مع اقتراب فترة ولاية فولوديمير زيلينسكي الأولى المنتخبة من نهايتها، تعرب مصادر حكومية وعسكرية رفيعة المستوى، ومصادر في أجهزة إنفاذ القانون، ومصادر دبلوماسية، عن قلقها من اعتماده المتزايد على كبير مساعديه أندريه يرماك، المتهم بالهيمنة على القرار في البلاد، بحسب ما نشرته صحيفة "التايمز" البريطانية.
رئيس الظل
منذ تطبيق الأحكام العرفية في عام 2022، التي تمكّن زيلينسكي من البقاء في منصبه حتى نهاية الحرب، تجاوزت سلطة يرماك سلطات جميع المسؤولين الأوكرانيين المنتخبين، باستثناء الرئيس. ويذهب بعض المصادر إلى حدّ وصفه بـ "رئيس الدولة الفعلي" أو "نائب رئيس أوكرانيا"، في سياق عدد من المقابلات.
ويفيد تقرير صحيفة "التايمز" بأن مكتب الرئيس رفض هذه الانتقادات، ووصفها بأنها "هجمات دعائية"، مصرّاً على أن زيلينسكي كان يلتقي السفراء بانتظام، لكنه غالباً ما يكون خارج البلاد أو مرتبطاً بمواعيد أكثر إلحاحاً. وترى الإدارة الأميركية أن الانتقادات نابعة من أسلوب إدارة يرماك المباشر والفعّال في الوقت نفسه، مشيرةً إلى نجاحه في مبادرات تشمل حشد الشركاء الدوليين في قمة السلام في سويسرا، في الأسبوع المقبل.
في الوقت عينه، يتهم مسؤولون عسكريون يرماك بإبعاد الجنرال فاليري زالوجني عن الرئيس، حتى تدبير إقالته من منصبه قائداً للقوات المسلحة في شباط (فبراير) المنصرم. كما يزعمون أن يرماك كان يعدّ زالوجني منافساً لسلطته. إلّا أن متحدثة باسم الرئاسة الأوكرانية نفت هذا الأمر، وأكّدت أن "فاليري زالوجني لم يُقَل من منصبه، بل عُيّن سفيراً لدى المملكة المتحدة، ما يدلّ إلى مستوى عالٍ من الثقة". وأضافت أن يرماك كان له دور شرعي في مقر القائد الأعلى للقوات المسلحة، وفي مجلس الأمن القومي والدفاع، بما يتماشى مع صلاحياته الدستورية.
أمر جنوني
يقول أوليه أوستنكو، المستشار الاقتصادي السابق لزيلينسكي، والذي أقيل في آذار (مارس) الماضي من دون مبرّر: "كنت واحداً من خمسة أشخاص على اتصال مباشر بالرئيس، وكانت دائرة المستشارين هذه محدودة جداً، إضافة إلى من يتولون الاهتمام بالتفاصيل الدقيقة، وكلهم تحت إشراف رئيس المكتب ونواب العديدين". وتجدر الإشارة إلى أن بقاء اثنين من هؤلاء النواب، هما أوليه تاتاروف وكيريلو تيموشينكو، أثار غضب هيئات مراقبة مكافحة الفساد، التي تشير إلى تقارير عن تورطهما المزعوم في فضائح الرشوة، بحسب ما ورد في "التايمز".
تقول داريا كالينيوك، المديرة التنفيذية لمركز مكافحة الفساد: "على الرغم من جميع مطالبات الشركاء الدوليين، يبقى تاتاروف مسؤولاً عن إصلاح قوى إنفاذ القانون، وهذا أمر جنوني"، مشيرة إلى التحقيق معه بتهمة الرشوة، مضيفةً: "بدلاً من إقالته، أوعز مكتب الرئيس إلى المدعين العامين الجدد بتولّي قضيته، فأغلقوا القضية".
ينفي تاتاروف هذه المزاعم، إضافة إلى مزاعم رشوة أخيرة وجّهها إليه مسؤول سابق في قطاع البناء. ولم يُدَن بارتكاب أي جريمة.
أصبح الفساد مصدراً للخلاف بين البيت الأبيض وكييف. فقد دعا وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، خلال زيارته لأوكرانيا في الشهر الماضي، كييف لتتأكّد من أن مكافحة الفساد مستمرة في الداخل "مثلما تستمر مكافحة العدوان الروسي على الخطوط الأمامية". في ذلك الوقت، كان الجنود الأوكرانيون يستعجلون حفر الخنادق لصدّ الهجوم الروسي في خاركيف، متسائلين عن سبب عدم بناء هذه الخنادق في وقت سابق. وربما تكمن الإجابة في تعيين ييرماك نائبه السابق تيموشينكو في وزارة الدفاع، وتكليفه الإشراف على بناء التحصينات التي تبلغ تكلفتها 647 مليون دولار.
انتهاكٌ للقوانين
وكانت الوكالة الوطنية لمكافحة الفساد قد كشفت في العام الماضي أن تيموشينكو كان يقود سيارة "بورش" فخمة، ويقيم في منتجع فاخر، ويسيء استخدام سلطته بسماحه لمرؤوسيه بالسفر إلى الخارج، منتهكاً بذلك قوانين التعبئة في البلاد. ووجدت الوكالة كذلك أنه قدّم وثائق مزورة لإخفاء الجرائم، ما يثير تساؤلات حول سبب منحه هذا الدور المهم في الأمن القومي.
ويشير مكتب الرئيس إلى أن المنتقدين لم يقدّموا أدلة محدّدة تدعم مزاعم الاختلاس، لكن "هيئات مستقلة لمكافحة الفساد تحقق في أنشطة المسؤولين الحاليين".
ويسعى الكرملين إلى استغلال نفوذ يرماك المتزايد ومزاعم الفساد وانتهاء ولاية زيلينسكي للادعاء أن أوكرانيا صارت دولة استبدادية. ويقول يريما دوخ، أحد مساعدي الرئيس الأوكراني السابقين، إنه على الرغم من القلق من دور يرماك، فإن الأوكرانيين ما زالوا يعتبرون زيلينسكي الزعيم الشرعي للبلاد.