النهار

"إنزال النورماندي" وشارل ديغول... "المتجسّس الحليف"
شادي طنوس
المصدر: النهار العربي
تُعتبر العملية بتفاصيلها، التي تحتفل بذكراها فرنسا الخميس مع مرور 80 عاماً، أكبر هجوم برمائي من نوعه في التاريخ، من حيث عدد السفن والقوّات المشاركة.
"إنزال النورماندي" وشارل ديغول... "المتجسّس الحليف"
بدأت عملية الإنزال في ساعات الصباح الأولى من يوم 6 حزيران 1944.
A+   A-
غيّر يوم "إنزال النورماندي" في 6 حزيران (يونيو) 1944 مجرى أحداث الحرب العالمية الثانية فجعل الانتصار من نصيب "قوى الحلفاء": بريطانيا العظمى والولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي آنذاك. أمّا "تحالف المحور" الخاسر فكان مؤلّفاً من ألمانيا وإيطاليا واليابان بالاشتراك مع بلغاريا وكرواتيا والمجر ورومانيا وسلوفاكيا.
 
تُعتبر العملية بتفاصيلها، التي تحتفل فرنسا بذكراها مع مرور 80 عاماً، أكبر هجوم برمائي من نوعه في التاريخ، من حيث عدد السفن والقوّات المشاركة، وأودت العملية بحياة نحو 4,400 جندي في اليوم الأوّل وحده.
 
ولعلّ أبرز شخصيات هذا الحدث كان الجنرال الفرنسي شارل ديغول، الذي ورغم استبعاده عن مقر تحضير عمليّة الحلفاء في لندن، إلّا أنّه تمكّن من إثبات نفسه كـ"متجسّس" فصار حليفاً رئيسياً.
 
 
بين "الخدعتين"...
انقسمت خدعة الحلفاء في تلك العملية الاستثنائية، إلى قسمين، إذ جهّزوا لوجود عسكري ضخم في جنوب شرقي إنكلترا لاستهداف منطقة بادو كاليه، وعزّزوا وجودهم شمال إنكلترا ليوحوا للألمان بنيّتهم الهجوم على النروج لكن العملية الحقيقية استهدفت شواطئ النورماندي الفرنسية.
 
مع حلول شهر كانون الثاني (يناير) سنة 1944، كُلّف الجنرال الأميركي دوايت أيزنهاور (رئيس أميركا لاحقاً) بمهمة قيادة عملية غزو شمال غرب أوروبا وانتزاعها من قبضة الألمان، عقب انعقاد مؤتمر في طهران في 28 تشرين الثاني (نوفمبر) سنة 1943 بين قادة الحلفاء الثلاثة، السوفياتي جوزيف ستالين والأميركي فرانكلين روزفيلت والبريطاني ونستون تشرشل.
 
فجر يوم 6 حزيران، كان الآلاف من المظلّيين وقوّات الطائرات الشراعية على الأرض "خلف خطوط العدو"، فأمّنوا الجسور وطرق الخروج، وبدأت الغزوات البرمائية في الساعة 6:30 صباحاً.
 
أمام هذا المشهد الحربي، كان ديغول قائد "المقاومة الفرنسية"، بعيداً عن دوائر صنع القرار الاستراتيجي بين الحلفاء، فكان خياره أن يعتمد على جهاز الاستخبارات الخاص به لإبلاغه بشأن القضايا الحسّاسة. فكانت "خدعته" استخباراتية...
 
أسّس أندريه ديوافرين، الملقّب بـ"العقيد باسي" جهاز الاستخبارات وتعدّدت تسمياته من المكتب الثاني، ثم المكتب المركزي للاستخبارات والعمل العسكري، والمكتب المركزي للاستخبارات والعمل (BCRA) وهو الآن المديرية العامة للخدمات الخاصّة (DGSS). يعتبر "باسي" أحد رفاق ديغول الأكثر إخلاصاً رغم كل الصعوبات...
 
 
"المنطق الديغولي" 
كان لدى الجنرال ديغول وسائل مباشرة وغير مباشرة للبقاء على اطّلاع على الاستعدادات لإنزال قوّات الحلفاء، معتبراً أنه منذ اليوم الذي قرّر فيه الحلفاء الهبوط على أرض فرنسا، كانوا بحاجة إلى معلومات موثوقة من الدولة المحتلّة.
 
وفق ما نشرته صحيفة "لوموند" الفرنسية، "كانت المعلومات تأتي إلى حد كبير من 35000 وكيل يعملون في فرنسا تحت تصنيف BCRA ثم DGSS ضمن حوالي 60 شبكة متخصّصة. ونظراً لخطر وقوع مذبحة ضد قوّاتهم بسبب الافتقار إلى المعلومات الدقيقة، فإن دول الحلفاء مضطرّة في الواقع إلى أن تكون أكثر تصالحاً قليلاً مما ترغب في التعامل مع رجل "18 يونيو" (الجنرال ديغول)".
 
إلّا أن الحلفاء لم يعتبروا أن هذا المسار سيؤدي إلى الكشف عن جميع أسرار "D-Day"، (يوم الإنزال).
 
للانخراط في مسار العملية، انشغل "الديغوليون" بالتحليل الدقيق للرسائل التي يتلقّاها المكتب المركزي للاستخبارات والعمل (BCRAL) من الشبكات والتي ينقلها إلى الخدمات الإنكليزية. 
 
لم يكن العمل التحليلي الوسيلة الوحيدة التي اعتمدها أنصار ديغول كي يصلوا إلى المزيد من المعلومات عن يوم الإنزال، إذا برزت شبكة "ساسكس" ولدى "BCRAL" واحدة خاصّة بها هناك.
 
تم استدعاء 524 من عملاء "ساسكس" للتعاون مع الأميركيين والبريطانيين، وبالتالي تكون "BCRAL" جهّة لفك رموز بعض مكوّنات عملية "أوفر لورد" (اسم آخر لعمليّة الإنزال).
 
وبالإضافة إلى القوّات الخاصّة ضمّت 91 فريقاً متحالفاً تحت اسم "Jedburghs"، وهي فرق مكوّنة مسبقاً من ثلاثة مظلّيين من النخبة (بريطاني وأميركي وفرنسي)، كان لديهم مهمة إصدار تعليمات ما جعلهم كمقاتلين فعّالين لإبطاء القوات الألمانية وتوجيه ضربات قاسية لها باستخدام أساليب حرب العصابات.
 
في الفترة التي سبقت "D-Day"، شكّل "BCRAL" أيضاً 4 خطط تخريبية بالاتّفاق مع الحلفاء: 
-الأخضر (السكك الحديدية).
-الأرجواني (خطوط الهاتف لمسافات طويلة).
-الأزرق (خطوط التوتّر العالي).
-بيبندوم (قطع الطرق).
 
 
"شريك"
تولّت المقاومة الفرنسية بقيادة ديغول تنفيذ أعمال عسكرية ميدانية مثل تفجير مواقع للألمان أو تخريب السكك الحديد أو شبكة الاتصالات السلكية.
 
وبمّا أن الحلفاء كانوا متحفّظين على اطلاع "المقاومة" على خططهم لمهاجمة قوّات هتلر، فقد عمدت إلى وضع خطط افتراضية للشواطئ التي يمكن أن يتم عليها إنزال قوّات الحلفاء فتوقّعت أن يتم الإنزال في النورماندي، وهكذا حصل. فتكرّس بذلك دور المعارضة في تحرير فرنسا وأصبح الجنرال ديغول شريكاً أساسياً للحلفاء.
 
وفي مطلع حزيران 1944، رفض القائد الفرنسي أي فكرة لتولّي الحلفاء إدارة فرنسا بصورة موقتة. ولم يدخل فرنسا إلّا في 14 حزيران، إذ كتب في مذكّراته الحربية "منذ بضعة أيام، كنت مستعدّاً لهذه الرحلة، لكن الحلفاء لم يسهّلوا الأمر لي".
 
وعندما أصبح رئيساً لفرنسا، رفض عام 1964 الاحتفال بذكرى الإنزال الـ20.
 
 
خطّة... فانتصار
اعتقد هتلر أن الغزو كان خدعة تهدف إلى تشتيت انتباه الألمان عن هجوم ينطلق من شمال نهر السين ورفض انقسام جيشه، وكان لا بدّ من استدعاء التعزيزات من مناطق أبعد ما تسبّب في حدوث تأخيرات، وتردّد في دعوة فرق مدرعة للمساعدة في الدفاع.
 
واعتقد عناصر الجيش الألماني أنّهم يمكنهم القيام بإجازة، فذهب قائد الجيش أرفن رومل إلى ألمانيا للاحتفال بعيد ميلاد زوجته الـ50.
 
خسر الأميركيون خلال عملية الإنزال 3400 جندي بين قتيل ومفقود، وخسر البريطانيون 3 آلاف جندي والكنديون 335، بينما تجاوزت الخسائر الألمانية 6 آلاف عسكري.

بحلول نهاية حزيران، استولى الحلفاء على ميناء شيربورغ ونزل حوالى 850 ألف رجل و150 ألف مركبة في نورماندي، وكانوا على استعداد لمواصلة مسيرتهم عبر فرنسا.
 
وبحلول نهاية آب (أغسطس) 1944، وصل الحلفاء إلى نهر السين، وتحرّرت باريس وتم إبعاد الألمان من شمال غرب فرنسا.
 
 
في 3 تموز (يوليو) 2023، توفّي آخر شخص كان على قيد الحياة من وحدة "كوماندوز" فرنسية شاركت في عمليات الإنزال في نورماندي، يُدعى ليون غوتييه. كان مع وحدة "فوسيلييه مارين كوماندو" - الوحدة الوحيدة من القوّات الفرنسية الحرّة التي ذهبت إلى الشاطئ خلال الإنزال، خاتماً حقبة تاريخية مهمّة.
 

اقرأ في النهار Premium