يُقام مزاد علني اليوم لبيع نسخة من "دليل ميشلان" السياحي، المطبوعة في عام 1939، والتي اقترحها ضابط الاتصال غوستاف موتيه على الحلفاء، للحصول على معلومات عن فرنسا. ويقول فرنسوا غيّوم لوران في مجلة "لو بوان" الفرنسية، إن الخدمات اللوجستية هي محور الحروب، فيجب أن تعرف أين أنت وإلى أين تذهب في منطقة معادية، وإلّا فأنت تخاطر بنفسك، وتعرّض حياتك لمصائب كثيرة، خصوصاً إن كانت المهمّة مختزلة بكلمات قليلة.. "استعادة الأراضي المسلوبة بأسرع وقت ممكن".
تقول الرواية، إن ضابط الاتصال غوستاف موتيه الذي تمكّن من الفرار من الحصار الألماني في جبهة دنكرك في نهاية أيار (مايو) 1940، تمكن من إرشاد فرقة بريطانية إلى بريست، التي نجحت هي الأخرى في الإفلات من تقدّم دبابات غودريان، بفضل أمرين: طلاقته في اللغة الإنكليزية، ودليل ميشلان لعام 1939 الذي كان بحوزته، "الذي اشتراه للاستمتاع بوقته وزيارة المعالم السياحية في كوت دازور مع أصدقائه"، كما تقول ابنته آن - إليزابيث موتيه، الصحفية في صحيفة "تلغراف" البريطانية.
لا بدّ من القول إن موتيه لم يكن شخصاً عادياً. فقد كان ابن ماريوس موتيه الذي صنع لنفسه اسمًا لامعًا حين كان أحد أعضاء البرلمان الفرنسي الثمانين الذين رفضوا التصويت لصالح سلطات المارشال بيتان الكاملة.
كل ما يحتاجه الجندي
تضيف آن - إليزابيث: "اكتشفت أخيراً أن والده أرسله في مهمّة إلى الصين لضمان صفقة تسليم فرنسا 900 طائرة سراً بين سايغون، التي كانت فرنسية في ذلك الوقت، والصين بقيادة تشانغ كاي شيك، من أجل القتال ضدّ اليابان. وكان هذا الرجل هو الذي وصل إلى بريست في 17 حزيران (يونيو) مع آلاف الجنود البريطانيين وبحوزته كتاب الإرشاد. سمع خطاب بيتان في أثناء تناوله الغداء مع ضابط آخر، فقال: "الخائن بازين، لم أحصل على ما أستحقه من المال، أنا ذاهب إلى إنكلترا". واعتلى من جديد متن سفينة بريطانية تحمل على متنها 4500 جندي بريطاني و6 ضباط فرنسيين، هم طليعة من سيلتحقون بديغول في لندن، وكان هو نفسه بينهم.
وبصفته صحافياً، ومؤلف كتاب "فرنسا"، الذي يشكّل - مع كتاب "لا مارسيلياز" طبعاً - أحد أهم عناوين المقاومة الفرنسية، لم ينسَ موتيه كم استفاد من الخرائط التي تضمّنها الدليل الشهير الذي صدر في عام 1900. فلم يقتصر دليل ميشلان على اقتراح المطاعم الجيدة والفنادق الساحرة فحسب، بل أشار أيضًا إلى الطرق والمسافات بين مفترقات الطرق الرئيسية ومواقع المرتفعات المكشوفة ومواقع محطات الوقود وأقصى وزن تتحمّله الجسور.
باختصار، كان يحتوي على كل ما يحتاجه الجيش ليحدّد اتجاهاته في مواجهة العدو.
مدن بلا إشارات
لاحظ موتيه رداءة الخرائط التي يستخدمها الحلفاء خلال تدريبه في مدرسة ضباط الاتصال، فاقترح إعادة إصدار طبعة عام 1939 من دليل ميشلان الذي كانت بحوزته، وتمّ ترتيب المدن فيه أبجديًا.
لم يُعرف عدد نسخ طبعة عام 1939 التي تمّ إصدارها من نسخ الفاكس، وقد أضيفت على الغلاف عبارة "للاستخدام الرسمي فقط" وعبارة "أعادت طبعها شعبة الاستخبارات العسكرية - إدارة الحرب، واشنطن دي سي".
كان بيار غابرييل غونزاليس، منسّق المزاد الذي يُقام اليوم، يدرك جيدًا أن الأميركيين كانوا يستخدمون هذه الأدلة لمعرفة طريقهم في المدن المحرّرة، والتي كانت محرومة في كثير من الأحيان من إشارات الطرق القديمة، لكنه لم يكن يعي دائمًا النيّة الطيبة التي أوحت إليهم بالفكرة.
مثال رائع
لم يعرف هذا الأمر كله إلّا أخيراً، عندما وجد مارك فرانكون، أحد هواة جمع الكتب، مقالًا نشرته صحيفة "صَنداي تايمز" في عام 1984، لمناسبة الذكرى الأربعين لـ "يوم النصر"، كتبته آن - إليزابيث موتيه نفسها، التي كانت تعمل آنذاك صحفية الصحيفة البريطانية في باريس.
وبحسب المقال، هبط موتيه بنفسه بعد أربعة أسابيع من يوم الإنزال في النورماندي، وكان يحمل الدليل في جيبه. تقول إن ذلك كان "مثالاً رائعاً على التعاون الفرنسي – الأميركي"، ويمكن تخيّل حالة الضباط الأميركيين الذين عادوا إلى بلادهم ومعهم الكتاب الثمين تذكاراً من أرض المعركة، فقد قالت آن - إليزابيث موتيه إن عدد النسخ الموزعة على الضباط بلغ 10,000 نسخة.
تبدأ المزايدة اليوم على دليل ميشلان بسعر يتراوح بين 5,000 و7,000 يورو. وحتى الآن، بلغ أعلى سعر تمّ تحقيقه لدليل ميشلان لعام 1900، الطبعة الأولى، 28,000 يورو. وتحتفظ آن - إليزابيث بنسختها، ولا تنوي التخلّي عنها أبداً.