ستستغل قوى غربية ودول من بقية العالم اليوم الأحد، ثاني أيام قمّة كبيرة في سويسرا، في العمل على التوصّل لتوافق بشأن التنديد بغزو روسيا لأوكرانيا وإبداء المخاوف إزاء التكلفة البشرية للحرب.
وأعلن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي السبت أنّه سيُقدّم اقتراحات سلام إلى روسيا ما إن تحظى بموافقة المجتمع الدولي، في وقت اعتبرت مسودّة البيان الختامي أن استمرار الحرب يخلق أزمات ذات تداعيات على العالم.
تفاصيل المسودّة...
في التفاصيل، أفادت المسودّة بأن "الحرب المستمرّة التي تشنّها روسيا الاتحادية على أوكرانيا تواصل التسبّب في معاناة إنسانية ودمار واسع النطاق وخلق أزمات ذات تداعيات على العالم".
وجاء في المسودّة التي اطّلعت عليها "رويترز" أن القمّة عقدت من أجل تعزيز حوار رفيع المستوى حول مسارات نحو التوصّل إلى سلام شامل وعادل ودائم لأوكرانيا على أساس القانون الدولي بما في ذلك ميثاق الأمم المتحدة.
وأكّدت التزام الدول المشاركة بالامتناع عن التهديد باستخدام القوّة أو استخدامها ضد سلامة أراضي أي دولة أو استقلالها السياسي ومبادئ السيادة وسلامة أراضي جميع الدول ومنها أوكرانيا.
وأوضحت أن أي استخدام للطاقة النووية والمنشآت النووية يجب أن يكون آمناً ومحمياً وسليماً من الناحية البيئية. وشدّدت على أن تعمل محطّات الطاقة النووية الأوكرانية ومنها محطّة زابوريجيا تحت السيطرة السيادية الكاملة لأوكرانيا وبما يتماشى مع مبادئ الوكالة الدولية للطاقة الذرية وتحت إشرافها.
وأضافت أن "أي تهديد أو استخدام للأسلحة النووية في سياق الحرب الجارية ضد أوكرانيا أمر غير مقبول".
وشدّدت على ضرورة "إطلاق سراح جميع أسرى الحرب من خلال التبادل الكامل وإعادة جميع الأطفال الأوكرانيين الذين تم ترحيلهم بشكل غير قانوني إلى روسيا وجميع المدنيين الأوكرانيين الآخرين الذين تم احتجازهم بشكل غير قانوني ".
وعبّر الزعماء في المسودة عن الاعتقاد "بأن التوصّل إلى سلام يتطلّب مشاركة جميع الأطراف والحوار فيما بينها".
وأشارت المسودة إلى أن "ميثاق الأمم المتحدة بما في ذلك مبادئ احترام سلامة أراضي وسيادة جميع الدول يمكن أن يشكّل أساساً لتحقيق سلام شامل وعادل ودائم في أوكرانيا".
وقالت الحكومة السويسرية إنّها تأمل أن يحظى البيان الختامي للقمّة بدعم جميع المشاركين. وكانت قد أجريت بعض التغييرات على المسودّة حيث تم حذف إشارة سابقة إلى "العدوان" الروسي وتم استبدالها بكلمة "الحرب".
"سنرى التاريخ يتحقّق"
وقال زيلينسكي في افتتاح أول قمّة للسلام في أوكرانيا التي تستضيفها سويسرا "حين تصبح خطّة العمل على الطاولة، و(تكون) شفافة بالنسبة إلى الشعوب ويوافق عليها الجميع، سيتم إبلاغها إلى ممثلي روسيا بحيث نتمكّن فعلاً من وضع حد للحرب".
من جهّتها، كررت نائبة الرئيس الأميركي كامالا هاريس وقوف الولايات المتحدة الحازم إلى جانب أوكرانيا.
وقالت أمام ممثلي مئة دولة ومنظّمة موجودين في سويسرا حتّى الأحد بهدف وضع مُسوّدة أولى لخطّة سلام، "إذا لم يظهر العالم رد فعل حين يغزو مُعتدٍ جاره، فإن معتدين آخرين سيزدادون جرأة بلا شكّ".
وأضافت أنّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين "قدّم (الجمعة) اقتراحاً. لكن ينبغي قول الحقيقة: إنّه لا يدعو إلى مفاوضات، إنّه يدعو إلى استسلام" أوكرانيا.
ولاحظ الرئيس الكيني وليم روتو أنّها "المرذة الأولى التي نجتمع فيها للحديث عن السلام في أوكرانيا بدل الحرب في أوكرانيا".
واعتبر أنّ "التزاماً من أجل السلام يجعل بعض التنازلات الأساسية أمراً لا بد منه"، مؤكّداً أنّه للنجاح في صنع السلام ينبغي أن "يجتمع الأصدقاء والأعداء".
وشدّد روتو على "وجوب أن تكون روسيا حول الطاولة"، الأمر الذي أشار إليه أيضاً وزير الخارجية السعودي.
وقال الأمير فيصل بن فرحان "نرى أنّ من المهمّ أن يُشجّع المجتمع الدولي أيّ تقدّم نحو سلسلة مفاوضات تستدعي تسويات صعبة في إطار خارطة طريق تقود إلى السلام". وأضاف "أيّ عمليّة ذات صدقيّة تتطلّب مشاركة روسيا".
من جهّته، رأى المستشار الألماني أولاف شولتس أنّ "السلام لا يعني فقط عدم (خوض) الحرب"، رافضاً مفهوم "الحقيقة الجديدة" الذي روّج له الكرملين ويعني الإقرار بسيطرة موسكو على عشرين في المئة من الأراضي الاوكرانية.
وأكّد أنّ "وقفاً فورياً لإطلاق النار من دون مفاوضات جدّية" لن يؤدي سوى إلى "نزاع آخر مجمد".
بدورها، نبّهت رئيسة المفوّضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين إلى أنّ "تجميد النزاع" ليس حلاً، بل هو "وصفة لحروب عدوانيّة مقبلة".
ودعا رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك إلى "تحديد مبادئ سلام عادل ودائم يقوم على القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة".
وأضاف "إنه المسار الواجب سلوكه للتوصّل إلى وقف دائم للعمليّات الحربيّة".
وانضمّ أكثر من 50 من قادة الدول إلى زيلينسكي في منتجع بورغنستوك الجبلي بسويسرا لحضور القمّة التي تستمرّ يومين لكنّها لا تملك سوى طموحات متواضعة لإنهاء النزاع مع رفض الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لها.
وأعرب زيلينسكي مع افتتاح القمّة عن أمله في التوصّل "إلى سلام عادل بأسرع وقت"، مؤكّداً أن "كل ما سيُتفَق عليه سيكون جزءاً من عملية إعادة السلام الذي نحتاجه جميعاً".
وأكّد "سنرى التاريخ يتحقّق خلال هذه القمّة"، مضيفاً "كل ما سيتم الاتّفاق عليه في القمّة اليوم سيكون جزءاً من عملية صنع السلام".
وتابع "نجحنا في إعادة فكرة إلى العالم بأن الجهود المشتركة يمكن أن توقف الحرب وتقيم السلام العادل".
وتهدف القمّة إلى محاولة الاتّفاق على منصّة دولية أساسية لمحادثات السلام النهائية بين كييف وموسكو.
"استسلام"
وقالت الرئيسة السويسرية فيولا أمهيرد إن هناك تصوّراً لمشاركة روسيا في مؤتمرات قمّة مستقبلية بشأن أوكرانيا.
أضافت "لن نكون قادرين على التفاوض أو حتى إعلان السلام لأوكرانيا هنا في بورغنستوك، لكنّنا نرغب في استلهام عملية تؤدي إلى سلام عادل ودائم، ونرغب في اتخاذ خطوات ملموسة في هذا الاتجاه".
وتابعت "يمكننا تمهيد الطريق لإجراء محادثات مباشرة بين الأطراف المتحاربة: وهذا ما نحن هنا من أجله".
لكن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ندّد في خطاب شديد اللهجة الجمعة بالقمة وطالب كييف بالاستسلام قبل أي مفاوضات سلام فعلية.
وقال زيلينسكي السبت إن الشخص الوحيد الذي يريد الحرب "هو بوتين. لكن في أي حال، العالم أقوى".
ورفض حلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة على الفور شروط بوتين المتشددة.
مشاركة 92 دولة
تجمع القمّة مئة بلد وهيئة دولية وتنعقد في مرحلة حرجة لأوكرانيا المنهكة بعد أكثر من سنتين على بدء الغزو الروسي في شباط (فبراير) 2022.
ويحضر المؤتمر زعماء بريطانيا وكندا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا واليابان، وكذلك قادة الاتحاد الأوروبي وزعماء كولومبيا وتشيلي وفنلندا وغانا وكينيا وبولندا.
وأرسل الرئيس الأميركي جو بايدن نائبته كامالا هاريس لتمثّله، وقد أعلنت مساعدة بأكثر من 1,5 مليار دولار لكييف معظمها لقطاع الطاقة الأوكراني.
وكان الرئيس الأرجنتيني خافيير ميلي ورئيسا فيجي والإكوادور من بين الوافدين الأوائل.
أمّا حليفتا روسيا في مجموعة "بريكس"، البرازيل وجنوب أفريقيا، فقد أوفدتا مبعوثين فقط. وتمثّلت الهند على مستوى وزاري، في حين لم تشارك الصين مشترطة حضور روسيا.
وقال الخبير بشؤون روسيا لدى مركز راند للأبحاث سامويل شاراب عن القمة في سويسرا "من الواضح أن روسيا تبذل قصارى جهدها لإظهار غضبها من القمّة... ما يريدونه هو عدم اتساع التحالف المؤيد لأوكرانيا".
بعد نحو عام من الجمود، اضطرت أوكرانيا للتخلّي عن عشرات القرى على الخطوط الأمامية هذا الربيع، مع تفوق القوات الروسية عليها في العتيد والعتاد.
وعلى الجبهة الشرقية، تبقى الآمال بتحقيق اختراق كبير شبه معدومة.
في كييف، قالت فيكتوريا (36 عاماً) العاملة في قطاع إنتاج الطاقة إنّها "منهكة" جراء الحرب وتودّ الاعتقاد بأنّ القمّة ستساعد في وضع حدّ لها لكنها أضافت "إنّني واقعيّة في الحياة، وبالتالي لا آمال كبيرة لديّ".
السلامة النووية والغذاء والمسائل الإنسانية
وتسعى القمّة في سويسرا لإيجاد مسارات نحو سلام دائم لأوكرانيا على أساس القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، ووضع إطار ممكن لتحقيق هذا الهدف وخريطة طريق تمكّن الطرفين من الوصول إلى عملية سلام مستقبلية.
وعقدت السبت جلسة عامّة تضمّ جميع الوفود.
والأحد، يناقش المجتمعون بالتفصيل ضمن مجموعات عمل ثلاثة مواضيع هي: السلامة النووية، وحرّية الملاحة والأمن الغذائي، ومسائل إنسانيّة. وستنظر مجموعات العمل في مسألة الشحن في البحر الأسود وأسرى الحرب والمعتقلين المدنيين والأطفال المُرحّلين.
ويُرتقب عقد قمّة ثانية، وقال رئيس مكتب الرئاسة الأوكرانيّة أندري يرماك الثلاثاء إنّ كييف تأمل بأن تحضرها روسيا وتتسلّم "خطّة مشتركة" يقدّمها المشاركون الآخرون.
ويأتي اجتماع بورغنستوك مباشرة بعد قمّة مجموعة السبع التي وافقت فيها الدول السبع الغنيّة على تقديم قرض جديد بقيمة 50 مليار دولار لأوكرانيا، باستخدام الأرباح من الفوائد على الأصول الروسيّة المجمّدة.
وعلى هامش قمة السبع، وقّع زيلينسكي والرئيس الأميركي جو بايدن الخميس اتّفاقاً أمنياً مدّته 10 سنوات تتعهّد الولايات المتحدة بموجبه تعزيز الجيش الأوكراني والتعاون في مجال التدريب والعمل لتقوية صناعة الأسلحة الأوكرانيّة المحلّية. وقال زيلينسكي إنّ الاتّفاق يُمهّد لانضمام بلاده إلى حلف شمال الأطلسي.
والجمعة، اتّفقت الدول الـ27 الأعضاء في الاتّحاد الأوروبي "من حيث المبدأ" على بدء مفاوضات انضمام أوكرانيا إلى التكتّل.