهار Premium