منذ سنوات عدة، بقي تفشّي المخدرات على نطاق واسع، بحجم التفشّي في الولايات المتحدة مثلاً، هاجساً يؤرق السلطات الأوروبية، خصوصاً أن ثمة تقديرات تشير إلى أن مخدر الفنتانيل، وهو مادة أفيونية مصنّعة أقوى 50 ضعفاً من الهيرويين، تقتل نحو 70,000 أميركي في كل عام، بحسب تقرير نشرته مجلة "إيكونوميست" البريطانية.
فقد نجحت أوروبا حتى الآن في الإفلات من قبضة الفنتانيل من خلال توفير رعاية صحية شاملة في معظم أنحاء القارة العجوز، تقدّم لمعظم المرضى سبيلاً لعلاج مصدر آلامهم من دون اضطرارهم للبحث عن علاج سريع باللجوء إلى المواد الأفيونية الطبية المسببة للإدمان.
إلّا أن هذا لا يعني أن هذه المواد غير موجودة. فبحسب التقديرات، أودت المخدرات بحياة نحو 6400 شخص في الاتحاد الأوروبي في عام 2022، وهو آخر عام تتوافر عنه بيانات، على الرغم من أن الرقم الحقيقي أعلى من ذلك. وتقول "إيكونوميست" إن الإقبال على هذا النوع من المواد المخدرة يختلف بين بلد أوروبي وآخر. فقد رسم تقرير أخير صادر عن مركز الرصد الأوروبي للمخدرات والإدمان التابع للاتحاد الأوروبي، المناطق التي تشير التقديرات إلى أن جرعات زائدة من المخدرات تحدث فيها أكثر من غيرها، كما حدّد التقرير مدى مسؤولية المواد الأفيونية عن ذلك.
وبحسب التقرير، تواجه إيرلندا أشدّ مشكلات المخدرات فتكًا، إذ يبلغ معدل الوفيات فيها نحو ثلاثة أضعاف متوسط المنطقة، وتليها إستونيا التي اجتاحتها المواد الأفيونية وغيرها من المخدرات.
عصية على الاكتشاف
يبقى تقييم الدور المحدّد للمواد الأفيونية هو الأصعب. فبعض أحدث المنتجات الأفيونية، مثل النيتازينات، قد يعصى على الاكتشاف في التشريح الروتيني بعد الوفاة في بعض البلدان. فالبيانات الموقتة من إستونيا، على سبيل المثال، تُظهر أن النيتازينات كانت موجودة في نحو نصف الوفيات الناجمة عن تعاطي المخدرات في عام 2023، مقارنة بنسبة 39 في المئة في عام 2022. وقد قام هذا البلد بتحسين طرق الاختبار خلال هذه الفترة، ما قد يساعد على الأرجح في تفسير الزيادة السريعة في الوفيات.
كذلك، وجد تقرير مركز الرصد الأوروبي للمخدرات والإدمان، أن المواد الأفيونية (التي تناولها المدمنون في العادة مع مواد مخدرة أخرى) هي السبب الأكثر شيوعًا للوفيات الناجمة عن تعاطي المخدرات في الاتحاد الأوروبي، إذ كانت في عام 2022 مسؤولة عن أكثر من ثلاثة أرباع الجرعات الزائدة القاتلة.
وفي الدنمارك والنمسا وبلغاريا، شكّلت المواد الأفيونية - بما فيها الهيرويين والمنتجات المصنّعة - أكثر من 90 في المئة من الوفيات الناجمة عن إدمان المخدرات. وعند تصنيف البيانات وفقاً لنوع المواد الأفيونية المستخدمة، تتمتع ألمانيا بأكبر عدد من الوفيات الناجمة عن تعاطي الفنتانيل ومشتقاته، تليها ليتوانيا والدنمارك.
خبر سار
تبشّر "إيكونوميست" بخبر سار في زحمة هذه البيانات المؤلمة: الوضع الأوروبي يبدو مستقرًا، إذ وجد التقرير نفسه أن عدد الوفيات الناجمة عن تعاطي المواد الأفيونية لم يتغيّر "إلّا قليلاً" جدًا على مدار العام، كما تغيّرت "بشكل طفيف" نسبة الوفيات الناجمة عن تعاطي جميع أنواع المخدرات، على الرغم من أن التركيبة السكانية للوفيات آخذة في التحول. فبين عامي 2012 و2022، زاد عدد الوفيات الناجمة عن تعاطي جرعات زائدة بين من تتراوح أعمارهم بين 50 و64 عامًا بنسبة الثلثين. ويُعتبر المدمنون المسنون الآن الفئة الأكثر تضرّرًا في أوروبا كلها.
وحذّر التقرير من أن تواجه أوروبا أزمتها الخاصة بسبب المواد الأفيونية. فأفغانستان هي المصدّر الأول لجميع إمدادات أوروبا تقريبًا من الخشخاش، ومتوقع أن يؤدي نجاح حركة طالبان في خفض إنتاج المخدرات إلى الحدّ من توفّر الهيرويين "بأسعار زهيدة" في أوروبا في العام الجاري.
كذلك، متوقعٌ أن تلجأ عصابات الإتجار بالمخدرات إلى خلط الفنتانيل في إمداداتها المتبقية من الهيرويين، أو بيع المخدر المصنّع وحده بوصفه بديلاً. وفي أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، أدّى نقص مماثل في الهيرويين إلى تزايد استخدام الفنتانيل في إستونيا.