عاد ملف ترحيل اللاجئين إلى الواجهة في ألمانيا بعد جريمة مانهايم في الأسبوع الماضي، التي أودت بحياة ضابط شرطة وجرحت عدداً من أعضاء حركة "باكس أوروبا" التي تنتقد الإسلام، على يد لاجئ أفغاني (25 عاماً).
ولم يتأخّر المستشار الألماني أولاف شولتس في إثارة القضية في البوندستاغ، والتأكيد على وجوب ترحيل المجرمين، حتى لو أتوا من سوريا وأفغانستان، فلا مكان للمجرمين الخطرين والتهديدات الإرهابية في البلاد. لاقى هذا الموقف صدى إيجابياً عند العديد من الأحزاب في البلاد، واعتُبر تطوراً في موقف الحزب الاشتراكي الديموقراطي، فيما اعتبر آخرون أنه لا يمكن الاعتراف بحركة "طالبان" والتعاطي مع النظام في سوريا. فكيف سيتمّ ترجمة هذا القرار على المستويين السياسي والأمني، وما موقف المؤسسات المدافعة عن حقوق اللاجئين التي ترى أن سوريا وأفغانستان بلدان غير آمنين؟
تمجيد الإرهاب سبب للطرد
على الرغم من أن المستشار شولز لم يقدّم أي تفاصيل بشأن هذا القرار في كلمته أمام البرلمان الاتحادي، فقد علمت "النهار العربي" أن من ضمن الأفكار المطروحة، إدراج جريمة تمجيد الإرهاب ضمن الأسباب القانونية للطرد من البلاد.
في هذا السياق، أوضحت نانسي فيزر، وزيرة الداخلية الاتحادية المنتمية إلى حزب شولز، أن خيارات أخرى قيد البحث، بينها حالات من قضوا فترة حكم جنائية في البلاد وما زالوا يشكّلون تهديداً ويمكن ترحيلهم. وقالت إنها ستُقدِم قريباً على تشديد قوانين الإقامة، لافتةً إلى أن الترحيل إلى أفغانستان على سبيل المثال ليس سهلاً بشكل عام، خصوصاً منذ استعادت "طالبان" السلطة في كابول في صيف 2021، ولا علاقات دبلوماسية معها. ويأتي ذلك، في وقت يسود انطباع في النقاش الجاري أنه كان ممكناً منع جريمة مانهايم لو رحّلت ألمانيا المجرمين والخطرين في المرحلة الماضية.
وفي حين يدعو الحزب الديموقراطي الحرّ إلى تشديد القانون الجنائي، خصوصاً في حال مهاجمة عناصر الشرطة، ويشدّد بشكل خاص على حماية اللاجئين الملتزمين تجاه المجتمع الألماني، وفيما يعبّر ضباط وعناصر في الشرطة الألمانية عن غضبهم وحزنهم وإحباطهم من السياسيين بعد مطالبات واسعة النطاق بتدريب إضافي وبمعدات إضافية للحماية، جاهرت ماريون غينتس، وزيرة العدل والهجرة في ولاية بادن فورتمبيرغ، والتي تتبع لها مدينة مانهايم، في لقاء متلفز مع قناة "أس دبليو آر"، في الأسبوع الماضي، بوجود مناشدات للحكومة الفيدرالية منذ عام 2021 بترحيل الخطرين إلى أفغانستان وسوريا.
وأضافت غينتس، المنتمية إلى الحزب المسيحي الديموقراطي، أن السلطات في ولاية بادن فورتمبرغ ملتزمة ذلك، "وهذا يصبّ في المصلحة الأمنية الواضحة لبلادنا، فهناك 41 رجلاً افغانياً بينهم متهمون بعمليات اغتصاب، وأربعة سوريين تمّ تصنيفهم حالياً خطرين، يجب ترحيلهم بشكل عاجل، إلّا أن من غير الواضح بعد إن كانوا سيرّحلون بالطائرة، لأن ذلك يتطلّب تعاوناً ألمانياً مع ’طالبان‘ والنظام الحاكم في سوريا".
وهنا، تبرز تعليقات كثيرة تصبّ في أن النظام السوري يصنّف جميع من فرّوا مِن البلاد جبناء وخونة في أسوأ الأحوال، وهناك أشخاص مصنّفون "مشبوهين سياسياً"، وحقيقة تهرّبهم من الخدمة العسكرية علامة واضحة على عدم ولائهم في نظر النظام. عدا ذلك، إن استهداف النظام السوري مواطنيه بالسلاح الكيميائي هدف إلى ضمان عدم إمكانية عودة الهاربين، وأكثريتهم من المعارضين، وبذلك يبني في سوريا مجتمعاً أكثر تجانساً.
عقبات الترحيل
ترفض منظمة "برو أزول" المدافعة عن حقوق اللاجئين مسألة الترحيل، ويقول مديرها الإداري كارل كوب لصحيفة "أوغسبورغر ألغماينه" إن القانون الدولي يحظر بوضوح أي عمليات ترحيل إلى أفغانستان وسوريا، لافتاً في الوقت نفسه إلى أن جريمة مانهايم "صدمتنا جميعاً، لكن على الحكومة ألّا تقوض القانون الدولي، بل يجب أن تعتمد على الوسائل الدستورية الألمانية".
في غمرة هذه الوقائع، اعتبر ميشائيل زيلكه، الناشط الاجتماعي في إحدى المنظمات الألمانية التي تساعد اللاجئين وبينهم من أفغانستان، أن لا خيارات عملية لنقل اللاجئين مرتكبي الجرائم إلى كابول، خصوصاً أنهم يناهضون نظام "طالبان"، معرباً عن اعتقاده بأن القرارات الأخيرة قد تبقى من دون تنفيذ، "ما لم تتمكن السلطات الألمانية من إقناع الدول المجاورة لأفغانستان بالتنسيق معها لإنجاز عمليات ترحيل المجرمين الخطرين، وبينها باكستان مثلا".
وبحسبه، مهمٌ التفكير في كل حالة بذاتها، لا سيما أن ثمة تقارير موثوقة عن حالات إعدام خارج نطاق القضاء، وتعذيب في مراكز الاحتجاز التي يصعب التحقيق فيها، "وقد يكون هذا أيضاً مصير من يمكن أن يرحّلوا إلى سوريا، خصوصاً أن قدرات الأمم المتحدة ومنظمة العفو الدولية والمنظمات المماثلة لمراقبة الوضع في هاتين الدولتين محدودة جداً".
خطأ كبير!
تتلاقى اعتراضات زيلكه مع وجهة نظر حزب الخضر الذي ينتقد فكرة الترحيل إلى أفغانستان، خصوصاً أن "طالبان" أقامت منذ عام 2021 نظاماً غير إنساني، يعاني في ظلّه النساء والأطفال على وجه التحديد من القمع والتضييق على حريتهم، ولم تتردّد لويزه أمتسبرغ، مفوضة حقوق الإنسان للحكومة الفيدرالية والمنتمية إلى الحزب البيئي، في الإشارة إلى أن كل عملية طرد إلى أفغانستان "تتطلّب التعاون مع هذا النظام الإرهابي الإسلاموي، وبالتالي الاعتراف بحركة ’طالبان‘، وهذا خطأ كبير"، فيما رأى مراقبون أن الأولوية هي لتعزيز الأمن، وتشديد قوانين حيازة الأسلحة، وعدم استغلال الوضع وتثميره في الإعلام وفي الحملات الانتخابية.
استناداً إلى ما سبق كله، خلصت قراءات سياسية إلى الآتي: ما دام الأوروبيون لا يقرأون الحقائق الجديدة ولا يبنون سياساتهم على حقيقة مفادها أن سوريا دولة منقسمة، مناطق الشمال فيها خارجة عن سيطرة النظام بحكم الأمر الواقع، والمناطق الأخرى آمنة، فسوف يبقون متخلّفين عن الإدارة الشاملة للصراع. وإلى أن يُترجم هذا الادراك في سياسة فعلية، سيستمر الاتحاد الأوروبي في خداع نفسه.