النهار

معضلة التّعاون مع اليمين المتطرّف تعترض حملة فون دير لاين لولاية ثانية في المفوضيّة الأوروبيّة
برلين - شادي عاكوم
المصدر: النهار العربي
أكدت السياسية الألمانية بعد اجتماع اللجنة التنفيذية لحزبها مطلع الاسبوع في برلين، أنها منفتحة على التحالفات في كل الإتجاهات تقريبا، وتريد التحدث أولا مع كتلتي "الاشتراكي الديموقراطي" والليبراليين، لاسيما أنه كان هناك "تعاون جيد وبناء وبطريقة تتسم بالثقة" على مدى السنوات الخمس الماضية، وتتمثل ألمانيا بـ 96 نائبا في لببرلمان الاوروبي.
معضلة التّعاون مع اليمين المتطرّف تعترض حملة فون دير لاين لولاية ثانية في المفوضيّة الأوروبيّة
هل تحتاج فوندرلاين الى أصوات ميلوني؟
A+   A-
 
رغم نتائج الانتخابات الأوروبية الصاخبة الأحد الماضي التي أعطت اليمين المتطرف كتلة وازنة بعد قضمه حصة كبيرة من أصوات ناخبي الأحزاب التقليدية، تمكن "حزب الشعب الأوروبي" مجدداً من حصد أكبر عدد من مقاعد البرلمان الأوروبي، وهذا ما فرض رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين المنتمية إلى "الحزب المسيحي الديموقراطي" الألماني مرشحة أساسية لولاية ثانية على رأس السلطة التنفيذية في بروكسل. لكن يبقى السؤال: كيف السبيل لتستجمع وزيرة الدفاع السابقة أصواتاً كافية من غير عائلتها الحزبية الأوروبية لإعادة انتخابها للسنوات الخمس المقبلة، فترة ولاية البرلمان الأوروبي؟
 
مصارحة وانفتاح
يبدو أن السعي لخلق أغلبية مريحة من النواب الجدد سيكون بالتعاون مع رؤساء الدول والحكومات الأوروبية الذين سيجتمعون في قمة غير رسمية في بروكسل يوم 17 حزيران (يونيو) الجاري، وقد يعتبر يوماً مهماً لترتيب الاصطفافات السياسية والمناصب العليا في بروكسل، مع ما يتطلبه الأمر من مصارحة من جانب فون دير لاين لقادة الاتحاد الأوروبي عن كيفية إدارة المرحلة المقبلة، وهي التي تحتاج إلى أغلبية مؤهلة، أي أصوات 15 رئيس دولة وحكومة يمثلون 65% على الأقل من سكان الاتحاد الأوروبي، ليصار إلى اتخاذ قرار حاسم بعد أيام في القمة الرسمية للاتحاد وقبل موعد الانتخاب في تموز (يوليو) المقبل. وتحتاج فون دير لاين إلى أصوات 361 نائباً على الأقل من أصل 720 نائباً.  
 
وفي هذا السياق، أكدت السياسية الألمانية بعد اجتماع اللجنة التنفيذية لحزبها مطلع الأسبوع في برلين، أنها منفتحة على التحالفات في كل الاتجاهات تقريباً، وتريد التحدث أولاً مع كتلتي "الاشتراكي الديموقراطي" والليبراليين، لا سيما أنه كان هناك "تعاون جيد وبناء وبطريقة تتسم بالثقة" على مدى السنوات الخمس الماضية، وتتمثل ألمانيا بـ96 نائباً في البرلمان الأوروبي.
 
ودعا "المسيحي الديموقراطي" المنتمي إلى يمين الوسط، المستشار الاشتراكي أولاف شولتس إلى دعم إعادة انتخاب فون دير لاين التي أعلنت أخيراً أنه "في هذه الأوقات المضطربة نحتاج إلى الاستقرار وتحمل المسؤولية، والتعاون على المستوى الأوروبي"، ومن منطلق أن ذلك يتوافق مع حضه قادة الاتحاد الأوروبي وأعضاء البرلمان الجديد على التوصل إلى اتفاق بشأن كبار الموظفين، من دون الالتزام علناً بدعم فون دير لاين لولاية ثانية، رغم أنه يعتبر أن رئاسة المفوضية يجب أن تعتمد على أغلبية من الأحزاب الديموقراطية التقليدية في البرلمان الأوروبي. لكن زميلة شولتس في الحزب الاشتراكي النائبة كاترينا بارلي والمرشحة الرئيسية لحزبها للانتخابات الأوروبية، قالت إنه وفي حال أي تعاون محتمل من فون دير لاين مع رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني وحزبها "إخوة إيطاليا"، فإن الحزب الاشتراكي لن يصوت لها. 
 
كلام بارلي لم يستسغه زعيم الحزب "الديموقراطي المسيحي" فريدريش ميرز، الذي قال إن "الخاسرين في الانتخابات لا يتعين عليهم فرض أي شروط"، مذكراً الخضر والليبراليين والاشتراكيين بأنهم التزموا مبدأ المرشح الأعلى قبل الانتخابات. ووفقاً لهذا المبدأ يسمح لأقوى كتلة في البرلمان الأوروبي بتولي المناصب الأعلى، وبالتالي فإن السياسية الألمانية المنتمية مع حزبها إلى كتلة "حزب الشعب الأوروبي" هي صاحبة حق للترشح وتولي المنصب مجدداً.
 
 
العراب ماكرون مقيد 
وبخصوص استمالة أصوات الاشتراكيين الديموقراطيين والليبراليين الأوروبيين و"حزب النهضة" الفرنسي، يدور النقاش حول إمكان الاتفاق على مبادئ توجيهية أساسية لسياستهم على مدى السنوات الخمس المقبلة، ومن المرجح أن يكون مطلبهم ألا تتعاون وكتلة حزبها "الشعب الأوروبي" مع أحزاب اليمين المتطرف. 
 
عن ذلك، قال الباحث في الشؤون السياسية الأوروبية شتيفان هاينس لـ"النهار العربي"، إن المشهد سيكون أصعب مع ماكرون، عراب الولاية الأولى لفون دير لاين لأن قدرة تأثيره باتت أقل بعدما حل مساء الأحد الماضي الجمعية الوطنية نتيجة هزيمة حزبه "النهضة" أمام اليمين المتطرف، وأضحى في موقف لا يُحسد عليه.
 
من جهة ثانية، يمكن لفون دير لاين أن تعرض على رئيسة الوزارء الإيطالية التي تصدر حزبها الانتخابات الأوروبية صفقة تشمل التخفيف من التصويب على التضييق على حرية الإعلام وسيادة القانون في إيطاليا، وتحصد أصوات 27 نائباً يتبعون لحزب "إخوة إيطاليا".
ويذكر أن ميلوني قالت للإذاعة الإيطالية "أر تي إل" إن من السابق لأوانه اتخاذ القرار. 
 
وخلص هاينس إلى أن الانضباط الجماعي في البرلمان الأوروبي غير مضمون كما هي الحال في البوندستاغ، ولذلك فإن نواب الكتل البرلمانية لا يصوتون موحدين في كثير من الأحيان. مع العلم أن حزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني المتطرف الذي حصد 14 نائباً لا ينتمي حالياً إلى أي كتلة، وذلك بعدما طُرد أخيراً على خلفية فضائح تجسس أحد مساعدي سياسييه لمصلحة الصين، كما تعاون أعضاء الحزب لتوسيع النفوذ الروسي، وعليه فإن الأحزاب المتطرفة ستكون قدرتها على التأثير محدودة في الكثير من القضايا المهمة ما لم تتمكن من إعادة لمّ شملها.
 
وبخصوص أصوات الخضر، تفيد المعلومات بأنه عندما سُئلت فون دير لاين عما إذا كانت ترغب أيضاً في التحدث إلى الحزب البيئي الذي خسر عدداً من نوابه، أفادت بأن هذا مجرد خطوة أولى، وهذا يعني أنها تركت أيضاً الباب مفتوحاً. من المعروف أن لدى الخضر مخاوف بشأن التصويت لها من دون قيد أو شرط رغم استعداده للتفاوض بشأن أعلى منصب في بروكسل، حتى أن تيري راينتكه المرشح الأعلى للحزب البيئي قال إن حزبه يريد أن يساعد في الحكم، وفي كل ما يتعلق بالرخاء والمناخ والسلام والأمن في أوروبا. 
 
 
الحكومة الألمانية متماسكة
إلى ذلك، برزت قراءات سياسية مفادها أن ترتيب البيت الداخلي الأوروبي بسرعة يخدم الائتلاف الحاكم في ألمانيا، لا سيما أن البلد الصناعي بحاجة إلى ديمومة النشاط السياسي في بروكسل، وبالتالي عدم تكبيل عمل اللجان لإقرار القوانين التي تخدم الأسواق الداخلية الأوروبية والتجارة الحرة وغيرها. وهذا ما سينعكس بالطبع على الوضع الاقتصادي الداخلي الألماني في ظل الحديث عن نسبة نمو لا تتجاوز 0,3% عام 2024، وهذا حتماً ما سيريح شولتس وحكومته في ظل التكهنات والمطالبات التي تدعو إلى إجراء انتخابات مبكرة كما حصل في فرنسا بعد أن تراجع حضور أحزاب "ائتلاف إشارات المرور"، الاشتراكي والخضر والليبرالي الحر. وإزاء ذلك، قال المتحدث باسم الحكومة في وقت سابق من هذا الأسبوع، إن موعد الانتخابات العامة سيكون وفقاً للموعد المقرر في خريف عام 2025، وفكرة انتخابات مبكرة في ألمانيا لم تراود التحالف الحاكم في أي وقت ولو لثانية واحدة. ومشروع "ائتلاف إشارات المرور" من المقرر أن يستمر 4 سنوات هي فترة ولاية البوندستاغ الحالي، على أن تتم المحاسبة لاحقاً، في إشارة منه إلى أن تركيبة الحكم في ألمانيا عقلانية ومتماسكة، وتقدم اليمين الشعبوي لم يتجاوز ما نسبته 5% من أصوات الناخبين مقارنة بانتخابات 2019.  
 

اقرأ في النهار Premium